تحليلات سياسيةسلايد

عامي أيالون شاهداً على العمى الإسرائيلي: كيف لا يقاتلنا الفلسطينيون؟

بيروت حمود

قاد «شييطت 13»، وسلاح البحر الإسرائيلي، ثم أصبح عضواً في «الكنيست»، فوزيراً في الحكومة، وعضواً في «الكابينت» الأمني – السياسي، وهو الذي بعد كل ما تقدّم، قال أكثر من مرة، في مقابلات مع الإعلام الأجنبي والعربي، «(إنني) لو كنت فلسطينياً لقاتلت إسرائيل».

 

القائل نفسه، هو من كان أيضاً رئيس «الشاباك»، والذي تولّى على مدى عقود التحقيق مع كبار المقاومين الفلسطينيين، والتخطيط لإحباط عملياتهم ضد إسرائيل، فيما بات اليوم في الثمانينيات من عمره، ويُدعى عامي أيالون. فلماذا بعد كل سيرته العسكرية – الأمنية والسياسية تلك، يقول ما قاله؟

في مقابلة طويلة نشرتها صحيفة «معاريف» معه، يردّ أيالون على سؤال محاوره، مئير عوزيئيل، بسؤال آخر: «إلى أيّ حدٍّ تعرف الفلسطينيين؟» ليجيب الأخير «إنني أعرف، لديّ أصدقاء منهم، وأعرف أشخاصاً»، ليقاطعه أيالون: «حسناً، إذاً هم قبل أيّ شيء أُناس. صحيح، ولكن هل تعلّمت تاريخهم؟ ثقافتهم؟ الفروقات بينهم؟ أنت تعرفهم أم تقول لديّ صديق فأعرفهم؟».يبدأ أيالون حديثه من حرب فيتنام، قائلاً: «هل تعرف من كان وزير الدفاع وقتها؟ روبرت ماكنامارا. لم يكن مجرد وزير دفاع، كان أيديولوجية تلك الحرب، وتعهد بأنهم سينتصرون فيها: ببساطة، نرسل مزيداً من الفيالق، وهكذا ننتصر. تلك الحرب انتهت في السبعينيات، وبعد 20 سنة نشر ماكنامارا كتاب «نظرة إلى الخلف»، والذي تحوّل إلى فيلم وثائقي باسم «ضباب الحرب»، وحتى إنه نال جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي لعام 2003».

الفيلم المذكور هو مقابلة مع ماكنامارا، الذي يخاطب الأميركيين أمام الكاميرا، موضحاً الدروس الـ 11 التي تعلّمها من الحرب. وفقاً لأيالون، «فالدرس الأول هو أن الأميركيين لم يعرفوا عدوّهم، ولا تاريخه ولا أفكاره»، لا بل «لم نعرف عدوّنا الذي تبيّن أنه يريد أمراً واحداً مغايراً تماماً لما اعتقدناه». ووفق تفسير أيالون، «اعتقد الغرب أن الفيتناميين جزء من الكتلة السوفياتية الشيوعية، وإن سقطت فيتنام، عندئذ كل شرق آسيا سيتفكك. وكما تبيّن بعد ذلك، منذ سنوات الـ 90، الفيتناميون الشماليون لم يؤمنوا بالاشتراكية ولا بالشيوعية، كما كرهوا الصينيين، والروس، وكل ما كانوا يبتغونه هو الحرية. بعد وقوعهم تحت الاستعمار الفرنسي والأميركي، أرادوا الاستقلال».

لكن ذلك «ليس صحيحاً»، وفق زعم محاوره، الذي يضيف: «لقد كانوا مستقلين في شمال فيتنام، ورغبوا في السيطرة على الجزء الثاني. الجنوب فيتناميون كانوا أيضاً راغبين في الاستقلال»، ليردّ أيالون: «درست هذه الحرب مرتين. والمرّة الثانية كانت خلال إنجازي رسالة الماجستير في هارفارد، حيث كان عليّ تقديم دلائل وحقائق، ولذلك بإمكاني القول إن الجنوب فيتناميين كانوا موازين للجنرال أنطوان لحد في لبنان. ولذلك قيل إنهم يمثلون لبنان… أنا لا أريد الخوض في ذلك. في جميع الأحوال، قاتل الفيتناميون لأجل حريتهم، وفي الواقع اليوم، يوجد فيتنام موحّدة، لا شمال ولا جنوب، ولا احتلال».

ويستنتج أيالون «(أننا) والأميركيين لم نعرف العدو؛ ولذلك، عندما تسألني كيف أنظر إلى الفلسطينيين، وأنت قلت لديهم 22 دولة (عربية)، إذاً لديّ أخبار لك: هذا بصراحة ما نقوله نحن، ولكنهم يفكرون بشكل مغاير. فهم لا يرون أنفسهم جزءاً من أمّة الإسلام. وأنا لا أتحدث عن حماس ولا عن الإخوان المسلمين ولا عن القاعدة، ولا عمّا نراه في غزة والضفة، أنا أقصد الأغلبية الفلسطينية.

إنهم يرون أنفسهم كشعب». ويتابع أن «إحدى تراجيدياتنا أننا ننظر إليهم كأشخاص، ونعتقد أنه إذا كان لديهم عمل، ويجلبون طعاماً لأولادهم إذاً فالمشكلة حُلّت. لا. الفلسطينيون اليوم، وليس حماس فقط، بل كلهم، لديهم استعداد للقتال وأن يُقتلوا ليس من أجل الطعام.

إنهم يتحدثون، كل واحد بصيغته، إما عن نهاية الاحتلال أو عن الاستقلال. ولذلك من اللحظة التي ينظرون فيها إلى أنفسهم كشعب، فالحرب تكون مغايرة تماماً». ويشير إلى أن «هناك 167 دولة في العالم تعتبرهم شعباً. وباستثنائنا نحن، تقريباً لا يوجد دولة في العالم لا تعتبرهم شعباً، لديه الحق في تقرير المصير في دولته المستقلة إلى جانب إسرائيل».

وبحسب أيالون، وكما تأكّد له خلال عمله، فإن الفلسطينيين ليس لديهم ما يخسرونه، وحين يكون الإنسان كذلك يصبح «العدوّ الأخطر»، لأنه عملياً يقاتل لأجل الحرية التي هي أقدس قيم الإنسان، كما يقول، مضيفاً أن هذا «ليس مرتبطاً بالدين ولا بالأيديولوجيا، بل بالإنسان نفسه الذي يرى نفسه عملياً جزءاً من شعب».

ويذكّر بأن منظّر الحركة التصحيحية الصهيونية، زئيف جابوتنسكي، كان قد قال في مقاله الشهير «الجدار الحديدي» عام 1923، ما يقوله هو نفسه اليوم؛ إذ بحسب جابوتنسكي «لا يمكننا أن نأتي إليهم بادّعاءات. أخذنا أرضهم وسيقاتلوننا». ولذا، يضيف أيالون، «عندما يسألونني إذا كنت فلسطينياً، أقول: إذا جاء شخص ما وأخذ أرضي، أرض إسرائيل، فسأقاتله، سنقاتل بلا حدود».

أمّا الحل، فيعتقد أنه ممكن، لكنه «مرتبط إلى حد كبير بالطريقة التي نفهم بها الفلسطينيين (…) مع استمرار الحرب، تكتسب حماس المزيد من القوة، وبالتالي، فإن الطريقة الوحيدة لهزيمة حماس هي خلق أفق سياسي للشعب الفلسطيني»، مذكّراً بأنه «عندما وقّع اتفاق أوسلو، كانت هناك أقلية فلسطينية تؤيد حماس»، في حين أنه عندما لا يكون هناك أفق، فالفلسطينيون ينتفضون، تماماً كما حصل خلال الانتفاضة الثانية.

ورداً على ادعاء محاوره بأن الإسرائيليين «متعاطفون» مع الفلسطينيين، ينبّه أيالون إلى أن «أننا انتخبنا حكومة يقود سياستها في الواقع (وزيرا التيار الصهيوني الديني) بن غفير وسموتريتش. هل قرأت أيديولوجيّتهما؟ خطة سموتريتش الاستراتيجية؟ هل تسمع ما يقول؟ يقول إنه ينبغي حرق حوّارة».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى