«ضمّ الضفة»: التنفيذ رهن القرار الأميركي

 

يعود اللايقين في ما يتعلق بإعلان خطة الضم الإسرائيلية ــــ الأميركية للضفة المحتلة والأغوار، رغم مسافة يوم واحد عن موعدها «الأصلي» الذي أعلنه رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، للضم، إلى أنه لا قرار أميركياً يحسم التجاذبات الإسرائيلية. الواضح أيضاً أن الإدارة الأميركية نفسها، وهي صاحبة القول الفصل، لا توافق لديها، في شبه استنساخ للتجاذب الإسرائيلي الداخلي وتبايناته. وإن توصلت واشنطن إلى قرار ما في الساعات المقبلة، فسيعقبه تنفيذ إسرائيلي دون إبطاء، سواء أكان في الشكل أم المضمون أم التوقيت. كما أنه لو صدر القرار الأميركي، لن يمنع رئيس الحكومة البديل، وزير الأمن، بيني غانتس، نتنياهو، من تنفيذ الضم كما يتقرر أميركياً، كما لن يزيد أو ينقص الأخير من «الضم الأميركي» شيئاً.

ماهية القرار وحدوده وتوقيت تنفيذه ستنكشف رسمياً في تصريح مرتقب يدلي به نتنياهو غداً (الأربعاء). تصريح سيرسم مسار الضم وتفاصيله شكلاً ومضموناً وكذلك طريقة إخراجه كما صدقت عليها الولايات المتحدة، مع أنه لا يُستبعد التأجيل الفعلي للضم مع الاكتفاء بضم مستوطنات قريبة من القدس مع/ من دون كتلة استيطانية كبيرة لا خلاف حولها. ولجهة ضم غور الأردن، بات المرجح أكثر التأجيل إلى موعد غير محدد نظراً إلى تعقيدات هذه الخطوة الإقليمية، والخشية الأميركية من تبعاته السياسية.

في المواقف، برز تسريب عن جهات أميركية مطلعة، عبر الإعلام العبري (صحيفة «معاريف»)، فيه ترجيح ألا تتخذ إسرائيل خطوات لفرض سيادتها في الضفة هذا الأسبوع. هل كانت تقصد الصحيفة بالجهات الأميركية، المبعوث الخاص للرئيس، آفي بيركوفيتش، ورئيس الشؤون الإسرائيلية ــــ الفلسطينية في «مجلس الأمن القومي» سكوت ليث؟ الاثنان التقيا نتنياهو السبت الماضي من دون التوصل إلى اتفاق حول الضم، وعادا وقابلا غانتس بلا نتائج أيضاً، ومن المقرر أن يلتقيا وزير الخارجية الإسرائيلي، غابي أشكنازي، اليوم (الثلاثاء). هكذا، خطّط بيركوفيتش وليث للعودة إلى واشنطن خاليي الوفاض وبلا اتفاق مع تل أبيب، بعد انتهاء لقائهما بنتنياهو وقبل اللقاء مع غانتس. تشير التسريبات إلى أنهما سينقلان ما توصلا إليه هناك، أو بعبارة أدق ما لم يتوصلا إليه، إلى المستشار الخاص للرئيس، جاريد كوشنير، الذي يفضل كما بات معلوماً ضماً محدوداً مع تأجيله، كي لا يشوش على حملة دونالد ترامب الانتخابية، في حين أن الأخير لا يولي أهمية كبيرة للتجاذبات ولم يدل برأيه فيها، لأنه كما يرد في الإعلام العبري «مشغول حالياً في ملفات داخلية من شأنها أن تؤثر أكثر في حملته، مثل فيروس كورونا وتداعياته السلبية على حظوظه بولاية ثانية، وكذلك استمرار الاحتجاجات في أنحاء الولايات على التجاوزات العنصرية للشرطة».

وكانت تصريحات غانتس قد أوضحت التجاذبات الإسرائيلية التي يتعذر جسرها، وهو ما لمسه الوفد الأميركي. فوزير الأمن، الذي أشار لمحاوريه الأميركيين إلى أن الأول من تموز/ يوليو «ليس موعداً مقدساً»، شدد على أن إسرائيل مشغولة حالياً في إعادة الإسرائيليين إلى سوق العمل جراء «كورونا»، وأنها أولوية تسبق أي تحرك سياسي. وقال: «صفقة القرن حدث تاريخي، لكن علينا المبادرة لتنفيذها عبر المفاوضات مع الشركاء الاستراتيجيين في المنطقة والفلسطينيين، للتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف». أما نتنياهو، فيصرّ عبر مواقف علنية على الموعد وأيضاً على ضم المستوطنات والغور. وهو لمح أكثر من مرة إلى أن العرقلة، إن حدثت، فسيكون سببها شركاؤه في الحكومة، أي حزب «كاحول لافان». وفي خطاب عبر الفيديو أمام جمعية «مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل»، عمد إلى «خلط الأبيض بالأسود»، قائلاً إن «فرض السيادة الإسرائيلية (على الضفة) لن يسيء إلى السلام بل يدفع به قدماً»، داعياً الجانب الفلسطيني إلى «التحدث مع إسرائيل على أساس حل وسط تاريخي».

في خلاصة تجاذبات الضم، الواضح أن الولايات المتحدة لم تتخلّ إلى الآن، عن فكرة إجماع الائتلاف الحكومي في إسرائيل على الضم، شكلاً ومضموناً وتوقيتاً، بمعنى أنها تفضل موافقة غانتس وأشكنازي قبل أن تصدّق على الخطة، كما أنها تفضل أن تكون مقلصة، وهو موقف لافت جداً حين يُفرض القرار الأميركي بأدوات إسرائيلية، لأنه شرط يعرقل عملياً خطة الضم الواسعة كما يريدها نتنياهو. لكن يتعذر توصيف هذا الشرط بالفيتو على الضم نفسه، وإن كان عملياً كذلك، وخاصة أن الاتفاق الائتلافي بين نتنياهو وغانتس يسمح بإمرار الضم بصيغته الموسعة عبر تصويت في مجلس الوزراء حيث للأول الغالبية، ودون أن يشكل رفض «كاحول لافان» حائلاً دونه. على هذه الخلفية، قال نتنياهو في جلسة مغلقة لأركان «الليكود»، كما سُرب أمس للإعلام العبري، إن «كاحول لافان» لا يملك أي تصور بخصوص الضم في الضفة. وقال: «المحادثات حول الضم تجري بيننا وبين وفد أميركي موجود هنا في إسرائيل… بسرية»، مستدركاً: «مسألة الضم لا ترتبط بموقف كاحول لافان، إذ إنهم غير مؤثّرين فيه». كذلك قالت مراسلة «هيئة البث الإسرائيلية» (كان) جولي كوهين، إنه في اجتماع «الليكود»، لمّح نتنياهو إلى أن الضمّ لن يبدأ غداً، موضحاً أنه «لدينا محادثة جيدة مع الأميركيين، وعندما يكون لديّ شيء سأبلغكم. إنها عملية معقّدة، وهناك الكثير من الاعتبارات السياسية والأمنية التي لا يمكنني توضيحها».

الفيتو الأميركي ثابت إلى الآن، ويستند إلى شرط يتعذر تليينه، كما يبدو، بين طرفيه الإسرائيليين: نتنياهو وغانتس. وإذا كان الأخير إلى جانب أشكنازي يشترط تنسيق الضم مع الأردن ومصر و«الأنظمة المعتدلة» في المنطقة، مع بوادر إيجابية تجاه الفلسطينيين وإن رفضوا الضم، فإن نتنياهو يغرد بعيداً من فكرة التنسيق، ويدعو إلى الإسراع لاستغلال وجود ترامب في البيت الأبيض في فرض واقع على الأرض في وجه الفلسطينيين يدفعهم لاحقاً إلى التكيف معه كما العادة المتبعة معهم. ويعدّ هذا الخلاف، وإن كان مستنداً إلى أجندات ومصالح شخصية واضحة جداً، مصداقاً حياً لرؤيتين متباينتين بين الأحزاب الصهيونية في تحقيق مشروع إسرائيل الدولة وتعزيز أمنها ومصالحها واستمرار وجودها: رؤية صهيونية تسمى يسارية، وهذه ترى، أو ما زال بعضها يرى، أن الحل مع الجانب الفلسطيني عبر التخلي عن جزء من الأرض المحتلة يعبّد الطريق أمام التطبيع الكلي والشامل مع الأنظمة العربية، ورؤية صهيونية مقابلة، تسمى اليمينية الصهيونية، تقول بضرورة الاحتفاظ بالأرض لأسباب شتى؛ من بينها تعزيز أمن إسرائيل عبر التوسع المستمر، في موازاة سعي تطبيعي مع الأنظمة العربية يؤدي لاحقاً إلى خضوع الفلسطينيين وتنازلهم القسري عن حقوقهم، ما ينهي عملياً قضيتهم. على أي حال، هي ساعات ويتحدد مسار الضم وشكله ومضمونه وتوقيته، فكلمة نتنياهو غداً مفصل أساسي في استشراف هذا المسار.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى