طهران تزيد من الضغط على الإقتصاد الإيراني (پاتريك كلاوسون)

 

پاتريك كلاوسون

 

اتخذ الاقتصاد الإيراني منعطفاً نحو الأسوأ، ويرجع ذلك أساساً إلى سوء السياسات المحلية فضلاً عن العقوبات الدولية. إن الإعتقاد بأن ذلك سيغير موقف طهران من القضية النووية يشكل تفاؤل مفرط.
قبل ثلاثة أسابيع، دعا المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي الى اتباع "اقتصاد المقاومة" التي وصفها بأنها "استخدام إمكانيات البلاد كاملة … [لـ] كسر أوهام القوى المتغطرسة" [التي تعتقد] بأن طهران سوف تغير سياساتها. ومنذ ذلك الحين، فقدت عملة البلاد 27 في المائة من قيمتها في السوق الحرة. إلا أن هذه الظروف الاقتصادية المتدهورة وغيرها تعود ليس فقط إلى استمرار العقوبات الدولية، بل أيضاً إلى التأثير التراكمي لسياسات الحكومة الإيرانية غير الملائمة. وعلى الرغم من أن الوضع قد يمتد في النهاية إلى الأزمة النووية، إلا أنه لا توجد دلائل على أن ذلك هو الحال في الوقت الراهن.
 
الريال المنهار والركود التضخمي
حتى وقت قريب، حقق اقتصاد إيران أداءاً جيداً إلى حد ما – فقد كان نموه أعلى من نظيريه في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي في كل عام منذ 2008. إلا أن ذلك قد يتغير.
فقد انخفضت قيمة الريال الايراني بصورة حادة منذ أيلول/سبتمبر 2010، عندما – ولأول مرة منذ إصلاح العملة عام 2002 – تراجع سعر السوق الحرة بصورة ملحوظة دون السعر الرسمي الذي يبلغ حوالي 10,000 ريال للدولار الواحد (كان يتم تعديل السعر الرسمي بقيم صغيرة بشكل دوري). وعبثاً حاول "البنك المركزي الإيراني" سد الفجوة، ولكن بعد انخفاض سعر السوق الحرة إلى 11,800 ريال للدولار في حزيران/يونيو 2011، تراجعت طهران عن موقفها وخفضت السعر الرسمي من 10,590 إلى 11,740. وعلى الرغم من أن تلك الخطوة قد جلبت سعراً موحداً لمدة خمسة أشهر، انخفض سعر السوق الحرة مرة أخرى في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 إلى 13,300 ريال للدولار. وأثار ذلك انخفاض مطلق دام شهرين، هبط خلاله الريال في أواخر كانون الثاني/يناير 2012 إلى 22,100 للدولار.
ورداً على ذلك أصيبت الحكومة بالذعر، واتخذت تدابير قسرية (على سبيل المثال، إغلاق أعمال تجار العملة وحجب المواقع الألكترونية التي تنقل أسعار الصرف) والسماح لأسعار الفائدة في الارتفاع وطرح كميات كبيرة من الدولارات إلى السوق وتوفير دولارات بالسعر الرسمي البالغ 12,260 لاستيراد السلع الأساسية. واسترد سعر السوق الحرة قيمته بسرعة إلى حوالي 19,000، حيث بقي في تلك القيمة حتى أواخر آب/أغسطس. ومع هذا، انخفض سعر الريال مرة أخرى بشكل حاد منذ ذلك الحين ليصل في 12 أيلول/سبتمبر إلى 26,000 ريال للدولار. ويمثل هذا الرقم 38 في المائة من قيمة الريال قبل عامين، و 73 في المائة من قيمته في آب/أغسطس.
وحيثبينما انخفض سعر الريال ارتفعت تكلفة السلع المستوردة. وكان مؤشر أسعار المستهلك الرسمي في شهر آب/أغسطس أعلى بـ 23.9 بالمائة عما كان عليه قبل عام، حيث كانت الزيادة بصورة أكبر في المواد الغذائية (على سبيل المثال، 74 في المائة للفواكه الطازجة و 81 في المائة للخضروات و 74 في المائة للدجاج). وكما هو الحال في أي مكان آخر في مثل هذه الظروف فإن التصور السائد بين الإيرانيين هو أن معدل التضخم هو أعلى بكثير من الأرقام التي تظهرها الحكومة. وفي هذه المعدلات، من المرجح أن يهرب جميع الايرانيين من الريال، مما سيسرع في دخوله إلى دوامة السقوط. على سبيل المثال، في الأشهر السبعة الأولى من عام 2012، أفادت تركيا أنها صدرت ما قيمته 6.2 مليار دولار من الذهب إلى إيران، بزيادة قدرها 500 في المائة عن العام السابق، وهذا ما جعل إيران أكبر وجهة تصدير لتركيا.
 وقد أدت عائدات صادرات طهران المنخفضة إلى وضع ضغط إضافي على الريال. وكما أشار وكيل وزير الخزانة الأمريكي ديفيد كوهين في 12 أيلول/سبتمبر "في العام الماضي، صدّرت إيران ما يقرب من 2.4 مليون برميل من النفط لليوم الواحد … مما أكسبها نحو 100 مليار دولار"، ولكن منذ ذلك الحين "انخفضت صادراتها من النفط الخام إلى حوالي مليون برميل في اليوم … مما كلف إيران ما يصل إلى 5 مليارات دولار شهرياً".
ويبدو أن رد الحكومة الإيرانية قد شمل اتخاذ تدابير إدارية لخفض الواردات. ففي أوائل آب/أغسطس، حذر محافظ "البنك المركزي" محمود بهماني بأنه "ليس هناك سبب لصرف أموالنا [على الواردات] في الوقت الذي نرزح فيه تحت ضغط العقوبات. علينا أن نتذكر أننا قد نحتاج إلى إدارة أحوال بلادنا لفترة طويلة باستعمال هذه الأموال." وما يعنيه هذا للمستوردين الإيرانيين يتضح من كلمة اقتباس صرح بها أحد الأشخاص في منتصف تموز/يوليو إلى مراسل شبكة PBS  كيلي نيكينجاد: "قبل فرض العقوبات، استغرق الأمر يومين للحصول على إذن استيراد من وزارة التجارة أو خطاب اعتماد من «البنك الإيراني» الذي يدفع للمُصدّر. أما الآن فيستغرق الوقت أسبوعين للحصول على تصريح استيراد و 15-20 يوماً للحصول على خطاب اعتماد. كما تواجه المعاملات الجمركية تعطيلات كبيرة أيضاً. ففي الأسبوع الماضي كانت لدينا شحنة تم حجزها في بندر عباس [أكبر ميناء في إيران] لمدة شهرين".
إن الصعوبات في الحصول على القطع والمواد المستوردة تلحق ضرراً حاداً بالصناعة الإيرانية. فقطاع السيارات الذي يعمل فيه 150,000 شخص بشكل مباشر وغير مباشر، يكافح للحصول على عقد [لاستيراد] قطع غيار من المورّدين الرئيسيين الفرنسيين والكوريين، في ظل العقوبات المالية التي تفرضها تلك الحكومتين وعدم رغبة شركتي "پيجو" و "كيا" في المخاطرة مما يؤدي إلى إثارة غضب واشنطن أو فقدان عملاء أمريكيين. وفي الوقت نفسه، فإن معدل البطالة الرسمي الإجمالي هو 17 بالمائة، بينما هو 29٪ بين الشباب، في الوقت الذي يعتقد معظم الإيرانيين أنه أعلى من ذلك بكثير.
 
أخطاء السياسة الداخلية تزيد من شدة العقوبات
في أوائل أيلول/سبتمبر، أعلن محافظ "البنك المركزي" بهماني، "وضْعَنا هو وضع [دولة] في حالة حرب. نحن نتحمل أعباء حرب اقتصادية يشنها العالم ضدنا." ومع ذلك، فبقدر ما قد ترغب واشنطن في الحصول على الثناء الكامل لمشاكل إيران الاقتصادية، قد يكون رئيس "مجلس الشورى الإسلامي" علي لاريجاني أقرب إلى الحقيقة عندما قال في أواخر تموز/يوليو، "لا تشكل العقوبات سوى 20 في المائة من مشاكل البلاد الاقتصادية، وللأسف، يعود المصدر الرئيسي للتضخم إلى التطبيق الذي تعوزه البراعة في خطة قمع الإعانات." ومهما قد يكون الوصف الدقيق للّوم، تكمن العوامل الداخلية والخارجية على حد سواء وراء مأزق إيران الاقتصادي الحالي.
في كانون الأول/ديسمبر 2011، رفعت طهران أسعار الطاقة – المدعومة إلى حد كبير – في البلاد إلى مستويات السوق، بمنحها الأسر مدفوعات نقدية شهرية للتعويض عن ارتفاع الأسعار. وكان لتلك الخطوة الكثير بما يشيد بها – وعلى وجه الخصوص حدث انخفاض في استهلاك البنزين، ويرجع ذلك جزئياً إلى انخفاض الطلب المحلي ولكن أيضاً إلى تراجع التهريب المستشري للغاز إلى الدول المجاورة حيث كانت الأسعار أعلى من ذلك بكثير. إلا أن ارتفاع أسعار الطاقة أربعة أمثالها قد يواجه الخطر الواضح بأن الأعمال التجارية سوف تعمل على زيادة الأسعار لتغطية ارتفاع التكاليف، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم. وكانت الخطة المعلنة هي توجيه أموال ضخمة نحو الأعمال التجارية لمساعدتها على التكيف على الوضع الجديد (على سبيل المثال، من خلال الاستثمار في تكنولوجيا توفير الطاقة). وبدلاً من ذلك، استخدمت الحكومة جميع الإيرادات الإضافية من مبيعات الطاقة الأعلى سعراً لتوفير التعويضات إلى الأسر، مما ترك الأعمال التجارية تكافح من أجل تسيير أعمالها. وقد لجأ العديد منها للحصول على قروض مصرفية لتمويل خسائرها، وهو منفذ أصبح أكثر جاذبية بسبب أسعار الفائدة التي كانت أقل بكثير من معدل التضخم. وقد أدت تلك القروض – بالإضافة إلى الاقتراض الحكومي لتمويل المدفوعات للأسر – إلى توسيع معروض النقود الذي زاد بدوره من تغذية التضخم.
وفي الواقع كانت السياسة النقدية المتساهلة سبباً رئيسياً في تسارع التضخم وانخفاض قيمة الريال. فمنذ آذار/مارس 2007 (قبل وقت قصير من تسلم الرئيس محمود أحمدي نجاد زمام السلطة) وإلى آذار/مارس 2012، تعاظم معروض النقود الواسع من 1,383 تريليون إلى 3,720 تريليون ريال، أي بزيادة قدرها 169 بالمائة. وخلال الفترة نفسها، زاد "الناتج المحلي الإجمالي" الحقيقي بنسبة 21 في المائة. وعندما يقوم المال الذي زاد بنسبة 169 بالمائة بمطاردة سلع زادت بنسبة 21 في المائة، تكون النتيجة قيام تضخم – وفي الواقع، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في إيران بنسبة 18 في المائة في العام خلال تلك الفترة. ومع ارتفاع الأسعار أقل من 3 في المائة سنوياً في البلدان التي تتاجر معها إيران، يتوقع المرء في حالة كهذه أن يخسر الريال بعضاً من قيمته. ولمواكبة ارتفاع التكاليف، من المفترض أن ينخفض الريال من 10,000 للدولار الواحد في عام 2007 إلى 20,000 في عام 2012. إن الانخفاض الفعلي الحاد جداً إلى 26,000 هو مؤشر صريح لمدى تأثر الاقتصاد من القلق حول الوضع الدولي والعيوب في سياسات النظام المالية.
 
التأثير المحتمل على الأزمة النووية
في الوقت الحاضر، قد يكون من التفاؤل المفرط أن نأمل بأن الظروف الاقتصادية المتدهورة ستحفز قادة إيران على تغيير موقفهم النووي. ولا يبدو أنهم على معرفة كبيرة بالوضع الاقتصادي لبلادهم أو يهمهم الكثير عنه – فدخلهم الخاص لم يتضرر إلا قليلاً، إن تضرر حقاً، ويبدو أنهم غير مبالين ازاء احتمال قيام اضطرابات شعبية نظراً لنجاحهم السابق في قمع المعارضة. وفي الوقت الحالي من المرجح أن يستمروا في مسارهم فيما يتعلق بكل من السياسة الاقتصادية المحلية والمسألة النووية. وإذا فعلوا ذلك فسيتدهور الاقتصاد حتى بمعدل أسرع، مع وجود تصورات عن تضخم جامح مما سيؤدي إلى قيام الإيرانيين باتخاذ إجراءات أكثر يأساً للهروب من الريال، ويحدث ذلك في الوقت الذي تؤدي صادرات النفط المنخفضة والعقوبات المالية المتشددة إلى تقليص فرص وصول إيران إلى النقد الأجنبي.
وما لم تتغير سياسات النظام، يمكن أن يصبح الوضع الاقتصادي سيئاً للغاية خلال العام المقبل أو العامين المقبلين بحيث سيجد قادة إيران أنفسهم يواجهون ضغطاً قوياً من قبل الأعمال التجارية (بما في ذلك من "فيلق الحرس الثوري الإسلامي") وتذمر شعبي من أجل القيام بعمل شيء جذري. وفي تلك المرحلة، ستكون جميع الخيارات السياسية المتاحة لهم رهيبة. فرفع أسعار الفائدة بصورة حادة لجذب الأموال إلى المصارف (وبالتالي تكون متاحة لإقراضها إلى الحكومة) سوف يبطئ الاقتصاد، ويفاقم البطالة ويضر المقترضين ذوي الاتصالات الجيدة على وجه الخصوص. إن فرض رقابة على النقد الأجنبي و[سماح] قيام أسعار صرف متعددة سوف يفاقمان الفساد المستشري أصلاً (وهو الشكوى الشعبية الرائدة ضد الحكومة) ويؤديان إلى وقوع نقص أو زيادة أسعار السلع المستوردة الرخيصة التي اعتاد عليها المستهلكون. كما أن تقليص الإنفاق الحكومي على المدى القصير بحيث يمكن توجيه المزيد من الدولارات إلى السوق الحرة سوف يكون خطوة من الصعب اتخاذها في الوقت الذي تلوح فيه في الأفق الانتخابات الرئاسية في عام 2013.
وإذا ما تم إقرار أي من هذه السيناريوهات الرهيبة، يمكن أن تكون طهران أكثر انفتاحاً من أجل التوصل إلى اتفاق نووي يؤدي إلى تخفيف العقوبات وزيادة مبيعات النفط وقيام ثقة أكبر بين الجمهور حول الآفاق الاقتصادية للبلاد. ومع ذلك، لا توجد حتى الآن دلائل تشير إلى وجود مثل هذا التحول في الخيارات، وسيكون عملاً من أعمال الإيمان أن تعتمد السياسة الأمريكية على هذا الاحتمال.

المرصد السياسي 1983

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى