عائدون إلى دمشق… الدراما السورية سبب كافِ
من الصعب تعداد المرّات التي أعادت فيها الدراما السورية تموضعها، إذ انّها لم تبدأ مرة من الصفر، ولم تعوّل على آراء النقاد. يختلف الظرف هذه المرة، مع عودة ممثلين كثر للعمل في دمشق، بعدما كانوا غادروها خلال السنوات الماضية. ليس الأمر مجرد إعادة تموضع، إنه إصلاح متعمّد، وجدّي، ناتج في جزء منه من قدرة الممثل والنص والمخرج السـوري على الترويج للدراما من منطق المحتوى أولاً. وناتج أيضاً من تبني كثير من الفضائيات العربيـة خطـاباً دراميـاً بهويـة سوريّة.
لم يعد سؤال مثل لماذا يغيب نجوم وكتاب ومخرجون كبار عن المشهد الدرامي السوري ما بعد العام 2011، مشابهاً لما كانه قبل ذلك. إذ لم تكن الحرب التي تشهدها البلاد منعطفاً في اختيارات الممثل السوري المهنية فحسب، بل كانت جزءاً من سياق حياة، بعدما بهتت القدرات النقدية للدراما السورية، واختُزِلت في خانة «أزمة». يومها حزم النجوم حقائبهم وغادروا، خصوصاً إلى لبنان والإمارات، ومنهم سلافة معمار، يارا صبري، كندة علوش، باسل خياط، سامر المصري، فارس الحلو وآخرون.
لا يمكن التكهّن بلحظة مفصلية فرضت قرار العمل خارج الشام، بالمقابل لا يمكن التكهن بلحظة مفصلية تفرض اليوم قرار العودة. إلا ان إشارات عدة تدلّ على وجود حماسة عند كثيرين للعودة والعمل، أبرزها وجود ممثلين بارزين في العاصمة السورية اليوم، بعدما غابوا عن المشهد سنوات، وعودة بعضهم للظهور الإعلامي بعد غياب شبه تامّ في السنوات الثلاث الماضية.
سلوم حداد عاد مؤخراً للاستقرار في دمشق، واتفق مع المثنى صبح على أداء دور البطولة في مسلسل «في ظروف غامضة». يشهد العمل عودة الكاتب فادي قوشقجي للعمل، بجانب سلاف فواخرجي التي ستؤدّي فيه دور البطولة، بعد غياب تام عن الدراما في العام الماضي. أمل عرفة وعبد المنعم عمايري عادا للعمل الموسم الماضي، ولا يزالان في زيارات دائمة لدمشق. بعض الممثلين لم يغادر دمشق مثل منى واصف، ودريد لحام، ورفيق السبيعي، وبسام كوسا، وعباس النوري، وسلاف فواخرجي، ووائل رمضان، ورشيد عساف، وسمر سامي وغيرهم، كما يواصلون العمل على مشاريع قادمة. كما يبدو الليث حجو متحمّساً للعمل هذا العام بعد «حقائب/ ضبّوا الشناتي» مع ممدوح حمادة، مؤجلاً الإفصاح عن طبيعة المشروع حالياً.
قد يكون من الترف البحث عن ظرف محايد خارج سياق الأزمة، يسهم في تحديد الاصطفاف بالأرقام، بين نسبة من غادر ونسبة من بقي، نسبة من عاد ومن يرغب بالعودة. ينظر بعض الممثلين إلى قرار العودة من باب الواجب، للمساهمة في عودة الدراما السوريّة إلى الواجهة. ثمة توجهات استراتيجيَّة ومنهجيَّة على ما يبدو، خصوصاً بعد ما حمله الموسم الرمضاني الفائت من هبوط في سوية العمل الدرامي السوري.
ربما لا يعدّ البتّ بعودة النجوم للعمل في دمشق صالحاً في ظلّ ظروف عصيبة تعيشها البلاد، وعدم وجود أفق واضح لعمليّة الإنتاج. يندرج أمر العودة في إطار حياتي بالدرجة الأولى، إذ ثمّة بين الممثلين من لا يخفي عدم قدرته على تحمّل تكاليف المعيشة في الإمارات العربية. في المقابل يدرك الجميع الخطر على هذه الصناعة، فبالرغم من صعوبة الظرف يبدو الحديث عن انتظار انتهاء الحرب أو عن العمل تبعاً للمزاج الشخصي غير مقبول على الإطلاق.
ليس المقصود ممّا سبق مقارنة حياة صنّاع الدراما في سوريا بحياتهم خارجها، لكن يبدو أنّ هناك إدراكاً جماعياً أنّ الدراما السورية لم تعد تحتمل مزيداً من الاستسهال والاستخفاف والكسل. فعندما تشير ردود الفعل النقدي والجماهيري إلى الهفوات الدرامية بنسب كبيرة، هذا يعني أن مطبخ الدراما السورية في الخارج لن يكون صالحاً على المدى الطويل.
صحيفة السفير اللبنانية