طهران ترحّب بمبادرة عمران خان: ليتحوّل «التكتيك» السعودي إلى استراتيجية

 

في الحدّ الأدنى، يحظى تحرّك عمران خان للتوسط بين الرياض وطهران برغبة الطرفين. لكن هذا لا يبدو كافياً، ولا سيما من وجهة النظر الإيرانية، قبل أن توضح السعودية نياتها، ما يؤكد العقبات أمام المحادثات التي قد يستضيفها الباكستانيون في إسلام آباد. الباب إلى ذلك ما سيسمعه خان في السعودية حول ملف اليمن، وثانياً الانعتاق من الانخراط في الحملة الأميركية. يريد الإيرانيون، إذاً، تحوّلاً في الاستراتيجية السعودية، لا مناورة تكتيكية لخفض التصعيد فحسب.

أجرى رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، أمس، زيارة لطهران التقى خلالها الرئيس حسن روحاني وكبار المسؤولين، بِمَن فيهم المرشد علي خامنئي. وكانت وزارة الخارجية الباكستانية قد أشارت في بيان إلى أن زيارة خان لطهران تُعدّ جزءاً «من المبادرة الرامية إلى النهوض بالسلام والأمن في المنطقة». تصبّ الزيارة الثانية للرجل خلال السنة الجارية لإيران، في إطار جهوده للتوسّط بين طهران والرياض. وقد أمل، بعد لقائه روحاني، أن تستضيف بلاده حواراً يجمع إيران والسعودية في إسلام آباد، وقال: «تحرّكنا يأتي بدافع مبادرة شخصية لرأب الصدع بين الرياض وطهران، ولم يطلب أحد الوساطة»، متمنياً أن تكون زيارته لكلّ من إيران والسعودية مفيدة، مشدداً على أن الخلافات بينهما يمكن حلّها عبر الحوار. کما أكد أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، طلب منه تمهيد الأجواء لإجراء حوار بين إيران والولايات المتحدة.

من جانبه، رحّب روحاني بجهود خان لعودة الاستقرار والأمن إلى المنطقة، قائلاً إنه يجب حلّ الخلافات والمشكلات في المنطقة من خلال الحوار، مضيفاً: «أكدنا لباكستان أننا سنردّ على أيّ حسن نية وموقف إيجابي بالمثل». وكان خان قد أعلن في وقت سابق، على هامش الدورة الـ 74 لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الولايات المتحدة والسعودية طلبتا منه التوسط في محاولة لإزالة التوترات. في ذروة التصعيد بين إيران والسعودية، برزت علامات على رغبة الطرفين في دخول مفاوضات وخفض التوتر. وفي هذا الإطار، دخلت عواصم على خطّ الوساطة، بينها بغداد وإسلام آباد، اللتان تربطهما علاقات ثابتة مع طرفي الصراع من جهة، وهما قلقتان من الأضرار التي قد تمسّ مصالحهما من جراء هذا التصعيد من جهة أخرى.

القدرات الباكستانية للوساطة

يقول مدير مكتب وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) في إسلام آباد، بهادر حسيني تشنيزي، لـ«الأخبار»، إن الحكومة الباكستانية «تتمتع بالطاقة والدافع اللازمين للتوسط»، مضيفاً إن «باكستان تقيم علاقات طويلة الأمد واستراتيجية مع السعودية، وتعتبر الرياض شريكها الاستراتيجي. وقد سافر عمران خان منذ انتخابه رئيساً للوزراء ولحدّ الآن ثلاث مرات إلى الرياض التي كانت أول عاصمة يزورها. ومن جهة أخرى، فإن باكستان تعتبر إيران جارتها القريبة والقوية. مصلحة إسلام آباد تكمن في الصداقة بين إيران والسعودية. باكستان تلقت صدمات كبيرة من الخلافات بين طهران والرياض. فعلى سبيل المثال، تنفيذ خط أنابيب نقل الغاز الإيراني إلى باكستان تعثّر بفعل تدخلات السعودية». ويصف تشنيزي السياسة الخارجية لحكومة عمران خان بـ«الفعالة»، لافتاً إلى أنه «لو لم تكن ثمة رغبة وإرادة لدى إيران والسعودية، لما كان عمران خان أقدم على هذه الخطوة». ويتابع: «الحكومة السعودية، ونظراً إلى التطورات التي طرأت خلال السنة الأخيرة، رحّبت بتسوية خلافاتها مع إيران، وهي جاهزة أكثر من أي وقت مضى للدخول في مفاوضات حول خلافاتها مع طهران. ومن جهة أخرى، فإن إيران أعلنت دائماً أنها جاهزة للحوار مع جميع الأطراف الإقليمية لحل المشاكل».

خلفية الموقف السعودي

يرى الصحافي والباحث في «مركز الشرق الأوسط للدراسات والبحوث الاستراتيجية» في طهران، كامران كرمي، أن التغيرات التدريجية للفهم السعودي للمسارات الإقليمية تمهّد لـ«حرص السعودية على خفض التصعيد، وعلى مستوى أعلى اعتماد المحادثات السياسية بما في ذلك في شأن اليمن». ويضيف في حديث إلى «الأخبار» أن «المبادرة انفلتت من يد الرياض إلى حدّ كبير، وثمة خشية كبيرة من أن تشتد وتيرة التوتر وحتى نقل الأزمة إلى داخل السعودية… وبناءً على ذلك، فإن تفعيل الوساطات لخفض التصعيد لقي ترحيباً من السعودية».

ويعتقد كرمي أن «تغليب السعودية كفة المقاربة السياسية على العمل العسكري لا يمثّل تطوراً استراتيجياً، بل تغيراً تكتيكياً في العلاقات بين طهران والرياض»، موضحاً أن «هذه القضية تعتبر من وجهة نظر السعودية ضرباً من الرغبة في إدارة التوتر وتحاشي المزيد من توتير العلاقات، والذي يخشى أن ينطوي على سيناريوات لا تحمد عقباها». من هنا، يرى أن الحديث عن تسوية شاملة بعيد المنال، لجملة عوامل: «الغموض في المحادثات السياسية اليمنية والمسار غير المستقر وغير الثابت للاتفاق لتشكيل الحكومة وتقسيم السلطة في الدرجة الأولى، وانعدام إطار المحادثات المتفق عليه والقابل للتنفيذ والذي يحظى بقيمة مضافة لدى بؤر التوتر والأزمة في العلاقات بين إيران والسعودية في الدرجة الثانية، وعامل ترامب المتغير وانعكاسات سلوكياته المتذبذبة على إيران والسعودية في الدرجة الثالثة».

الدور الأميرکي

يتوقف المحللون عند النقطة الثالثة الآنفة الذكر، أي محورية الدور الأميركي في عملية بلورة أرضية المحادثات بين إيران والسعودية. فلا نزال نشهد ثبات سياسة «الضغوط القصوى» الأميركية، توازياً مع الغموض في مسار المفاوضات. إضافة إلى قيام الرياض بدور في استراتيجية «الضغوط القصوى» هذه، والتي لا تزال قائمة على رغم يأس الرياض من مضيّ ترامب قدماً في سياسة أكثر هجومية ضد طهران. كل تلك العوامل لا تعني تبعية الرياض لواشنطن من دون قيد أو شرط، بل هي ناجمة عن السياسات التي بنى محمد بن سلمان استراتيجيته عليها منذ توليه السلطة. وعليه، فإنه طالما لم يحصل نوع من التطور في العلاقات بين طهران وواشنطن، فإنه لا يمكن لكثير من المتابعين، ولا سيما في طهران، التفاؤل بإيجاد مصالحة مع الرياض، والتوصل إلى اتفاق إقليمي خلال المدى المتوسط.

صحيفة الأخبار اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى