طالبان ليست موحدة كما نعتقد.. علام يختلفون؟ ومن سيحكم أفغانستان؟
كتبت أنشال فوهرا، كاتبة في مجلة «فورين بوليسي» ومراسلة تلفزيونية مستقلة ومعلقة على شؤون الشرق الأوسط وتعيش في العاصمة اللبنانية بيروت، مقالًا نشرته المجلة الأمريكية بشأن الأوضاع الحالية في أفغانستان وترى أن هناك صورًا متضاربة لما يمكن أن تمضي إليه الأوضاع في أفغانستان، حيث تحرص القيادة على تقديم صورة للحكم قد تختلف عن تلك التي يريدها المقاتلون الشباب الذي تحملوا عبء الجانب الأكبر من القتال، والذين قد يصرون على عدم تقديم أي تنازلات فيما يتعلق بالليبرالية، والحداثة، والعلاقة مع الغرب، وذلك على الرغم من محاولة القيادة الظهور في صورة الحكام المعتدلين والإصلاحيين للحصول على الاعتراف الدولي.
تقول الكاتبة في مستهل مقالها إنه منذ أن سيطرت طالبان على أفغانستان، انتشرت تقارير عن أعمال نهب وإعدامات في جميع أنحاء البلاد. ويرسل الأفغان المقيمون في العاصمة كابول رسائل إلى أصدقائهم في الخارج تفيد قيام القوات البرية التابعة لطالبان بمطاردة الصحافيات والطبيبات في عمليات تفتيش شاملة من منزل تلو الآخر. ولقد بذلت قيادة طالبان مجهودًا كبيرًا من أجل نشر رسالة مختلفة تمامًا، بحسب الكاتبة. وسارعوا إلى إصدار أوامر لقواتهم البرية بالعمل على ضبط النفس وإقناع جميع الأفغان بحسن نواياهم. وأعلن قادة طالبان عفوًا عامًا عن كل من عمل مع النظام السابق، وطلبوا من المسؤولين الحكوميين والصحافيين، بمن فيهم النساء، العودة إلى العمل، بل تواصلوا مع الأقليات لتهدئة مخاوفهم.
ومن الواضح أن قمة هرم السلطة في طالبان، الذين أمضى كثيرٌ منهم سنواتٍ في الخارج خلال الحرب التي انتهت مؤخرًا، يعتزمون تقديم أنفسهم على أنهم حكام معتدلون ومصلحون يتوقون إلى الشرعية بين الأفغان والاعتراف من المجتمع الدولي. والأمر الأقل وضوحًا الآن يتمثل في السؤال: هل يرغب مقاتلو طالبان العاديون الذين يحكمون أفغانستان بأكملها الآن في الشيء نفسه؟ ناهيك عن كيفية حل أي توترات تندلع داخل صفوف طالبان، وعلى حساب أي طرف سيكون حل هذه الخلافات؟
وبعد يوم من دخول كابول، عقد المتحدث البارز باسم الجماعة، ذبيح الله مجاهد، مؤتمرًا صحافيًّا مطولًا في المدينة قال فيه إن طالبان لا تسعى للانتقام، ولن تعدم أي شخص وقف في خندق المعارضة ضدها من قبل. كما أكد على حماية حقوق المرأة في إطار إسلامي، وتشكيل حكومة شاملة، وتوفير حماية على مدار الساعة للسفارات الأجنبية.
تصريحات طالبان الإيجابية قد لا تكون أكثر من حملة علاقات عامة
يعتقد العديد من الأفغان والخبراء الذين تابعوا الجماعة منذ نشأتها أن هذه التأكيدات لا تعدو مناورة في العلاقات العامة. وأشار البعض إلى مطالبة مجاهد، في المؤتمر الصحافي نفسه، بأن وسائل الإعلام ستكون ملزمة بمراعاة الشريعة الإسلامية في تغطيتها، وإلى الطريقة التي يبدو أنه يشير من خلالها إلى أن فرص عمل النساء قد تقتصر على عدد قليل من المِهن المختارة.
وتشير الكاتبة إلى أن هناك تساؤلات بشأن مدى ميل القيادة السياسية لطالبان إلى تقديم تنازلات أكثر من تلك التي تريدها القوات البرية التابعة لها. وتنتشر تقارير بالفعل عن إطلاق صغار أعضاء طالبان النار على المتظاهرين، وطمس صور النساء في الأماكن العامة.
انتخابات غير مجدية
وخلال هذا الشهر، قال مقاتل من طالبان في قندهار لمجلة «فورين بوليسي»: إن طالبان لن تسمح أبدًا بإجراء انتخابات في البلاد. وتحدث إلى المجلة شريطة عدم الكشف عن هويته حيث لم يكن مسموحًا له بالتحدث إلى الصحافيين، قائلًا: «الانتخابات لا تجدي». وأضاف: «على مدى السنوات العشرين الماضية، أجرينا انتخابات، لكن ذلك لم يحقق شيئًا. وسيكون لدينا طريقتنا الخاصة». غير أن المتحدث الرسمي باسم الجماعة في الدوحة، سهيل شاهين، عارض هذا الرأي وقال: «نحن منفتحون على كل الأفكار المطروحة على الطاولة»، بما في ذلك إجراء الانتخابات.
وتنقل الكاتبة عن دوجلاس لندن، المدير السابق لعمليات مكافحة الإرهاب التابعة لوكالة المخابرات المركزية في جنوب وغرب آسيا، قوله إن طالبان أصبحت «بارعة في التعامل مع وسائل الإعلام على نحو رائع». وهذا التطور المكتشف حديثًا يمكن أن يمنع الجماعة من ارتكاب إبادة جماعية علنية، كما فعلت في الماضي ضد أقلية الهزارة.
لكن لا شيء من ذلك يشير إلى أن الجماعة لن تستمر في عدم احترام حقوق الإنسان الأساسية أو دعم المتطرفين بصورة غير معلنة. وقال لندن: «سوف يتسترون بالصلاح الديني للعودة إلى قمع المرأة، والحد من التعرض للغرب، وقمع الديمقراطية، وعدم احترام حقوق الإنسان». وتابع: «ولن يقيدوا الجماعات (الإرهابية)، وسيطلبون منها خفض وتيرة أعمالها فحسب». وأطلقت حركة طالبان بالفعل سراح عدد من مقاتلي القاعدة البارزين في شبه القارة الهندية الذين كانت السلطات الأفغانية تحتجزهم في منشأة اعتقال في قاعدة باجرام الجوية.
ولفتت الكاتبة إلى أن محادثات «فورين بوليسي» مع ممثلي طالبان تؤكد بدرجات مختلفة من التسلسل الهرمي للجماعة أنهم يخططون لإحياء نظام استبدادي، غير أنه قد يكون أقل قسوة. ويعتقد البعض أن طالبان تهدف إلى تبني نسخة أكثر صرامة من نظام الحكم المعمول به بالفعل في دول إسلامية أخرى، مثل إيران والسعودية. وقد يرقى هذا بالفعل إلى نظام أكثر اعتدالًا وانضباطًا من النظام الذي أشرفت عليه طالبان في المرة الأخيرة التي كانت فيها في سدة السلطة. وتلفت الكاتبة إلى أن المقارنة بين طالبان وإيران تشير إلى نظام ديني صرف، ولكنه يعمل وفقًا لتسلسل هرمي ديني منظم، بدلًا عن «الوحشية الأصولية المرتجلة».
وتنقل الكاتبة ما صرح به لها رحمة الله نبيل، المرشح الرئاسي في الانتخابات الأخيرة والرئيس السابق للمديرية الوطنية للأمن، وكالة الاستخبارات الرئيسة في أفغانستان، قبل أيام من سيطرة طالبان على كابول: «إيران تريد أن تكون طالبان مثلها، دولة إسلامية يديرها رجال الدين». ويناقش قادة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة ومدينتي كويتا وكابول حاليًا مدى الحريات الاجتماعية التي يجب منحها لسكان المدن في البلاد، الذين زاد عددهم وأصبحوا أقل تحفظًا منذ أن كانت الجماعة في السلطة آخر مرة. وسيكون هدفهم إسكات صوت المنتقدين في الخارج مع الحفاظ في الوقت نفسه على حيوية قاعدة دعمهم المتشددة.
النساء والموسيقى في عهد طالبان
أخبر حبيب أغا، نجل زعيم طالبان البارز سيد أكبر أغا الذي يزعم تواصله مع قيادة طالبان في الدوحة وكويتا، وكذلك مع جنود الجماعة في كابول، مجلة «فورين بوليسي» عن الخطط السياسية للجماعة. وقال حبيب باللغة الأردية: «سيُسمح للفتيات بالذهاب إلى المدرسة والجامعة كذلك إذا رغبن في ذلك. ويمكن أن يصبحن طبيبات لأن النساء بحاجة إلى طبيبات، ولكن قد يكون من الصعب عليهن أن يصبحن صحافيات أو محاميات، على ما أعتقد».
وأضاف حبيب أن القانون قد لا يجبر النساء على ارتداء النقاب الكامل طالما أنهن يرتدين الحجاب ويغطين شعرهن. وقال إن طالبان ستتوقف على الأرجح عن عرض برامج تلفزيونية ترفيهية لأنها «تشتت انتباه الشباب عن الدراسة وتضيِّع وقت الكبار»، ولكن قد يكون هناك مجال للاستماع إلى «الموسيقى الجيدة». ومع ذلك ستراقب وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل ذلك، وهي كيان كان شديد القسوة في آخر تجسيد له في ظل حكم طالبان، بحسب تعبير الكاتبة. واعترف حبيب بإعدام بعض الأشخاص على يد طالبان في الجنوب، ولكنهم كانوا من «اللصوص» فقط على حد تعبيره، وأنه جرى تنفيذ بعض عمليات تفتيش شاملة من منزل إلى منزل، ولكنها منازل أولئك الذين «كانوا يخفون أسلحة أو يحوزون أشياء مملوكة للدولة مثل المركبات» فحسب.
وقال أحمد رشيد، وهو صحافي ومؤلف كتاب عن أيديولوجية الجماعة: إن طالبان ستحاول الحفاظ على النظام الاقتصادي الأساسي للبلاد لحماية وصولهم إلى أصول الدولة، لكن الشيء نفسه لا ينطبق على حقوق الإنسان. وأضاف: «إنهم لا يؤمنون بالديمقراطية، فكيف يختارون قائدًا مثلًا؟ وهناك عدد من الأسئلة التي لم يجيبوا عنها بعد».
لا تنازلات تجاه الليبرالية والحداثة
وقال رشيد: «أعتقد أنهم سيحاولون جاهدين الاندماج في المجتمع الدولي، للحصول على الاعتراف. ولكن كل الحديث عن حقوق المرأة هو مجرد كلام. وهناك جيل جديد بالكامل من المتعصبين الذين أُطلِق سراحهم من السجون في أفغانستان وقضوا وقتًا في معتقل جوانتانامو، (ممن) لديهم تجارب سيئة مع الغرب، سوف يتخذون موقفًا متشددًا للغاية. والجيل الأصغر من مقاتلي طالبان هو الذي تحمل الجانب الأكبر من القتال. وسيطالبون بحقهم بإصرار، ويتجنبون أي تنازلات تجاه الليبرالية والحداثة».
وتختتم الكاتبة مقالها بالقول إن روسيا والصين، وباكستان بطبيعة الحال، أعربت عن ثقتها في عودة طالبان إلى السلطة. لكن كثيرين في الغرب يجدون صعوبة في ابتلاع تقديم الجماعة لنفسها على أنها قوة مقاومة ضد الاحتلال الأمريكي دون أي اعتراف بتاريخها الخاص من القسوة والإرهاب المحليين. إن العالم يراقب ويتساءل عن مدى استحقاق طالبان للفرصة في الحكم، والتي حصلوا عليها بهذه السهولة. وفي غضون ذلك يحبس الأفغان أنفاسَهم ويتساءلون هل بات بإمكانهم الخروج من منازلهم بأمان؟
ترجمة فريق العمل في ساسة بوست