عشت مرتين.. سيرة ذاتية (حمدي قنديل)


حمدي قنديل
 

تأليف: حمدي قنديل

عرض ومناقشة: إسماعيل الأشول
الناشر: دار الشروق، القاهرة، 2014


يستمد الكتاب أهميته من أن مؤلفه، الإعلامي العربي الكبير حمدي قنديل، حقق من خلاله تكامل معادلة سرد محطات من حياته ومن نضال أبناء جيله، بحيث جمعت في أطرافها بين الأسى والانكسار والفشل من ناحية، والصمود والحلم والإنجاز من ناحية أخرى، فنجد أنفسنا في نهاية المطاف أمام حصيلة من المفاجآت والمفارقات، الجديرة بالتوقف عندها طويلا.
في مستهل الكتاب تابعنا مع المؤلف محطات متوالية من دراسته، وانتقلنا معه من بداياته المبكرة في الصحافة المصرية إلى عمله بالصحافة في سوريا، أيام الوحدة مع مصر، مرورا بمهمة مدهشة في اسطنبول، ومن ثم الانتقال إلى العمل في بيروت.
وهنا نجد أنفسنا مع ذكريات المؤلف في مرحلة انطلاق «التلفزيون العربي» في عام 1960، مرورا بنكسة عام 1967، ولحظات تنحي الزعيم العربي جمال عبد الناصر، ومن ثم عودته لمواجهة تحديات المرحلة، ثم معارك الاستنزاف وانتصار اكتوبر 1973، لنتوقف عند ذكريات المؤلف المريرة عن احتلال العراق للكويت عام 1990.
في 21 يوليو 1960، بدأ إرسال «التلفزيون العربي»، ولم تمر شهور حتى طلب مني رئيس تحرير الأخبار بهي الدين نصر أن أقرأ لأول مرة نشرة أخبار التاسعة الرئيسية.
لما حاولت التملص، أبلغني أن هذه أوامر: «الدكتور حاتم قال: خلوا الجدع السوري ده يقرا لنا النشرة الليلة دي»، وضحك، كان وزير الإعلام آنذاك عبد القادر حاتم يعرف العاملين جميعا واحدا واحدا، إذ لم يكن عددنا عندئذ في التلفزيون كله يزيد على 600 إعلامي وإداري، وكان يظن أنني سوري، ربما لأن أحدا أبلغه أنني كنت أعمل بالصحافة في سوريا قبل التحاقي بالتلفزيون.
كان المقرر أن يقرأ أنور المشري تلك النشرة، وكانت أوراقها بالفعل في يده، عندما أبلغوه أن يتخلى عنها لي، فلم يغضب، وبرقة بالغة وحرص صادق طلب مني أن أقرأ النشرة أمامه قبل أن أقرأها على الهواء، حتى يطمئن إلى إلقائي.
عندما بدأت تقديم برنامج «أقوال الصحف» في سبتمبر 1961، توقف بعد الحلقة الخامسة، قال لي رئيس تحرير الأخبار: «الوزير بيقول لك استريح شوية»، كانت هذه هي الشفرة في ذلك الحين للإعراب عن غضب السلطة، بعدها علمت أن سبب الغضب هو أنني أوردت خبرا عن الرئيس عبد الناصر في نهاية البرنامج، وليس في بدايته.
ذهبت إلى مكتب الرئيس في منشية البكري، وطلبت مقابلة سامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات، قلت له: «يا سامي بك، أريد أن أعرف من الرئيس شخصيا إذا كان يعترض على إذاعة خبر عنه في نهاية برنامج»، وحكيت له الحكاية، ضحك سامي شرف، وطلب مني الانتظار في استراحة مكتبه. بعد قليل ناداني ثانية، وقال: «الريس بيقول لك خد الجرايد وروح على الأستوديو بتاعك على طول من غير ما تكلم حد».

جحيم النكسة

أتذكر يوم 5 يونيو 1967 بكل تفاصيله، عندما وصلنا إلى الشؤون العامة للقوات المسلحة قيل لنا إننا سنذهب إلى قاعدة فايد الجوية التي سيصل إليها الفريق طاهر يحيى، رئيس وزراء العراق، ليتفقد القوة العراقية المرابطة هناك، وسيرافقه في الزيارة حسين الشافعي نائب الرئيس.
كان معي المصوران محمد رجب وفاروق صالح، ومهندس الصوت محمد البلتاجي، وصلنا وقت الإفطار، فتناولنا إفطارنا مع الطيارين المصريين في «ميس» الضباط، ثم قمنا بتصوير وصول الضيف العراقي، وبعدها اتجهنا إلى القوة العراقية التي كانت تقوم بتدريبات روتينية.
وفجأة، بينما نحن هناك إذا بدوي انفجار هائل تبعته انفجارات أخرى متتالية، وكانت الساعة وقتها تشير إلى التاسعة إلَّا ربعاً، أخذتنا المفاجأة فلم نتبين تماما ماذا حدث، إلَّا أنني بعد دقائق لمحت طائرة تحترق عن بعد على المدرج، وبعدها مباشرة لمحت طائرة إسرائيلية تمر فوقنا في الجو، وتتالت الانفجارات، سارعنا إلى سيارة التلفزيون، وعندما سألنا السائق: إلى أين؟ قلت: «تحرك في أي اتجاه لكن بسرعة».
بعد أن ذهبت بنا السيارة يمينا ويسارا ونحن لا نعرف أين المفر، انتهى بنا الأمر في نادي الطيارين على ضفاف القناة، كان هناك نحو 20 طيارا يتصايحون بهستيرية، وظل واحد منهم يخبط رأسه في جدار حتى سال منه الدم. فهمت من أحدهم أن معظمهم فقدوا طائراتهم قبل أن يصلوا إليها، وأن ثلاثة من زملائهم فقط استطاعوا الطيران لكنهم لا يعلمون مصيرهم.
خرجت من المكان قبل أن أصاب بالجنون، وعندما وصلت إلى السلم الأمامي، وإذ بسيارة جيب مكشوفة قادمة، وفيها حسين الشافعي جالس إلى جوار الجندي السائق، سألني إن كانت لديَّ معلومات مفصلة عما حدث فأجبته بما أعرف، قال إنه سيعود إذاً إلى القاهرة، لكنه استدرك: «تفتكر ناخد أي طريق؟»، فنصحته بالطريق الصحراوي.
عدنا نحن على الطريق الزراعي الذي كان يمر بثلاثة مطارات عسكرية هي أبو صوير ثم بلبيس ثم أنشاص، لعلنا نستطيع أن نجد شيئا مناسبا للتصوير، وكانت الطائرات الإسرائيلية تدوي فوق رؤوسنا بين حين وآخر فنغادر السيارة ونرتمي إلى جانب الطريق، أما المطارات فكانت تتصاعد منها النيران جميعها، في حين كان راديو السيارة ينقل لنا أخبارا عن عشرات الطائرات التي أسقطتها قواتنا.
المؤكد أن قيادة الجيش خدعتنا خدعة كبرى، وللأسف فإننا تحققنا من ذلك بعد ساعات، فقد علمت في صباح اليوم التالي 6 يونيو أن قائد الجيش المشير عبد الحكيم عامر أصدر قراره في الفجر بانسحاب الجيش من سيناء.
على الرغم من شعبية عبد الحكيم عامر بين كثير من الضباط، فإنني لم أنبهر به على مدى السنوات القليلة السابقة منذ انفصال سوريا عن دولة الوحدة في سنة 1961، وذلك بسبب سلوك أعوانه المدللين في دمشق وبسبب فسادهم الذي انتشرت روائحه في القاهرة، ولم أكن أعتقد أنه يملك الكفاءة اللازمة لقيادة جيش مثل جيش مصر.

يوم خطاب التنحي

يوم 9 يونيو، عندما ألقى عبد الناصر خطاب التنحي، كنت في أستوديو 4 وقتها مع زميلتي همت مصطفى، حيث قدمنا الخطاب الذي بدأ بثه من بيت عبد الناصر في منشية البكري في السابعة مساء، ولما وقعت المفاجأة المذهلة عندما قال: «قررت أن أتنحى تماما ونهائيا عن أي منصب رسمي أو دور سياسي»، وقبل أن يكمل الخطاب حتى نهايته، قررنا معا أن نطالب عبد الناصر بالبقاء «كلام رجالة؟»، سألت همت..
قالت: «كلام رجالة».. انطلقنا فور أن انتهى الخطاب. بعد دقائق طلبنا الوزير إلى مكتبه، وعندما دخلنا صاح فينا: «إنتو عملتوها مسرحية؟ الريس يتنحى وبعدين التلفزيون بتاعه يقول له: «لأه؟».. جادلته همت، وانطلقت أنا إلى شباك مكتبه أفتحه وأقول له: «يا سيادة الوزير إسمع الناس وأنت في الدور التاسع بتقول إيه»، كان الصياح من حواري بولاق المجاورة يتصاعد مطالبا الرئيس بالبقاء وتحمل المسؤولية، ولم نكن ندري وقتها أن مصر كلها بل وشعوب العرب جميعا تطالبه بأن يبقى.
أثبتت الأيام أن بقاءه كان الضمان الأول لاستنهاض الهمم وبدء حرب الاستنزاف ووضع الخطة التي كانت أساسا لحرب أكتوبر، وفي أيام قليلة بدأ الجيش يستعيد روحه فانتصر في معركة رأس العش بعد ثلاثة أسابيع فقط من النكسة، ثم أغرق الباخرة «إيلات»، وبدأ حرب الاستنزاف عندما رفع عبد الناصر شعار «لا صوت يعلو على صوت المعركة»، واستهل هذه الحرب بإقامة حائط الصواريخ الشهير.

ذكريات حرب أكتوبر

كانت للثورة أخطاؤها ولاشك، وفي مقدمتها مصادرة الحريات وسيطرتها على الإعلام، عن نفسي فقد اعتذرت للإخوان المسلمين منذ سنوات عن الأحاديث التي أجريتها مع المعتقلين منهم في السجن الحربي عام 1965، وقد راجت في بعض مؤلفات الإخوان بعدئذ أكذوبة، أنني كنت أطلب من ضباط السجن أن يبدلوا المعتقلين الذين كنت أستجوبهم ليحل محلهم آخرون حتى أحصل على اعترافات صريحة، بل إنني كنت أصفع بعضهم إن لم يعترف الاعتراف الذي أريد، وأشارك في تعذيبهم أحيانا!
أيقنت أنني ارتكبت خطأ مهنيا وأخلاقيا باستجواب معتقلين قيدت حريتهم فاعتذرت، ورحب الإخوان باعتذاري بامتنان، ولكنني عندما اختلفت مع مرسي في 2012 وهاجمته، عادوا عن طريق تنظيمهم الإلكتروني يذكِّرون، في لغة لا علاقة لها بدين ولا خلق، بحكاية السجن الحربي ويضيفون إليها روايات وروايات عن عبد الناصر وحكمه وأيام الستينيات، التي كثيرا ما كرروا أنهم لم يشهدوا فيها سوى المذابح والمشانق.
عندما جاء عام 1973، ذهبت إلى مكتب الدكتور عبد القادر حاتم مباشرة، وعندما قابلته قلت: «جئت لأسلم نفسي إذا كان بمقدوري أن أساهم بشيء»، أشهد أن الدكتور «حاتم» لم يتردد، طلب مني النزول إلى الاستوديو مباشرة، حيث أقمت إقامة تكاد تكون دائمة عدة أيام هي الأيام التي سبقت انسحاب القوات المصرية، الذي وصفته السلطة وقتئذ بأنه «انسحاب تكتيكي» بسبب «ثغرة الدفرسوار» يوم 15 أكتوبر.
في ذلك الوقت أجريت الحديث الشهير مع الكولونيل «عساف ياجوري» صاحب أعلى رتبة بين الضباط الإسرائيليين الذين أسرهم الجيش المصري. عندما عدت إلى المنزل قابلتني والدتي بوجه عابس، ثم إذا بها تعاتبني على إجراء حديث مع ياجوري، لم أستطع أن أضبط أعصابي فصحت: «تعاتبينني يا أمي على الحديث؟ ليه؟ لأن الراجل كان إسرائيليا؟» قالت: «لا، لأنه أسير»، أفحمتني إجابتها فلم أنطق بكلمة.
كنت ولا أزال أعتقد أن الرئيس السادات خذل جيشه، إذ إن الجيش كان قد حقق في الحرب انتصارا مبهرا، وكان باستطاعته التقدم إلى الممرات في سيناء مما يضع مصر في موقف تفاوضي أفضل عند انتهاء العمليات العسكرية، لكن السادات أجهض هذا التقدم في وقت مبكر، حتى ان وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر قال إنه بدد كل أوراق الضغط التي كان يمتلكها في البداية.

غزو الكويت

عندما غزا الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين الكويت في 2 أغسطس 1990 كنت في غاية القلق على أصدقائي هناك، كنت أريد معرفة ماذا حدث لهم، وخاصة جواد بو خمسين على وجه الخصوص، وكان واحدا من كبار رجال الأعمال في الكويت، فوجئت برجل يتصل بي من الأردن، يقول بلهجة يمنية: «معي خطاب عاجل من أبو عماد وهو مهم جدا، أرجوك أن تقابلني في عمّان».
هرولت إلى عمّان لأتسلم الخطاب الذي أبلغني فيه بوخمسين أنه نجح في تهريب عائلته، وأنها في طريقها الآن إلى القاهرة حيث ستقيم فيها تحت مسؤوليتي، ولكن المسؤولية الفادحة بالفعل كانت تنتظرني في مظروف آخر كبير، حمله الرسول ذاته، فقد كانت فيه رسالة مفادها أن «هذه الأوراق هي توكيلات رسمية لك مني بالتصرف في أموالي»، كانت الأوراق موجهة منه إلى البنوك التي يتعامل معها في القاهرة وبيروت ولندن، وكانت حساباته فيها بملايين يصعب إحصاؤها، أما سطور الرسالة الأخيرة فكانت بالعامية المصرية: «أما عن نفسي، فأنا مش طالع من هنا».
بعد أسابيع قليلة، جاءني صوته في اتصال هاتفي يبلغني أنه مع أصحابه الذين أعرف بعضهم ينظمون هناك صفوف المقاومة، تبين أن هؤلاء الرجال ومئات غيرهم قد نظموا تحت الاحتلال ما يشبه الحكومة المدنية، وحملوا السلاح وحملوا القلم أيضا.
كان معظم من تبقى في الكويت وقتها هم أقل الناس دخلا ممن لم يستطيعوا الهرب، وكانت هناك شبكة محكمة تنقل الغذاء والمال ممن عنده إلى من ليس عنده، كانت هناك خلايا من الأطباء المتطوعين، وكان المهندسون وغيرهم من أصحاب المهن يوزعون الخبز والزيت والأرز، وكبار القوم يجمعون القمامة.
كان صدام يظن أنه سيكون الطرف الرابح، وكانت الولايات المتحدة تظن أنها الرابحة، ولكننا بعد انتهاء «عاصفة الصحراء» اكتشفنا أن الرابح الوحيد من الحرب كانت الـ «السي إن إن». كانت محطة تلفزيون السي إن إن قد أنشئت في الولايات المتحدة في عام 1980، لكنها لم تعرف على المستوى العالمي سوى بعد غزو الكويت، وربما لهذا يقول كثيرون إنها ولدت مع الغزو الذي كلفت بتغطيته عديدين من مراسليها ونقلت كل أحداث الحرب خطوة بخطوة، وكان كل من الجانبين العراقي والأميركي يوجه إنذاراته إلى الآخر من خلالها.

أم كلثوم تلومني على عدم تقديمها بشكل لائق أمام عبد الناصر

في سنة 1963 كان يصلني في مبنى التلفزيون قفص من المانجو الفاخر كل أسبوع دون أن أعرف مصدره، وعندما طلبت من الأمن أن يتحرى الأمر أخبروني أن القفص جاء مع سائق سيارة ليموزين ولكنه يرفض الإفصاح عن اسم الراسل.
انتظرت للأسبوع التالي، وتبعت السائق، وما إن ركب السيارة حتى فتحت بابها الخلفي وقفزت داخله، أخذت أسأل: «مين اللي قاعد جنبي؟ »، وعندما جاءني الجواب عرفت أنها امرأة.
طلبت منها أن تخلع الخمار، وعندما فعلت تمنيت لو لم أكن ألححت في الطلب، كانت دميمة للغايةوحاولت أن أكون لطيفا بل وافقت على تلبية دعوتها على العشاء، ذهبنا إلى كازينو ، وما إن جلست حتى نادت النادل: «هات له كيلو كباب».
تنفست الصعداء عندما غادرت، ولما جاء الثلاثاء التالي ولم يصل المانجو لعنني كل الزملاء الذين كانوا ينتظرون القفص كل أسبوع. ما أذكره عن تلك السنوات من حياتي في التلفزيون أننا كنا سعداء، راضين برواتبنا المتواضعة، بدأت بـ 14.5 جنيها، وانتهت بـ 55و تزوجت من زميلتي مذيعة النشرة الفرنسية في الإذاعة علية البرعي في عام 1966 في حفل استقبال في فندق شبرد ،أظن أنه كان أنيقا كلفني 240 جنيها، بالتقسيط أيضا.
بعد حفل افتتاح مهرجان التلفزيون الدولي في الاسكندرية عام 1964، وعندما أوشكت أن أغادر قابلت سعاد حسني، ولما علمت أني مغادر إلى القاهرة طلبت مني أن أصطحبها معي لأنها مرتبطة بتصوير في القاهرة.
انطلقنا حتى وصلنا إلى الاستراحة في منتصف الطريق الصحراوي، وهناك غلبني الإجهاد والنوم، فسألتها إذا ما كانت تستطيع قيادة السيارة بدلا مني فقالت إنها متعبة تماما، وهكذا استغرقنا في النوم كل في كرسيه حتى جاء موظف من المكتب ودق على الزجاج: «إصحى يافندي النهار طلع»، ولا أظن أنه تبين أن النائمة إلى جواري هي سعاد حسني.
كنا في عام 1962 عندما طلب التلفزيون مني في الدقيقة الأخيرة تقديم حفل نادي ضباط الجيش بالزمالك مساء 26 يوليو، احتفالا بالذكرى السنوية لطرد الملك، بعدما تغيب عن الحفل مقدمه الأصلي.
عندما وصلت، علمت أن مهمتي ستقتصر على تقديم أم كلثوم، وجدت أن الأمر لا يحتاج إلى عناء، وصعدت إلى خشبة المسرح فوجدت أمامي على بعد أمتار جمال عبد الناصر جالسا في الصدارة، ومن حوله أعضاء مجلس قيادة الثورة، لكنني لم أتحقق من شخصياتهم لأنني لم أستطع أن أحول نظري عن عبد الناصر، وعلى الرغم من أنه ابتسم ابتسامة عريضة مشجعة، فإن رعشة خفيفة أصابتني، وبعد ثوانٍ من الصمت قلت: «أيها السادة، إليكم أم كلثوم»، وقفلت عائدا، فوجدت أم كلثوم في طريقي تتقدم على خشبة المسرح، فاستوقفتني، وقالت: «ده كل اللي ربنا فتح بيه عليك؟».

سؤال للسادات

في 28 سبتمبر 1970 انتقل عبد الناصر إلى بارئه، ما إن تتالى بث آيات القرآن الكريم على الشاشة وأنا في البيت حتى هرولت إلى مبنى التلفزيون، طردت من ذهني أن يكون عبد الناصر قد أصابه سوء، ومع ذلك فقد طاردني هاجس أنه ربما يكون قد اغتيل، ولعل هذا ما دفعني إلى الذهاب ـ لا إلى إدارة الأخبار وإنما إلى مكتب الوزير.
هناك كانت تنتظرني الصاعقة.. لم يكن الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذي عين وزيرا للإعلام قبل عدة شهور في المكتب، حضر أنور السادات ليلقي البيان، وصحبته إلى استوديو 4، وتهيأتُ لأن أقدم السادات وأعلن أنه سيوجه بيانا إلى الأمة، وكان ذلك في الساعة الحادية عشرة إلَّا خمس دقائق، لكنني قبل أن أظهر على الشاشة بثوانٍ تذكرت فجأة بأي صفة أقدمه، فربما يكون قد حدث في الساعات القليلة السابقة ما لا أدريه، سألته: «بأي لقب أقدمك سيادة النائب؟» رمقني بنظرة لم أتبين عندئذ معناها، وقال: «أنور السادات، مش كفاية كده؟!».

صحيفة البيان الأماراتية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى