عبد الله بن زايد في دمشق.. ما الجديد؟
لم يكن مفاجئاً وصول وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق واجتماعه بالرئيس الأسد، الذي حرص على إظهار الجو الودي في هذا اللقاء وإضفاء الحميمية عليه كرسالة واضحة للخصوم، فما الذي تخفيه هذه الزيارة؟
وقعت دمشق بين خيارين لا ثالث لهما، إلى أن التقى وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا في موسكو. كان الخيار الأول هو انتظار عودتها إلى العمق العربي من بوابة الجامعة العربية قبل انعقاد قمتها الأخيرة في الجزائر، ولكن القرار الأميركي والحسابات السعودية أغلقا الباب في وجه دمشق، بعد اشتراطهما خروج القوة العسكرية الإيرانية من سوريا وقطع الأخيرة علاقتها مع إيران، بما يخدم الأهداف الإستراتيجية لكل من “إسرائيل” والسعودية والإمارات، على الرغم من الجهود التي بذلتها موسكو لإنجاح هذا الخيار.
وكان الخيار الثاني من خلال منصة أستانة لإجراء مصالحة بين دمشق وأنقرة، في إطار علاقة جديدة من نمط مختلف على مستوى غرب آسيا وإخراج الولايات المتحدة منها، لبناء مرتكزات المشروع الأوراسي بأضلاعه الروسية-التركية-الإيرانية.
وكان للحدث الكبير الذي هزَّ المنطقة، وهو اجتماع وزراء الدفاع الثلاث، دور أساسي لبداية العودة الخليجية والمصرية إلى سوريا، وفقاً لمعطيات جديدة لم تنشأ في لحظة الحدث، فقد بدأت الرهانات تتغير بعد الحرب في أوكرانيا، لتعطي ملامح توجهات جديدة تفرض على صانع القرار السعودي بالدرجة الأولى إعادة تقييم مجمل نتائج الأحداث المتسارعة.
أولاً وعلى مستوى التفكير في خروج القوة العسكرية الإيرانية من سوريا في هذه المرحلة، لم يعد الأمر ممكناً، بعد تعميق التحالف الروسي الإيراني ووصوله إلى درجة الشراكة الأمنية الدفاعية الاقتصادية، فعدا عن تبادل السلاح التكاملي بين الطرفين، فإنَّ الشراكة الاقتصادية وصلت إلى مرحلة تهديد الاقتصاد الغربي، إذ تم تفعيل الطريق البري البحري من مدينة بطرسبورغ إلى ميناء تشابهار في المحيط الهندي، بطول 7200 كم، إضافة إلى اتفاقيات النقل البحري حتى بحر آزوف وجزيرة القرم.
وتم نقل أول شحنة قمح إلى الهند عبر هذا الممر بزنة 12 مليون طن، باختصار للزمن من 40 يوماً إلى 25 يوماً، بديلاً من قناة السويس، وبكلفة تقل بنسبة 30% أيضاً، مع قرب افتتاح الأسواق الأوراسية أمام إيران التي تبلغ مبادلاتها التجارية 700 مليار دولار لـ75000 سلعة.
الأمر الثاني هو فشل استمرار هدنة اللاحرب واللاسلم في اليمن بعدما رفض أنصار الله استمرار هذا الحصار والتحضير لبدء الأعمال العسكرية من جديد باستهداف المراكز الحيوية في السعودية والإمارات، الباحثتين عن استقرار أمني دائم يتيح لهما أعلى مستوى من النمو الاقتصادي، وخصوصاً ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يعترف بضياع 40 سنة من تاريخ السعودية التي كان من المفترض أن تصل إلى مرتبة الصين والهند، وهو بحاجة إلى إنجاح خطته الاقتصادية لعام 2030.
هذا الأمر يتطلب من السعودية والإمارات الاعتراف بالعجز عن تغيير وقائع الميدان في اليمن، وهو ما دفع الوفد السعودي المفاوض في عمان إلى الموافقة على الخروج من اليمن في مقابل الضمانات الأمنية اليمنية التي تحتاج إلى زمن في المفاوضات التفصيلية بين الطرفين.
العامل الثالث الذي أدى دوراً في إعادة التفكير لكلا البلدين هو فشل الرهان على عملية التطبيع مع “إسرائيل” والارتكاز عليها لتأمين الحماية من جهة، وللتآزر في ما بينهما لمواجهة الدور الإيراني المتصاعد من جهة ثانية، فكانت النتائج الشعبية المتوقعة كارثية على الطرفين؛ فبعد عامين من إعلان التطبيع، زار 600 ألف سائح إسرائيلي الإمارات العربية المتحدة، في مقابل 1600 سائح إماراتي فقط زاروا “إسرائيل”.
وظهر الرفض الشعبي بشكل واضح في كأس العالم الأخيرة في قطر، بعد رفض التعاطي مع الإسرائيليين بنحو قاطع، ما أدى إلى حصر عمليات التطبيع ضمن المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية العليا.
ولم يتوقف الأمر هنا؛ فبعد نجاح بنيامين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية، وصعود اليمين المتطرف بواجهة بن غفير، مع تصاعد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية من خارج إطار المنظمات الفلسطينية المعهودة، في تجذير لعمليات الصراع، تقلَّصت رهانات السعودية والإمارات.
كل ذلك خدم دمشق في خياراتها، بعدما رفضت خروج إيران من سوريا، لعظيم ما قدمته سياسياً واقتصادياً وعسكرياً في أصعب زمن، وذلك عندما تم تهديدها بالانهيار، وتقلصت مساحات سيطرتها على الأرض السورية إلى 17% فقط، في مقابل 70 دولة ممن تعتبر نفسها من “أصدقاء” سوريا.
الأمر الأخير الذي ساهم في تسريع الزيارة، والذي يمكن أن يفتح الباب للسعوديين كي يطرقوا أبواب دمشق، هو الخيار السوري بالانفتاح على المصالحة مع تركيا ضمن شروط تحقق مكاسب لكلا البلدين ضمن الصيغة الأوراسية، ما دفع الإمارات إلى الإسراع في أداء دور يتيح لها الحضور بشكل أكبر في سوريا، إلى جانب روسيا وتركيا وإيران، من خلال استقبالها اجتماع وزراء خارجية سوريا وتركيا وروسيا في الإمارات، ليضفي طابع الاحتضان العربي لسوريا المنهكة جغرافياً وسكانياً واقتصادياً وعسكرياً، ويكون مقدمة للحاق كل من السعودية ومصر بها، بما يمكن أن يؤدي إلى توازن الأدوار الإقليمية فيها ريثما تستعيد تعافيها، وهو ما لن يتم إلا عندما يترافق مع التغيير العميق للبنية السياسية والإدارية فيها، وضمن حالة استقطاب وطني جديد من خارج السياق المعهود، فهل يشهد السوريون بداية الانفراج في الشهرين القادمين؟
الميادين نت