عشنا الحرب بالسيف والترس وبالتوما هوك !

أقول لكم صراحة : فرجة الحرب ليست فرجة !

أي أن الإدهاش فيها مؤلم، مخيف، يحطم القلب، ويدمي الأعصاب. بل ولا يحقق متعة الفرجة التي أقصدها في سياق المعنى الذي أريده، وخاصة عندما تتضمن مشاهد الحرب المتتالية تفاصيل عن الموت والدمار وتتلوث الصور بلون الدم وترددات الصراخ والعويل وأنين الحزن المكتوم !

ولكي تتعرف على الحرب لا يكفي أن تشاهد فيلما حربيا، حتى لو كان هذا الفيلم مشغولا بأحدث أساليب هوليوود بحيث تُعرضُ صور أشبه بالواقع عن الحرب، لا يكفي أن تشاهد فيلما عن الحرب، لأن مشاهدة الحرب ببساطة هي لحظة يعيشها الإنسان داخل التفاصيل وخارج العقل وهذا لا يحصل إلا مع من يعيش فيها !

كانت الحروب فيما مضى بالسيف والرمح، وأن تتفرج على حرب بالسيوف والرماح يعني أنك ستقف على التفاصيل الصغيرة من لحظة خروج السيف من غمده وحتى وصوله إلى عنق الطرف الآخر قبل أن يحزّه فيفصل الرأس عن الجسد بضربة واحدة ، فيسقط القتيل وينتقل القاتل /الفارس إلى خصم آخر ليقتله..

مع تطور آلة الحرب، غدتْ الصورة مليئة بالتفاصيل، ومكثفة إلى درجة أنها أصبحت قادرة على إعطائك تفاصيل دقيقة جدا عن الحدث المأساوي الذي يحصل، ومع ذلك، فإن كل هذه التفاصيل لا يمكن فهم معناها إلا عندما تكون أنت داخلها أو تكون قريبا منها ، وهنا يتحدد معنى الفرجة الحقيقي ، وهي فرجة غير مبهجة أبدا..أبدا !!

نحن في سورية .. عشناها .

لم يكن هناك حاجة لتتبع محطات الأكشن سواء العربية أو غير العربية للوقوف عند تفاصيل الحروب وقصصها ورسائلها ومعناها في تاريخ الإنسان .. كنا داخل الحرب، فعرفنا أشكالا نادرة من وقائع الحروب التي يتحدث عنها التاريخ منذ العصر الحجري إلى اليوم، أي منذ الحرب بالسكين والسيف والترس وصولا إلى الحرب بالصواريخ العابرة للقارات!

نحن في سورية عشنا التاريخ كاملا من الذبح بالسكين إلى الصواريخ العابرة للقارات، والغريب أن إنسانيتنا كانت تجرح عند متابعة مشهد الذبح من العنق أو قطع اليد بالسيف أكثر منها عندما يشخر فوقنا الصاروخ أو يقع على مقربة منا فتهتز الأرض ونشعر أن خلايانا تفتت وتثاقل جسدنا كالصرعى تماما!

ماذا يريد منا مشعلو الحروب أكثر من هذه الخبرة ، وأكثر من هذه الفرجة من داخلها؟! هل يريدون تدميرنا ؟!

نعم .. شهدنا تدميرا واسعا يضاهي في قساوته دمار الحرب العالمية الثانية ..

هل يريدون إخافتنا ؟!

نعم كانوا يريدون إخافتنا، بكى أطفالنا عندما تعرفوا على وحش الحرب، لكنهم لم يخافوا. عضت نساؤنا على أطراف أثوابهن وهن يتعرفن على همجية الحرب، ولكنهن لم يخفن من الحرب..

ببساطة . لم يخف أحد من الحرب ، حتى أولئك الذين هاجروا لأن أمواج البحار كانت تشبه وطأة الحرب وربما أقسى، وربما كانت جزءا من الفرجة، ومع ذلك لم يخافوا ..

أتعرفون من خاف ؟!

فقط .. خاف حفارو القبور من أن يعجزوا عن حفر مايكفي من القبور لدفن الجثث التي رمتها الحرب حولنا وحوالينا وداخل بيوتنا وثكناتنا وفي حقولنا ومصانعنا المنهوبة إلى درجة تفوق التصور !

هناك هدف واحد للحرب أصبح مفضوحا : هو أن ننتهي!

والسوري لا ينتهي… هم لايصدقون ذلك .. ألا تشاهدون صور الحرب وتغريبة السوريين وتشريقتهم .. لقد بلغ فيها عدد الأطفال الذين بعمر الحرب مايوازي عدد السكان!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى