‘عشيقات النذل’ .. رواية العنف الإيروتيكي

“عشيقات النذل” هي الرواية الثالثة للروائي كمال الرياحي بعد “المشرط” و”الغوريلا” نشرت في دار الساقي بلبنان 2015 في 190 صفحة. رواية نقتحم منذ عتباتها الأولى عالما محكوما بالنذالة تتعدد فيه صور المرأة/ العشيقة أو المومس كما تنعت عبر مرجعية المجتمع، أما التصدير فهو مقولة لأحد شخصيات الرواية وهو “بوخا” المخبر، المأجور: “لم يفلت مني أحد. حسمت مصائر الجميع هنا. بقي أن أحسم رؤوسكم”، ثم يمر الى قولة لجورج باتاي” بمقدار ما تكون الفظاعة مقياسا للعشق فإن العطش للشر هو مكيال الحسنات”.

تحيل هذه التصديرات إلى تمظهرات الشر وجماليته في الأدب، فشخصيات رواية “عشيقات النذل” تتميز بعنف فطري ايروتيكي ذلك العنف الذي تحدث عنه جورج باتاي كرغبة ممعنة في الامتلاك، رغبة قد تؤدي اإلى التعنيف والقتل حين تعبر عن نفسها في عالم تغيب عنه المحرمات، هي شخصيات مهوسة بالعنف من أجل امتلاك المرأة.

فبطل الرواية الروائي كمال اليحياوي اقترن لديه العشق برغبة في التملك حد الجريمة، فحين يتحدث عن زوجته نادية الباردة القاسية التي أبعدته عنه بالقانون دون أن تطلقه وهي من أصل بورجوازي كان يصفها بكارثة حلت به ودمرت حياته، لم تكن إلا امراة مازوشية تزوجت من غريمه الناقد الذي يحمل نفس الاسم وكان الد أعدائه فقد كان يحاول تحطيمه بمقالاته النقدية الجارحة المستفزة، وحين عرضت عليه الزواج بعد ذلك كانت تخبره ببرود أن الجنين الذي في بطنها من زوجها السابق وتخيره بين البقاء والذهاب، فاضطر إلى تسجيل طفلة غريمه باسمه “سارة اليحياوي”، وعند عودة هذا الأخير بعد أعوام ومحاولته استرداد الزوجة والابنة سارة فوجد مقتول، وكان كمال الروائي قد أوصى المجرم المأجور بوخا بقتله والاتيان بكبده.

وهو يقول ساخطا لزوجته نادية في حوار باطني “علي أن أكسر رأسك بتلك الصورة. علي أن أركلك بهذا الحذاء المدبب حتى أخرج لك ما بأحشائك”.

جرائم العشق لا تنتهي فعلى الرغم من أن عشيقته حياة ليست قاسية مثل نادية وانها أنيقة وعطرها خفيف وساخنة وغيرت أسلوب حياته ولباسه، ولكنه مسخها فهو يلقبها بالجروة، ويمارس معها الجنس كما لو كانت كلبة ويصفها بالكلبة حين تحمل من زوجها، متوحشة ومازوشية وهي تقتاده إلى عوالم الجنس عند التسكع في الشوارع والسيارة. فحياة ونادية كلاهما شخصيات مرايا تشتركان في خاصيات معينة، حياة أيضا تحمل من زوجها وتخيره بين الذهاب والبقاء، ثم يكشف آخر الرواية في رسالة وجهها إلى صديقه المحامي ايفو من مستشفى السجن بأنه قتلها في الطابق السفلي وبرافعة العجلات هشم رأسها والبرغي الاميركي انهال على بطنها.

وطريقة قتلها لم تختلف عن قتل القطة الحامل في منزل ايفو صديقه المحامي اليهودي حيث هشم رأسها وبقر بطنها وأخرج منها القطط الصغار، ولم تختلف عن الطريقة التي وجدت بها الابنة سارة مقتولة ملقاة بين قضبان السكة الحديدية وقد هشم رأسها بآلة حادة. وخاصة حين يكتشف بأنها صارت تسكر وتتعاطى المخدرات وتعاشر غريمه حسن صديق الدراسة القديم النادل في حانة وعشيق زوجته نادية أيضا، بل صارت حاملا ولا تريد أن تتخلص من الجنين إلى أن وجدت مقتولة في صورة مكررة.

وقد كان يصور انتقامه اللاواعي الناتج عن شهوات الحب “أحاول منذ ساعة أن أؤجل الحديث في الموضوع لكني عاهدت نفسي أن أكتب كل شيء مهما كانت فظاعته. ليست المرة الأولى التي يحدث معي ذلك. أول مرة أرجعتها إلى السكر، والمرة الأخرى قلت إرهاق وهلوسة. لكن منذ أن عدت من جولتي معها وصورتها لا تفارق خيالي. شيء مستحيل ولكنه يحدث”.

وهو إحساس مشفوه بمشهد في قاعة السينما “لم أكن اقصد شيئا. مؤكد. نعم أدخلت يدي تحت قميصها وربت على خصرها.. هذا لا يعني أنني .. حمالات الصدر هي التي اصطدمت بأصابعي”.

العنف يحقق متعة ولذة أيضا، مجال تتعرى فيه كل الرغبات المحمومة، انه تطهر معكوس، هذا الجنس الممتع داعر ومزدوج وربما هناك طهارة يمارسها الذكر تجاه المرأة التي تبقى دائما في صورة الضحية، فالعنف ذكوري في علاقته بأي مجتمع انساني، ففي كل مونولوج تعبر شخصيات الرواية الذكورية عن عنفها المعلن والمستتر، إذ يقول المحامي اليهودي في حوار باطني عن سارة ابنة صديقه الروائي كمال الذي رفض تزويجه لها ونعتته بالقذر اليهودي “”كم حلمت بي أقف على الفراش، وهي كما رأيتها تلك الليلة، عارية كما ولدتها أمها، وأطلق عليها قططي الجائعة. رأيتني ألفها في كيس شفاف مليء بالصوسيصون ثم أطلق عليها عشرين قطا ليمزقوها في ذلك الكيس. كنت أراها تتخبط داخل الكيس ولا يخرج لها صوت حتى تسكن إلى الأبد.”

في حين كان بوخا مخبر المدينة القاتل المأجور الذي كان يقتفي خطوات سارة وهو الذي قتل والدها الناقد كمال الريحاني بإيعاز من زوج والدتها ينكل بها في خياله: “كم كنت شهية وهو يجرك إلى البراد، حتى تمنيت لو كان بيدي بدل المسدس قنبلة يدوية كنت ألقيتها عليك في تلك اللحظة لأراك تتلاشين. ليس أروع عندي من أن أجعل الأشياء تتلاشى. هناك أشياء وجدت لتتلاشى ومنها كل الأشياء الجميلة والأمور الجميلة والأفكار الجميلة والنساء الجميلات”.

تحملنا هذه الرواية الى “جرائم الحب” وكيف تتحول الايروسية إلى طاقات جنسية لا يحدها العقل، تنبلج من العنف وتعبر عنه.

• رواية تصور سادية مجتمع فقد انسانيته

في فترة شريرة من التاريخ البشري والتي كثرت فيها جرائم الإرهاب السادية التي تتلذذ بتعذيب الضحايا والتمثيل بهم، انعكس هذا على الأدب الذي أصبح وثيقة تنبعث منها روائح الجرائم التي تقترف بأعصاب باردة تحت تأثير مثيرات عديدة مثل الإدمان على المخدرات أو تناول اقراص معينة. أو الإفراط في شرب الكحول، ليصور أفعال اللاوعي البشعة. هذا الأدب بعيد كل البعد عن النظر في طهارة الإنسان وقيمه، بل يبرز الانسان في صور مجزأة متشظية وهو ينسلخ من كل ما يرقى به، إنه عبارة على النظر في الانسان وهو يتقهقر ويتلاشى في مجتمعات متفككة تطغى عليها النزعات المادية وتعيش انفصاما نفسيا وحضاريا.

هذا الأدب له رحم ولد منه خاصة في أعمال ادغار الان بو الذي يمتزج فيه الرعب بالشر والظلام والغموض والتعبير عن صور الشر في النفس الانسانية وفي أفعالها في حالة التوحش الشبيه بتوحش الحيوان وهو في حالة الانقضاض على فريسة، فما يهمه هو أن ينكل بها ويحولها إلى جيفة، كما نجد لها صدى في أدب الماركيز دي ساد الذي تتوحش فيه الرغبات وتغيب المثل والقيم الاجتماعية والأخلاقية وتعبر الرغبة عن ذاتها بضراوة.

يصور لنا كمال الرياحي بين طيات الرواية شخصية سادية تقترف الكثير من الجرائم البشعة في خيالاتها وواقعها وكوابيسها. هذه الجرائم السادية لا تنبع من الشخصية ذاتها ولا توجد لها ارتباطات في معاناة الطفولة بقدر ما تعكس جرائم جهات نافذة تريد أن تشظي العقل والإبداع من أجل خدمة مصالحها، كذلك هو حال شخصية الروائي النذل في الرواية، فهو مبدع لا يفكر في الانتحار، ولكنه وجد نفسه يشرب دواء الأعصاب تحت تأثير ضغوط علاقات متوحشة، فتتوحش الرغبات الهستيرية توحش لوثة العالم المحيط به. وكانت زوجته نادية تضع له الحبوب في كاس الحليب صباحا وكأس النبيذ ليلا لتدمر أعصابه لانها اكتشفت خياناته المتكررة لها.

والسارد وهو يصور لنا سادية البطل فهو يصور أحوالا شعورية ولا شعورية تتسم بالغرابة تاركة دهشتها في ذهن المتلقي. فهو يعيش في عالم متدن فيه توحش ذكوري، ومن رموزه “لطفي بوخا” الذي يتحدث عنه في دفتر مذكراته وفي كوابيسه ولا يدرك القارئ حدود الحقيقة من الخيال وهو الذي يترصد خطوات ابنته سارة:

“في تلك الليلة عادت لي هلوسات سارة، ورايت بوخا في المنام، يقدم لي كبد النذل. كانت اصابعه تقطر دما”.

وقد فطر لطفي بوخا على العنف اذ يقول: “يوم سلمني حسن المسدس، الذي يريد أن يسترده الآن، تمنيت لو بقي أبي حيا أو حتى أمي حتى أجربه. كم أحببت أن أبدأ حياتي الجديدة برصاصة في رأس قريبي. لطالما كرهت الأقارب. كانوا طوال حياتي مثل العقارب”.

ويذكر كمال اليحياوي انه اشترى رواية “يوليوس” المندرجة ضمن تيار الوعي ليبين لنا من خلال هلوساته ومواقفه بأنه يحقد على تودوروف وماركيز وشبه عشاقهم بالمومسات. وهذا يعكس تجليا واضحا لعقدة اوديب ومحاولة بائسة يائسة لاستعادة صورة امومية من أعماق النفس المتوترة.

من هنا وفي ظل هذا الواقع المدنس، ربط علاقة مع بوخا المخبر الذي ينظف أسنانه بموسى والذي توحش بعد الثورة حيث صار لديه مسدس، وصوره في صورة المجرم المأجور الذي كان هدده سابقا بتشويه وجهه إن واصل العلاقة مع عائشة، فهو صديق حسن ستيلا الذي كان يحب عائشة ولكنه تحت تأثير النقمة صار يعاشر زوجته نادية فابنته سارة ويغرس مخالبه في أعصابه. ويترصد لطفي بوخا سارة في بداية الرواية “يومها أشارت لي سارة الى رجل يلبس برنس اسود تقول انه ظل يتبعنا من تحت العمارة الى اول الشارع”، هو من جر هند المونديال وراء البنك العربي واغتصب منها النقود واغتصبها عنفها. فينمو أكثر دافع السادية عند كمال اليحياوي” اليوم بدأت أفكر في الأمر بجدية.

نبتت الفكرة في رأسي مثل الدمل، مثل حب الشباب في وجه مراهق. أخذت أجرشها حتى احمرت وصارت بشعة”. ومن هنا نفهم هذا التنكيل وإهانة الاخرين والتقزز منهم ورسمهم بصور منفرة.

هو شخصية قد نجد لها صدى في أدب الرعب القوطي، في القرن الثامن عشر، في خاصة “قلعة اوترانتو” لهوراس ولبول، ونحن هنا لسنا في قلعة أشباح مخيفة، وانما في قلعة الواقع المتوحشة وما تتركه على النفس من شعور متقيح يصور الشر، قبو يسجن فيه طلبة دراماتورجيا ويحرسهم مخبر المدينة “بوخا” ليكتبوا سيناريوهات مسلسلات تدر للروائي كمال اليحياوي شهرة مزيفة. تحولوا إلى فئران في مصيدة.

ليعبر هذا الأثر الروائي عن ظواهر معقدة في المجتمع مثل اضطراب الانسان كانعكاس لاضطراب المجتمع، وصار مصير المثقف المبدع مهددا وهو يربي أفكاره في قبو مثل فئران التجارب، طلبة محبوسون في قاع المجتمع وجودهم المادي مقيد ولكنهم يبدعون من أجل توفير المال لعائلاتهم. كان واقع الشخصية المعلقة في غرفة في الطابق الرابع تطل على السكة الحديدية وهي تأخذ المسافرين الى البحر وتعيدهم يشي بأن المنافذ قد سدت وهم يسيرون على سكة حديدية تقرع الكثير من أصوات الكآبة والرتابة وهو يتطرق الى مشكلات المجتمع السياسية والفنية والجنسية.

فتصور الرواية التحول الوحشي والدموي “عندما نصل تلك النقطة تسقط من حولنا كل علامات التحضر والحضارة. نتحول إلى وحوش بانياب ومخالب”. ويجمع من خلالها شظايا من الواقع البشع.

كما تصور توتر العلاقات في المجتمع، فالقاتل المأجور هو اللاعب الذي تتسع له فضاءات المجتمع، اذ ينقلب لطفي بوخا على الروائي كمال اليحياوي حين تؤجره وتؤلبه عليه زوجته نادية:

“لسنا نحن من نقتل. انتم القتلة الحقيقيون.. هذا الكيس الملعون الذي تدفعه لي ايها الكاتب البشع هو ثمن الدم الذي سفكته بالنيابة عنك. سأنساه انا ولن تنساه انت. انت ايها الكاتب المخبول، انت تدفع لي مقابل قتلى خيالك”.

اننا داخل مجتمع يمسك به المجرم بوخا.

• نذل سادي وعشيقات مازوشيات

تميل بطلات رواية “عشيقات النذل” الى الاغتصاب وممارسة الجنس الشاذ والى التعنيف، فكان كمال اليحياوي يرى من خلال عشيقاته المحاطات برجال لهم نفوذهم هذا العالم الملطخ الذي اقتيد اليه، فصارت حياته تسير مثل سيارة بدون فرامل، حياة صورة مكررة من هند، وهند صورة مكررة من نادية. فقد بدأت علاقته مع حياة في حفل حيث كانت ترافق مفكرا عجوزا مع انها لا تحب الثقافة بل تعشق نجوم الكرة ولكنها منخرطة ضمن لوبيات ثقافية معينة ففي كوابيسه كان يراها في وضعية مزرية حيث تنحني لهؤلاء المفكرين المتهرمين مثل المفكر تودوروف الذي صوره هزيلا يقدم مداخلة حول اعداء الديمقراطية عبر القراءة الورقية، ويقذف ما في داخله عبر كل الفتحات من مواد فاسدة، فتخيلها في حالات جنسية شاذة معه ومع المفكر العجوز لذلك نجده أول الرواية في حالة غثيان.

أما نادية التي رفض الزواج بها اول الامر كانت قد ازاحت صورة أمه وعوضتها بصورة ماركيز يضحك ضحكة عريضة بعين متورمة اثر تعرضه للكمة من غريمه يوسا، واثارته جنسيا ليضاجعها، نادية اهدته رواية دراكيلو، وهي كما نعرف رواية رعب للكاتب الايرلندي برام ستوكر، تتحدث عن مصاص الدماء.

فالسادية هنا سلوك مضطرب بل احساس فوضوي حر لا يتقيد بالنظم والاخلاق، توصله حدة الإثارة إلى الدرجة التي يفقد فيها السيطرة على النفس ومن هنا نشأت دوافع اقتراف جرائمه،

أضف الى ذلك أنه لم يكن وفيا إلا إلى ذكرى حبيبة الطفولة أما العشيقات ما هن الا تجارب مدنسة صار لديه دافع قهري لتعذيبهن. والحقيقة أن القارئ لا يستطيع أن يفهم الجذور السادية لهذه الشخصية إلا من خلال علاقاته مع العشيقات، فزوجته مازوشية تحب من يعنفها، وقد انعكس ذلك في تصرفاته مع عشيقاته، مع حياة والمومس هند المونديال وغيرهن. حتى سارة فقد كانت تطلب من حسن ستيلا أن يتفل عليها بعد اغتصابها.

عشيقات في صور مومسات لهن باع في شهرته، فنادية ابنة صاحب الجريدة هي من حققت شهرته في عالم الصحافة وحياة هي من أدخلته للتلفزة وهند المونديال كما صورها مومس في حانة يقبل عليها الشباب المغرمون بفن السينما ولها علاقاتها التي اهلتها للتدخل لهذا وذاك وكان يصفها بكثير من الاشمئزاز فهي سمينة وعطرها ثقيل ومغرمة باللون الاخضر رغم أنها هي من تدخلت وعرضت أعماله على المخرجين والمنتجين.

“كنت اشهق باحثا عن ذرة اوكسيجين عندما نهضت ووجدتني اتصبب عرقا على الاريكة في غرفة النوم.. الدواء حان وقت الدواء”.

• رواية الكوابيس وخيالات اللاوعي

تزخر الرواية بحوارات متشظية ولا ندرك مدى ارتباطها بالوعي او خيالات الوعي، لا ندرك ان كنا نتابع كوابيس ام احداثا حقيقية سيما وان الشخصية مدمنة على ما يتلف الوعي.

مظاهر سمجة قد حفرت عميقا في ذات المبدع الروائي وكاتب السيناريوهات التلفازية كمال اليحياوي، ينظر اليه من خلال ما يسجل في دفتر المذكرات في حالات خيالات اللاوعي والهلوسة والكوابيس، فيخدش السارد حالات الوعي التي فيها الكثير من التكتم لذلك يفصح عن المسكوت عنه حتى وإن كان في حالة اضطراب الكاتب أثناء الحوار الباطني أو الكتابة اذ لا يتحدث عن نزواته الذاتية بل عن سيرة مجتمعه، عبر مرايا متعددة تطل منها صور الزوجة، ابنته، العشيقة حياة، المومس هند المونديال، المخبر الصعلوك، المحامي اليهودي ايفو، غريمه حسن النادل بحانة، الناقد الذي يحمل اسمه، المحقق.

“كنت أريد أن أحدثه عما يحدث لي من اضطرابات وتلك الاستيهامات التي اراها وتلك الأصوات الفظيعة التي أسمعها طوال الوقت، لكنه أسمعني شيئا أفظع”.

بعض المشاهد صورت بطريقة سوريالية وخاصة في الكوابيس منها العشاء الذي تأكل فيه حياة كبد غريم النذل، يسرد الواقع ثم يحاول أن يطبعها بطابع كابوس هلامي حتى أن القارئ يتوه ولا يعثر على الخط الفاصل بين الخيال والواقع، وهو في اعتماده على هذه الطرق التعبيرية يبتعد عن الطرق المباشرة والواقعية.

ولا ندري إن كان الدفتر الذي استولى عليه ايفو من غرفة كمال اليحياوي من مستشفى السجن قد صور واقعا ام قصة تعتمل في عقله. ولكنه صور حالات هستيرية ناتجة عن دوافع جنسية.

• تصوير واقع – درامي

للرواية شكلها الفني عبر الكتابة بالصورة وتقنيات السيناريو وتركيب المشاهد، وتشظي أحداث الرواية، وحضرت في حقل الصور علب السجائر، الولاعات الصفراء، قوارير الجعة، السيارة الكليو الحمراء وهي رموز لها دلالاتها اللونية وتبرز حالات حادة كالرغبة الجامحة والمشتعلة من خلال اللون الأحمر وأخرى تشير إلى حالات الخديعة من خلال اللون الأصفر.

ومال الكاتب إلى الهسترة وتصوير المواقف المثيرة، واللقطات الجنسية الوقحة، والتراجعية النفسية التي أوصلت الروائي للانتحار بعد القتل، فالمواضيع جادة ومشنجة.

أما الأطر المكانية الفعلية التي بدأت منها الرواية فهي شقة ايفو، البيت الذي يؤجره كمال المعلق في الطابق الرابع المطل على سكة الحديد، الحانات، المراقص، غرف المشاهد الجنسية، السيارة، المطعم، المحلات، لتنتهي الرواية بأطر مغلقة مثل القبو، وغرفة المستشفى المحروسة، والزنزانة، ومكتب التحقيق، والمقبرة.

وهي أطر يسهل للكاميرا ان تخترقها وتمثل علبا مصغرة للواقع، هذا الواقع الذي لا يعرفه القارئ ولكن يضيف إليه الروائي، بعين السينمائي وشعوره الداخلي، ورؤيته يعالج من خلالها الواقع الدرامي الذي يقترب من الحياة، كما يصور شخصياته بطريقة كاروكاتورية مقززة ويسخر منها.

يخاتلنا البطل في بداية الرواية بأنه يبحث عن حبيبته حياة ثم يقر بأنه قتلها وطعنها تنكيلا بها. ويفتح كمال الرياحي فضاءات الرواية لمومسات السينما والصحافة والأدب ليبرز أن المواخير لا تقتصر على الشوارع الخلفية، وأن الحانات يؤمها الجميع؟ وأن ايقاع الحياة أشبه بإيقاع عجلات القطار وهي تجر الإنسان إلى أعماق نفسه التي تتضخم فيها مشاعر الرعب والتهديد حد التقيأ والإجهاد “تقيأت في خيالي، كان الدوار يحتلني بالكامل”.

هي رواية تحملنا الى عوالم فوضى عارمة اجتماعية ونفسية ينفرط فيها النظام ويغفو فها العقل الواعي.. تستدرجنا إلى ظلام النفس وظلام الواقع.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى