تحليلات سياسيةسلايد

صيغة الفرض الأميركية – الإسرائيلية تتجاهل المتغيّرات الميدانية

علي حيدر

الإعلان عن مصادقة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي على خطط جديدة لتوسيع الاجتياح البري في جنوب لبنان ليس منفصلاً عن المجريات السياسية وتقدير مخاطر ومآلات التطورات الميدانية، وخصوصاً أنه أتى بعد سلسلة تقارير تقاطعت حول أن جيش العدو بحث إمكانية الإعلان عن انتهاء العملية البرية.

 

خصوصية هذا الإعلان تنبع أيضاً من التزامن مع تقارير عن محادثات سياسية حول مستقبل الحرب على لبنان. ولم يخفِ العدو خلفيات توقيت هذا القرار، إذ أفاد مسؤول إسرائيلي رفيع بأنه في حال عدم قبول حزب الله شروط اتفاق وقف النار، فإن «إسرائيل مستعدة لخطط عملياتية قوية لمواصلة المعركة في لبنان»، وأن خطط إسرائيل «تشمل احتلال مناطق إضافية إذا لزم الأمر».

خصوصية هذا الموقف أنه اقترن مع تقارير إسرائيلية بأن واشنطن وتل أبيب اتفقتا على صيغة تسوية تتبنّاها الولايات المتحدة وستقدّمها كصيغة حل، في حين أنها في الواقع تلبي المطالب الإسرائيلية على حساب لبنان وسيادته. والرهان الأساسي في هذا المجال يتمحور حول محاولة حشر الدولة اللبنانية وحزب الله بين خيارَين: إما القبول بها وإما تصعيد الحرب.

لكن هذا النمط التقليدي من الرهانات يتجاهل حقيقة أن حزب الله وبيئة المقاومة وحلفاءه ينظرون الى هذه الحرب باعتبارها ستحدّد مستقبل لبنان وأمنه واستقراره.

وبذلك، فإن معادلة المصالح الوطنية والوجودية تفرض على المقاومة منع العدو من تحقيق أهدافه، وأيّ تضحيات في هذا الاتجاه تبقى أقل بكثير من مخاطر هيمنته.

إذ إن إضعاف لبنان من خلال إضعاف مقاومته سيجعل مصيره رهن قرار تتخذه قيادة العدو في ضوء متغيّرات إقليمية و/ أو دولية في مرحلة لاحقة. كما أن هذا المنطق، الذي يتحرك على أساسه العدو، يغفل عن أن التحوّلات الميدانية المستمرة والمتصاعدة تجاوزت الإنجازات التكتيكية النوعية التي حقّقها في الأيام العشرة الأولى من الحرب.

أضف الى أن صمود المقاومة وتصاعدها أدّيا الى تبلور مسار ومفهوم مفاده أنه كلما طال أمد الحرب تعزّز وضعها الميداني، وهو أمر سينعكس بالضرورة على قوة الموقف السياسي.

ويُعبّر العدوّ عن هذا المفهوم بالتحذير من سيناريو الغرق في حرب استنزاف مفتوحة. لذلك، فإن من أهداف إعلان هاليفي عن مصادقته على خطط عملياتية جديدة، محاولة تعزيز موقع العدو وموقفه في المعادلة السياسية التي تتم بلورتها، وأيضاً للحفاظ على صورة الجيش المتوثّب وغير المرتدع عن التوغّل البري الواسع.

ومن جهة أخرى، يُعبِّر هذا القرار عن حقيقة أن من أدوار الجيش توسيع دائرة الخيارات العملياتية أمام المستوى السياسي، حتى لو كانت تتعارض مع تقديراته وتوصياته.

في المقابل، فإن أداء حزب الله ورؤيته وخياراته عطّلت وستعطّل الكثير من مفاعيل هذه المناورات، كونها تنطلق من فرضية أن الحرب طويلة والاستعداد لأخطر السيناريوات، وأن الميدان هو العامل الوحيد الذي يفرض على العدو في نهاية المطاف وقف الحرب.

البعد الآخر لإعلان هاليفي أنه يكشف أيضاً عن إقرار قيادة العدو الضمني بفشل المرحلة السابقة من التوغل في تحقيق أهدافها بإخضاع حزب الله ودفعه الى التراجع وتقويض قدراته. ولولا ذلك لما كانت خلصت الى ضرورة الانتقال الى المرحلة الثانية، أو على الأقل التلويح بها حتى الآن، والحرص على القول في البيان إن «آلاف المقاتلين النظاميين الاحتياط سيشاركون فيها»!

وفي البعد المتصل بالعلاقة الثنائية بين القيادتين السياسية والعسكرية، يتعارض تسريب بحث الجيش إعلان انتهاء العملية البرية مع السياسة التي تنتهجها الحكومة، إذ كان ينبغي أن يجري ذلك في المشاورات مع القيادة السياسية، وليس عبر وسائل الإعلام، وخصوصاً أن القرار النهائي في العملية البرية وغيرها يبقى في يد المستوى السياسي.

في كل الأحوال، مع تنفيذ مرحلة ثانية من التوغل البري أو من دونها، فإن لموقف الجيش دوراً أساسياً في بلورة صورة الوضع لدى جهات القرار، أو على الاقل جانب منها.

ويساهم ذلك في تحريض الجمهور الإسرائيلي ضد استمرار الحرب، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي بأن 46% من الجمهور الإسرائيلي يرى أن استمرار الحرب في لبنان هو لأسباب سياسية!

من جهة أخرى، يخدم هذا التسريب الجيش في مرحلة ما بعد الحرب، عندما تتشكل لجان التحقيق، كونه يُلقي المسؤولية على المستوى السياسي إزاء أيّ قرار يمكن أن يتخذه.

تبقى حقيقة أن العامل الرئيسي الذي أسّس لتغيير معادلة الميدان، هو أن المقاومة استخلصت العِبَر مما جرى في الأيام الأولى من الحرب، وترجمت ذلك على مستوى الإجراءات الأمنية والخطط العسكرية.

ولذلك بدأ الحديث عن أن بنك الأهداف الاستراتيجية قد جرى استنفاده، أي بمعنى أن الأهداف الاستراتيجية أصبحت أكثر تحصّناً وحماية. ولذلك تتمّ اعتداءات العدوّ وفق ما تنتجه استخبارات الميدان خلال الحرب، وعبر استهدافها القرى والأحياء في مختلف المناطق اللبنانية.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى