عادل إمام؟ من هذا؟
ربما كان من الأجدر أن يعود عادل إمام إلى منزله بعد «مدرسة المشاغبين»، أو بعدها بقليل، بعد عرض «شاهد ما شافش حاجة». عندها، كان قد بلغ الذروة وانتهى.
بعدها، لم يعد من قيمة لما قدّمه من افتعال، وتكرار، وتعابير في الوجه وعلى اللسان تستعيد رجلاً كان يوماً نجماً. كان.
بقي يناطح، ويستعيد، ويكرّر، ويفتعل، ويدّعي مناصرة قضايا الشعب في أعمال لم تكن ترمي إلا إلى تسفيهها، حتّى كُرّس ملكاً للكوميديا في برّ مصر، وما تجاوزها. كلّ ذلك تمّ في زمن القحط.
عربٌ وخليجيون يصلون بطائرات خاصة لمجرّد مشاهدة مسرحياته بكلّ ما تحتوي من ملل وافتعال الارتجال… والتكرار والابتذال. كأن العقل العربي غبيّ واقعاً، وإن لم يكن كذلك، فليس على عادل إمام إلا الإمعان في استغبائه.
استغبِ.. استغبِ حتّى يصدّقوا.
يصول ويجول، نجماً في العُلا، وليس من ينافسه. يدعم النظام، يدعم من زملائه من يوازيه مستوىً مهنياً، الشبّان منهم والمخضرمون، مما يمعن في تكريسه عائقاً أمام أي نهوض يواكب تقدّم العقل، والزمن.
هو الذي طالما سعى لاستدرار المشاعر الوطنيّة حين كانت تحين الفرص، والضوء الأخضر، يتطاول ويتجرأ على المسّ بجمال عبد الناصر.
في الإعلان عن مسلسله المعروض حالياً «أستاذ ورئيس قسم»، الذي ليس من المعروف بعد إن كان هناك من يتابعه، يضحي جمال عبد الناصر، ببساطة، مجرّد صورة مثبّتة في الجدار. مجهول لا يعرفه الأطفال، فيسأله طفل «من هذا»، فيجيب «ده جمال عبد الناصر، كان رئيس مصر».
أمّا لماذا ثُبتت صورته في الجدار، فذلك «لأن الرؤساء في مصر بيقعدوا شويه كتير فبتقى عِشْرَة…».
ربّما آن الأوان ألا يبقى مُباحاً كل ما يُرمى جزافاً. وليس كل ما يقوله «الكابير قوي»، أي «كابير» على تفاهته وصِغره، يمكن أن يمرّ مرور الكرام، على أنّه واقع حقيقي، فعلي، لمجرّد أن ما قاله رجلٌ اسمه عادل إمام، أمضى السنوات الست عشرة التي أمضاها عبد الناصر تاجاً على رؤوس ملايين العرب والمغبونين في الأرض، مجرّد «كومبارس»، يفرح إن أُعطي يوماً دوراً مسانداً للبطل الثاني في أي عملٍ قدّمه.
تألّق عادل إمام في عصر أنور السادات. الرجل الذي وأد «النصر» الذي كان محتّماً في حرب أكتوبر، وحوّله إلى ذلّ جرّ ذلاً وويلات. ذلٌّ سمح بوقوف مصريّ من المفترض أنّ يُمثّل مصر، في «صرح» الكنيست، يعلن منها نهاية مصر، ومعها، حُكماً، نهاية فلسطين والعرب كلّهم.
بعدها، أضحى عادل إمام ملكاً في عهد من حكم مصر لمدّة ثلاثين عاماً يعيث فيها فساداً وظلماً واستبداداً وحرماناً. كان رمزاً من رموز تلك السنوات الثلاثين العجاف. على امتداد 25 عاماً منها كان المؤدّي الأعلى أجراً في المحروسة.
طبعاً، لم يكتف عادل إمام بذلك، بل فرض ابنيه «رامي» مخرجا و«محمد» ممثّلاً. تماماً كما كان من أكثر الأصوات المرحّبة بالتوريث، ومهدت له، بحجة أن جمال مبارك هو مواطن ومن حقه أن يتمتع بحقوقه الدستورية، ويترشح لمنصب رئاسة مصر.
وحين اندلعت ثورة 25 يناير، أعلن «الزعيم»، الكابير قوي، تضامنه ودفاعه عن محمد حسني مبارك. وطبعا، عاد بعدها لاقتناص الفرص، فتنازل و«اعترف» بثورة يناير، ذاهباً حتّى إلى حدّ اعتبار نفسه من مفجّريها…
هناك من تداول لاحقاً أنّه وصل إلى حدّ الإشادة بمحمد مرسي..
هذا الشخص، بتاريخه المنير، يتطاول على عبد الناصر.
تبدو هزيمة العام 1967 اليوم وكأنها مجرّد نكسة فعلاً، جهّز من تحمّل مسؤوليتها لعكس نتائجها، إلا أن ربّه أراده إلى جانبه قبل تحقيق مراده.
داعش. قاعدة. إسرائيل. شيعة. سنّة. دروز. مسيحيون، تهجير، ذلٌّ ما بعده ذلّ. ضيمٌ ما بعده ضيم. فقر، جهل، تيه.
أرض تيهٍ من البحر إلى البحر. أرض خراب. أرضٌ بلا غد، أرضٌ لم تكن تملك إلا ماضيها، واليوم يُدَّمَّر، رمزاً تلو الآخر.
أرضٌ مذعنةٌ تستحقّ عادل إمام زعيماً.
أرضٌ كانت ذات يومٍ، بطرق مشجّرة، نظيفة، أبناؤها يتعلّمون بالمجان، يتطببون بالمجّان. حقّهم كبشر كان معطىً مسلّماً. حقّهم بغدٍ يكون على قدر ما يستحقونه كان معطىً مسلّماً. كان ذلك في عهد رجل اسمه جمال عبد الناصر. من قلب الأمّة، إلى أفريقيا، وآسيا، وصولا إلى أميركا اللاتينيّة، كان الناصر يغيّر المفروض ويرسم ما نستحقّه كبشر….
وكأنّه حين مات، فقدنا حقّنا بأنّ نكون بشراً كسائر البشر. فقدنا حقّنا ذلك أم بعناه؟ فقدناه أم أنّنا لم نؤمن به يوماً.
المهم، بتنا من دونه.
وبات الصغار يقرّرون صورة الماضي، والحاضر، ويسهمون في طعن صورة الغد.
عادل إمام. مبروك. أنت وما تمثّل انتصرتم. أمّا نحن، الذين أحلامنا لا تطلّ على عنب الآخرين، فلدينا حُكماً غدٌ آخر، مختلف، يشبهنا، ولا ينتظر إلا أن نُكمل نسجه.
صحيفة السفير اللبنانية