ضغوط إسرائيل على مفاوضات الأسرى: شراء للوقت وتحسين للشروط
يفاوض العدوُّ الإسرائيلي المقاومةَ الفلسطينية عبر صمته الرسمي وتسريباته الإعلامية في موازاة تفاوض غير مباشر تقوده أكثر من جهة دولية بين الجانبين. وإذا كان التوجّه كما يتردّد نحو إبرام صفقة، لا يرجّح أن تتم مع الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يغلب فيها التطرّف اليميني والمزايدات ورفضُ من يرجح مغادرته لها. مع ذلك، يوجد في المقاربة الإسرائيلية والتسريبات الموجهة كثير من الإشارات الدالة على موقف العدو وتوجهاته العامة من ملف التبادل ومجريات التفاوض غير المباشر مع الفلسطينيين. ففيما التزمت إسرائيل الرسمية شبه صمت إزاء المحادثات، تجند الإعلام العبري عبر نقل التسريبات وتوجبه التحليلات والتقارير بما يفيد المفاوض الإسرائيلي نفسه في التوصل إلى اتفاق وفقاً لشروطه.
وإن كانت الرسائل المبثوثة نفسها في الإعلام الإسرائيلي تؤكد جدية التوجهات التفاوضية لدى الجانبين، وأن هناك «فرصة نجاح»، مع التشديد اللافت في الإعلام العبري على أن المفاوضات تتجه كي تكون مقلصة في هذه المرحلة، فقد برز أيضاً أن مصير التفاوض بات مرتبطاً أكثر بموقف حركة «حماس» ومدى المرونة التي يبديها مفاوضوها، وهي إشارات ضغط واضحة وذات دلالات. وإن كانت عملية التفاوض غير المباشرة عبر وساطة ثلاثية، ألمانية وسويسرية ومصرية، وروسية وفقاً لتسريبات أخرى، تعني اتساع دائرة المهتمين بإنجاح التبادل، فهذا يعني في الموازاة وجود خلافات كبيرة مع غياب للثقة بين الجانبين.
في التسريبات الموجهة، أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بـ«تقدّم التفاوض غير المباشر لإنجاز صفقة التبادل» عبر وساطة دولية، ألمانية وسويسرية ومصرية، لكنها ذكرت أن فرصة النجاح والتوصل الفعلي إلى اتفاق تتقلص مع مرور الوقت. الرسالة نفسها جاءت عبر صحيفة «معاريف» التي نقلت عن مصادر سياسية إسرائيلية أن الفرص لإنجاح صفقة آخذة بالانغلاق، مشيرة إلى أن أزمة «كورونا» التي حركت الجانبين لم تعد كما كانت عليه في الشهرين الماضيين، بل الأوضاع الآن مختلفة بعدما بدأت إسرائيل وغزة احتواء الفيروس.
أما في المواقف، فبرز إضافة إلى موقف وزير الأمن، رئيس «يمينا»، نفتالي بينت، الذي قال إنه يرفض «إطلاق سراح قتلة»، موقف وزير المواصلات من «يمينا» أيضاً، بتسلئيل سموتريتش، الذي أعلن معارضته أي صفقة بين إسرائيل و«حماس»، قائلاً إن «إطلاق سراح إرهابيين خط أحمر لا يمكن تجاوزه». هذه المواقف دفعت عدداً من المعلقين الإسرائيليين (القناة الـ 12) إلى تقدير أن رئيس الحكومة المستقيلة، بنيامين نتنياهو، قد ينتظر تشكيل الحكومة الجديدة مع حزب «أزرق أبيض» لتمرير الصفقة، لأنها ستكون على طاولة «المجلس الوزاري المصغر» (الكابينت)، مع بيني غانتس وغابي أشكنازي، أسهل من الائتلاف الحالي.
في التفاصيل التي نقلها الإعلام العبري (القناة الـ 13) عن آخر مستجدات التفاوض، واللافت أنها جاءت عن «مصادر فلسطينية مطلعة»، ذكر مراسل القناة للشؤون الفلسطينية، حزي سيميتوف، أن الطرفين كانا مختلفين حول جدول تنفيذ الصفقة، أي أن تكون على مرحلة واحدة أو مراحل، لكن «حماس قبلت موقف إسرائيل والصفقة ستنفذ دفعة واحدة». مع ذلك، برزت نقطة خلاف أخرى، يضيف المصدر، من شأنها تجميد المفاوضات، وتتعلق بإطلاق سراح محكوم عليهم بالمؤبد، أي ما تسميهم إسرائيل «الملطخة أيديهم بالدماء»، إذ إنها ترفض بشدة إطلاق عدد كبير منهم. وتابع المصدر: «هناك تقدم في المفاوضات لكن لا يوجد اختراق، ومن المشكوك فيه تسجيل أي اختراق قريباً، ما يعني أن صفقة التبادل قد تتقدم، أو تتعرقل كلياً».
وكان «الكابينت» قد اجتمع ، للمرّة الأولى منذ «كورونا»، للبحث في ملف صفقة التبادل، إضافة إلى مواضيع أخرى في مقدمتها «التمركز الإيراني في سوريا». وإن لم يرشح عن الجلسة ما يكشف مضمون المداولات والموقف السائد فيها، فلا يرجح أن تتخذ هذه الحكومة قرارات حاسمة بعدما حُلت عقَد ائتلاف نتنياهو – غانتس، الأمر الذي يمهّد الطريق لحكومة جديدة. على هذه الخلفية، يرجَّح أن تمرّر إسرائيل الوقت لمزيد من الضغط على الجانب الفلسطيني، أملاً بتليين موقفه وتعديل شروطه. وإذا كان توجّه تل أبيب الفعلي هو إبرام تبادل، لا يستبعد ترحيل قرارها إلى الحكومة الجديدة التي يرجّح أن تبصر النور قريباً.
صحيفة الاخبار اللبنانية