عطوان: عندما يتحول ترامب وقرارته إلى “مسخرة” أمام القضاء الأمريكي ولم يجد من يستند إليهم في الدفاع عن هذه القرارات العنصرية غير حكومات عربية.. إنها ذروة المأساة

عبد الباري عطوان

تحول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مسخرة داخل بلاده والعالم بأسره في أيامه العشرة الأولى في السلطة، فقد خسر هيبته، مثلما أصاب هيبة بلاده في مقتل، وهو الذي قال انه سيعيد إليها عظمتها، عندما بدأ يتراجع عن قراراته الخاصة بمنع المسلمين، الواحدة تلو الأخرى، وبطرق مهينة، مرغما، بقوة القانون.

اليوم أبطل القاضي الأمريكي الفيدرالي الشجاع جيمس روبارت في ولاية واشنطن قرار الرئيس الأمريكي ترامب بفرض هذا المنع العنصري الطابع، وأكد عدم دستوريته، وأمر  الموظفين الفيدراليين في مختلف نقاط الحدود والمطارات الأمريكية عدم تطبيقه.

رد الرئيس ترامب كان “سفيها” على هذه الفتوى القانونية التي جرى العمل بها فوراً، وقال “هذا المسمى بالقاضي الذي سلب أساس إنقاذ القانون في بلدنا، أمر مثير للسخرية، وسيتم ابطاله وبسرعة”.

أكثر الأمور إساءة وإهانة بالنسبة إلينا أن ترامب لم يجد من يؤيده في خطواته العنصرية الكريهة هذه غير مسؤولين عرب للأسف، حيث قال في تغريدة أخرى في حسابه على “التويتر”، “أمر مثير للاهتمام أن بلدانا في الشرق الأوسط تتفق مع الحظر المفروض لأنها تعرف انه إذا ما تم السماح لبعض الأشخاص بالدخول، فسينتج عن ذلك دمار ووفيات”.

المشكلة أن سياسات ترامب هذه لن تتوقف عند منع مواطنين سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة فقط، وإنما محاولة إشعال الحروب في الشرق الأوسط، وتأجيج التقسيمات الطائفية في المنطقة والعالم الإسلامي بأسره، وذلك من خلال قوله أن إيران تلعب بالنار، وتأكيد وزير دفاعه جيمس ماتيس اليوم في طوكيو بأنها اكبر راعية للإرهاب في العالم، والبدء في تحشيد دول الخليج العربية في خندق السياسة الأمريكية استعدادا لمواجهتها.

الرئيس ترامب يحاول التصعيد والتحرش وفرض عقوبات جديدة على إيران (وضع 25 شخصية وشركة على القائمة)، بإجراء الأخيرة تجربة لإطلاق صواريخ باليستية، واعتبار ذلك انتهاكا للاتفاق النووي، وقرارات الأمم المتحدة، ولكن واقع الحال يؤكد انه تحدث عن فرض هذه العقوبات وإلغاء الاتفاق النووي برمته قبل هذه التجربة الصاروخية بأشهر، وفي ذروة حملته الانتخابية في سباق الرئاسة.

الولايات المتحدة تبعد أكثر من عشرة آلاف كيلومتر عن إيران، وأي رد إيراني على أي تحرش من قبل رئيسها سيكون في الجوار العربي الخليجي، حيث توجد القواعد العسكرية الأمريكية، وآبار النفط، ومضيق هرمز، مما يعني أننا كعرب ودولنا ومدننا ومواطنينا هم الهدف والضحية، وتحالف بعض البلدان أو الحكومات العربية علنا مع ترامب يعطي المبرر والغطاء الشرعي لهذا الإنتقام.

نحن هنا لا ندافع عن إيران، وان كان هناك من حاول، ويحاول، جاهداً إلصاق هذه التهمة بنا، لأننا لم نقف في خندقه وحروبه في سورية والعراق واليمن وليبيا، وإنما ندافع عن امتنا وشعوبنا، ونريد حقن دماء الأبرياء التي تزهق بسبب سياسات تدخل حمقاء ورعناء في الدول المذكورة آنفا.

كنا وما زلنا مع الحوار مع الجار الإيراني، للتوصل إلى اتفاقات تضمن المصالح المشتركة للجانبين، وتحقق التعايش والاحترام المتبادل، واصطفاف البعض مع ترامب في تحرشاته وتصعيده ضد إيران، وضخ استثمارات مالية ضخمة في بلاده، وإنفاق عشرات المليارات في شراء صفقات أسلحة تحت ذريعة مواجهة الخطر الإيراني، في وقت تعاني شعوب منطقة الخليج من التقشف، لا يصب في مصلحة هذه الطموحات العقلانية التي نسعى اليها.

لا نعتقد أن مجلة “الإيكونوميست” البريطانية العريقة إيرانية الهوى، وتتحدث باسم المجوس، وتحرص على مصالحهم، عندما قالت في افتتاحية عددها أمس، بأنه على العرب الابتعاد عن ترامب والعمل من اجل السلام مع إيران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى