«عزلة».. ذكريات أربعة عقود في سجن انفرادي

 

«عزلة» هو كتاب مذكرات ألبرت وودفوكس، الرجل الذي أمضى أربعة عقود من حياته في حبس انفرادي داخل زنزانة في سجن بولاية لويزيانا الأمريكية على جريمة لم يرتكبها، شكلت حياته مثالاً للطريقة التي تتجسد العنصرية المتأصلة في الولايات المتحدة، سواء في شبابه كمراهق أسود فقير في فترة الستينيات، أو كسجين محكوم عليه بأطول فترات الحبس الانفرادي، ومع ذلك يبقى صراعه من أجل البقاء بالقدر نفسه قصة مؤثرة ومفجعة عن الصداقة والتضامن والأمل والبقاء.

كان خروجه من السجن حياً يرزق في عام 2016، محتفظاً برجاحة عقله بعد تلك السنوات الصعبة، شاهداً بحد ذاته على انتصار الروح البشرية ولد في أوضاع من الفقر في نيو أورلينز عام 1947، حيث كانت الجنح الصغيرة وسيلته في البقاء منذ نعومة أظافره. وقد أمضى سنوات المراهقة متردداً على السجون، أحياناً بتهم صغيرة وأحياناً بسبب بشرته السوداء، ثم اعتقل بتهمة السطو المسلح فحكم عليه بالسجن 50 عاماً في سجن «أنغولا» بولاية لويزيانا، وكان ذلك في بداية العشرينيات من عمره، حيث انضم ما وراء القضبان إلى منظمة «الفهود السود» التي شكل التزامها بالقضايا الاجتماعية ومدونة سلوك أعضائها في الحياة إلهاماً له، فالأشخاص الذين التقى بهم كانوا يحاربون من أجل المساواة في التعليم وتكافؤ الفرص والعدالة والمعاملة المتساوية للجميع والاحترام، فقرر أن يتغير، حيث يقول في كتابه إنه بعد التعرف إليهم «دخل ضوء إلى فسحة بداخلي لم أكن أدري بوجودها».

لكن خلال قضاء محكوميته، توجب عليه محاربة معركة أخرى، ففي 17 أبريل 1972، قُتل أحد حراس السجن من البيض، فتم اتهام وودفوكس وسجين آخر من الفهود السود بقتله من قبل هيئة محلفين من البيض، وأودعا الحبس الانفرادي على الفور، على الرغم من غياب الأدلة.

كانت المحاكمة إخفاقاً للعدالة، وسوف يخوض على مدى أربعين عاماً معركة قانونية، مع طعون متعددة ومحاكمتين لتبرئة اسمه، قبل أن يطلق سراحه بعد استئناف الحكم، في فبراير 2016.

 

وطوال تلك الفترة، كان يصارع من أجل البقاء، من خلال تعليم نفسه ومساعدة الآخرين ونسج صداقات عميقة مع العضوين في منظمة الفهود السود هرمان والس وروبرت كينغز كان واعياً بأن الغضب والمرارة لا ينبغي أن يتحكما فيه، فحول غضبه إلى فعل مقاومة.

«ثلاثي أنغولا».. هكذا عُرف أعضاء حزب الفهود السود الثلاثة في السجن، وعقدوا العزم ألا ينكسروا في وجه اللاإنسانية والعنف والفساد. من بين هؤلاء الثلاثة تسنى لألبرت فقط النجاة وتوثيق قوة نادرة أثبتت أن الروح المعنوية الأفضل من الطبيعة الإنسانية يمكنها أن تسطع رغم كل شيء.

من المستحيل قراءة المذكرات وعدم الشعور بالغضب، يقول بعض المعلقين فرحلة وودفوكس داخل السجون الأمريكية والنظام القضائي كانت مليئة بالإيذاء الجسدي والإهانات العنصرية وعمليات التفتيش غير الضرورية وظروف المعيشة اللاإنسانية. لم يتلقَ يوماً علاجاً طبياً لائقاً، أما الامتيازات القليلة التي كانت لديه فكانت تؤخذ منه بشكل متكرر حتى بعد أن أصبح سجيناً نموذجياً.

تم احتجازه في زنزانة ضيقة 23 ساعة في اليوم، وفي صيف لويزيانا الحار، كان الأمر غير محتمل. وسمح له في الزنزانة ببطانية واحدة في الشتاء. يكتب أن ظروف المعيشة والمعاملة في «أنغولا» تذكر بالعبودية بطرق عدة، بما في ذلك ظروف العمل في الحقول التي كان السجناء من أصحاب البشرة السوداء مجبرين على مزاولتها. وكان قطع قصب السكر عملاً شاقاً للغاية بحيث إن السجناء كانوا يدفعون أموالاً يطلبون فيها من زملائهم كسر يد أو قدم أو كاحل لتجنب العمل.

في الكتاب إدانة صريحة للنظام القضائي وروايات ساحقة عن لا إنسانية الحبس الانفرادي، بيد أن ثلثه الأول هو أيضاً سجل مهم عن المجتمعات المحرومة في الولايات المتحدة، وكيف هي مجبرة على الجريمة.

حوصر وودفوكس من قبل نظام متحامل ودفع الثمن غالياً، وكانت كل نكسة تمنحه هدفاً وغاية. طور آليات للتكيف مع العزلة القاتلة، مع ذلك كانت مشاعر الغضب والعجز واليأس حاضرة على الدوام، تهدد عزيمته ورجاحة عقله. كان يسائل نفسه باستمرار: «كل يوم كان يتعين عليَّ إيجاد تلك القوة، كان يجب أن أعثر في نفسي على الإرادة والعزم على عدم الانكسار، وقد حصلت على تلك الصفات من والدتي».

 

 

مجلة البيان الاماراتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى