عام على مؤتمر «مصر المستقبل»: الدعاية لا تجترح المعجزات!

«مصر المستقبل» كان العنوان الذي حمله مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي عُقد قبل عام.

يومها، بدا المؤتمر الدولي بمثابة طوق نجاة للاقتصاد المصري الذي أُنهك على مدار سنوات، وبات يعاني من أزمات مستحكمة.

المؤتمر الاقتصادي الذي تصدّر عناوين الصحف ونشرات الأخبار، قبل وأثناء وبعد انعقاده، حمل الكثير من الأنباء الطيبة للاقتصاد المصري، منها تقديرات متفائلة بأكثر من 120 مليار دولار ستتدفق في شرايين الاقتصاد المصري، وأخرى أقل تفاؤلاً ترى أن الحصيلة 60 ملياراً، ولكنها في كل الأحوال تدفقات تكفي لتحقيق طفرة اقتصادية، والقضاء على الأزمة الاقتصادية، أو على الأقل تأجيلها لسنوات، علاوة على منح ومساعدات وودائع بقيمة 12 مليار دولار تعهدت بها دول الخليج العربي، ما يكفي لرفع احتياط النقد الأجنبي، وتأمين احتياجات مصر من الطاقة، وتفادي آثار رد الوديعة القطرية والتركية.

المؤتمر الاقتصادي توفر له حضور غير مسبوق سواء على المستوى السياسي من زعماء ومسؤولين عرب ودوليين، أو على مستوى اقتصادي بحضور ممثلي كبرى المؤسسات الاقتصادية والشركات الدولية والإقليمية.

نجح المشهد بالفعل في إقناع الداخل المصري والخارج بقرب انطلاق الاقتصاد المصري، وانعقدت الآمال على المليارات الآتية إلى مصر، حتى أن الإجراءات والتشريعات الاقتصادية اتُخذت تمهيداً للمؤتمر لتهيئة مناخ الاستثمار، وبرغم أنها ألقت أعباءً جديدة على الفقراء ومحدودي الدخل، لم تشهد ردات فعل شعبية رافضه، في قبول ضمني لتحمل بعض الأعباء مؤقتاً في سبيل الخروج من الأزمة القائمة.

الدولة المصرية بدت أكثر جدية في التعامل مع المؤتمر الاقتصادي، فشكلت لجنة وزارية لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات المبرمة، ما بعث على المزيد من الثقة في الشارع المصري. ولكن بعد انقضاء عام على المؤتمر، تبدو الآمال أكثر تواضعاً، بينما الثقة في انطلاق الاقتصاد حلت محلها مخاوف جدية بشأن الأزمة الاقتصادية.

لا يمكن بطبيعة الحال تقييم جدوى مؤتمر «مصر المستقبل»، وفقاً لما أطلقته وسائل الإعلام من أرقام حملت مليارات متدفقة لمصر، فما جرى تداوله حينها كان مبالغاً فيه، لا بل كان سياسياً أكثر منه اقتصادياً، وهو ما حاول وزير الاستثمار في ذلك الحين معالجته بخفض سقف التوقعات، ووضعها على أرض الواقع. ولكن يمكن تقييم ما تحقق من المؤتمر الاقتصادي بمقارنته بالوضع السابق عليه وحجم تأثيره في الاقتصاد المصري.

كان الهدف الرئيسي لمؤتمر شرم الشيخ هو جذب الاستثمارات الأجنبية لمصر. وفي الربع الأول من العام المالي 2015/ 2016، كان صافي الاستثمارات الأجنبية 1385.5 مليون دولار، بينما كان في الربع الأول من العام المالي 2014/2015 نحو 1321.1 مليون دولار، أي بزيادة أقل من 65 مليون دولار، وهو ما يعني غياب أي أثر لمؤتمر «مستقبل مصر» في تدفق الاستثمارات، خاصة عند مقارنتها بزيادات سابقة قبل انعقاده.

والحقيقة أن الزيادة الطفيفة في السابق يمكن أن تكون تبددت أيضاً في الفترات التالية، نتيجة للأزمة في قطاع السياحة.

أما نسبة البطالة فقد وصلت في العام 2015 إلى 2.8 في المئة، وفقاً لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وبرغم أنها شهدت انخفاضاً طفيفاً عن فترات سابقة تعدت فيها حاجز 13 في المئة، إلا أنها عاودت الارتفاع مجدداً مع العام 2016، بسبب الأزمة العنيفة التي ضربت قطاع السياحة، وأزمة العملة الصعبة التي دفعت شركات الى الإغلاق.

جذب استثمارات أجنبية وزيادة معدلات التوظيف لم يحققها المؤتمر الاقتصادي بعد عام من انعقاده، برغم الدعاية الضخمة التي صاحبته. وعلى العكس، أصبح الإحساس بالأزمة أشد وطأة برغم النجاح الظاهر.

سلمى حسين، الباحثة الاقتصادية في مركز «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، تقول في حديثها الى «السفير» إن «الدولة المصرية اتخذت إجراءات نيوليبرالية لتهيئة المناخ للاستثمار، فخفضت الضرائب على الأغنياء، وخفضت الدعم الموجه للفقراء، وسنت قوانين محفزة للاستثمارات. وفي الوقت ذاته تصالحت في الكثير من القضايا مع المستثمرين خاصة العرب».

وتضيف حسين «بعد عام من تلك الإجراءات، التي صاحبت المؤتمر الاقتصادي، تحمّل الشعب المصري كل تبعات تلك السياسات المدعومة بضعف الرقابة على الفساد وغياب الديموقراطية والرقابة، ولم تتحقق أي مزايا، ولم تتدفق الاستثمارات». وتؤكد حسين أنه «لا يمكن إرساء تنمية حقيقة إلا بتأسيس دولة المحاسبة والشفافية والعدالة الاجتماعية».

ولكن لا يمكن تقييم نتائج المؤتمر الاقتصادي من دون الأخذ في الاعتبار أوضاع الاقتصاد العالمي المأزوم أيضا، وكذلك الأحداث الداخلية التي أعاقت، في رأي البعض، جني الثمار. هاني جنينة، رئيس قطاع الأسهم في شركة «بلتون» المالية يقول لـ «السفير» إن «المؤتمر الاقتصادي سار في الطريق الصحيح، وجزء من المشاريع التي طرحت في المؤتمر في البينة الأساسية والطاقة بدأ تنفيذه بالفعل، وكذلك مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، تعثر بعض الوقت، ولكن يجري تفعيله الآن».

ويضيف جنينة «في المقابل، هناك تطورات عالمية وداخلية أثرت على الاقتصاد. فانهيار أسعار النفط، وانخفاض تقييم الاقتصادات الناشئة، وحادث الطائرة الروسية، كلها أمور أثرت بشدة في تطور الاقتصاد المصري». ويوضح جنينة «يمكن اعتبار الإجراءات المتخذة حالياً، خاصة في السياسة النقدية، ستؤدي الى نتائج إيجابية قريبة… وفي كل الأحوال كانت هناك تقييمات متفائلة جداً لنتائج المؤتمر الاقتصادي، ويجب النظر بواقعية أكثر».

ولكن التخطيط الاقتصادي السليم لا يغفل عادة المتغيرات الدولية والمحلية، وهو ما يؤكده وائل جمال الباحث الاقتصادي في حديثه إلى «السفير»، موضحاً أن «الأزمة العالمية ليست سراً ولا مفاجأة، وكان يجب وضع المؤشرات العالمية في الاعتبار منذ البداية، خاصة أن تدفقات الاستثمارات تتراجع عالمياً منذ سنوات». ويضيف جمال «بحسب إحصاءات المصرف المركزي لم يحدث تطور مهم في تدفق الاستثمارات المباشرة، كما أن الدول العربية ليست المتصدرة للاسثتمار في مصر، وإنما الاتحاد الأوروبي، بعكس الدعاية الكبيرة التي صاحبت المؤتمر».

ويرى جمال أن «فكرة المؤتمر الأساسية، كانت أن جذب الاستثمارات هو ما سيحقق التنمية، وهو الحل للأزمة الاقتصادية. وهي فكرة محل نظر، لأن تدفقات استثمارية سابقة، لم تحقق النتائج المرجوة، ولم تترك أثراً تنموياً، حتى إن أثرت في بعض المؤشرات الاقتصادية». ويضيف «لقد اتخذنا إجراءات تشريعية واقتصادية خطيرة من دون مقابل… ووفقاً للتطورات على الساحة المحلية والإقليمية يصعب توقع مؤشرات افضل».

استخدمت الدولة المصرية دعاية مكثفة بغرض الترويج لكل ما تقوم به، وسعت الى تقديم كل خطوة على أنها إنجاز ضخم، ما رفع به دائماً سقف التوقعات، ولم تنجح الدعاية في اجتراح المعجزات… وهو ما يطرح السؤال ما إذا كانت مصر في حاجة لمعجزات أم إلى مجرد خطط وخطوات مدروسة وواقعية.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى