فن و ثقافة

على ضفاف الناي رواية مارغريت جمل: اللغة والتفاصيل والوقائع الغريبة الجاذبة

عماد نداف

تقدم الكاتبة السورية مارغريت برهان الدين الجمل نفسها، مرة أخرى، برواية جميلة جديدة تستحق القراءة، فبعد تجربة مميزة سبق وأن لاقت صداها هي رواية (ليس الأمر كما يبدو) نشرت قبل فترة روايتها (على ضفاف الناي)، وفيها تفرد مساحة للتحدي في مجال الرواية الحديثة التي تحمل مقومات نجاح لافتة.

وإذا كان السيناريو السينمائي، كما هو معروف، يعتمد على تفعيل دقائقه الأولى لجذب المشاهد بأحداثه الآسرة، فإن السرد عند مارغريت الجميل يعتمد على تفعيل صفحاته الأولى لجذب القارئ بأكثر من وسيلة من بينها تشويق الحدث ولغة السرد وبناء الشخصيات.

فهي تبني أحداث روايتها على شخصية فتاة جذابة مبدعة هي (ناي)، وناي من خلال الملامح التي ظهرت في النص من الشخصيات القادرة على حمل تفاصيل الأحداث بيسر وسلاسة، بل إنها نجحت في إدارة مأساتها الذاتية بإرادة غريبة .

هي (قصة حب) من نوع خاص، تبدأ ناي بحب وهمي مفترض مع شاب يدعى نجوان، يدعوها إلى حفل باذخ تتعرف فيه على أجواء وشخصيات جديدة، وهناك تكتشف أنه يتآمر عليها ، ثم يتركها في اللحظة التي كان يجب عليه الوقوف إلى جانبها .

تمسكنا الأحداث الشيقة من يدنا، فماذا تفعل ناي في لحظة اكتشافها الخيانة، وليس لها من يد تمتد لمساعدتها إلا من تحب، وهو الذي أوقع بها في ورطة كارثية سببها أنه عقد صفقة مع أبيه (ساهر) وصاحب الدعوة ظافر بك لتسليمها باليد ، وبذلك تأخذنا الرواية إلى غرائب القصص الجديدة المتعلقة بفساد بعض رجال الأعمال وتورطهم بأبشع أنواع الجرائم عندما تتطلب مصلحتهم ذلك .

يتركها نجوان في الحفل الذي دعاها إليه لأبيه الذي يعقد الصفقات ويتاجر بحياة الناس، وفي هذا الجحيم تجد الفتاة نفسها متهمة، من قبل صاحب الحفل،  بأنها قامت بتهكير حسابات شركته وبالتالي عليها أن تدفع ثمنا لجريمة تجهلها، وعندما تبحث عن مخرج لها في أجواء الحفلة تجد نفسها محاصرة ومراقبة ووحيدة.

تستنجد بشاب من المدعويين في الحفلة هو (أُبَي)، فيتردد ظاهرياً في إنقاذها، ثم تفاجأ بأنه يطلب منها توقيع سند أمانة بمبلغ كبير مقابل إخراجها من الفيلا .

وعندما تخبره أنها تعجز عن الدفع، يشترط عليها رسم عشر لوحات مقابل تمزيق هذا السند ، وتكون تلك الفكرة وسيلة إنقاذها كما يوضح لها فيما بعد،  وبعد أن توافق ينقلها من الحفل إلى مكان آمن في قصره حيث نتعرف على القصة الأخرى..

تبدأ ناي برسم  لوحاتها العشر، في أجواء بيت تألفه سريعا وتتعرف على سكانه ، وفي لوحاتها تحكي كل في كل واحدة منها فكرة إبداعية عن شخصية أبَي وأسرته وأشيائه، وتجد نفسها أنها وقعت في حبه، ثم يقع هو في حبها.

فأبيّ شاب جذاب أنيق، متزوج من امرأة تعيش عزلة جنونية بعد فقدان ابنهما، ومع تقدم الأيام يتعمق الحب بينها وبينه، إلى أن ترسم اللوحة الأخيرة بعد قرار الفراق بينهما ، وفي اللوحة الأخيرة يكتشف أنها لوحة ابنه المفقود، وعندما يسألها عنه تقول إنها شاهدته في بيت محدد من معارفه، فيهرع إليه ليكتشف أن رجلاً وجده في الطريق تائها فتبناه.

يعيد أبي ابنه إلى حضنه وحضن أمه، لكن قصة الحب بينه وبين ناي تقترب من نهايتها، وفي تلك النهاية اكتشاف أخير وهو أن صديقة لها هي من استخدمت حسابها لتهكير حسابات رجل الأعمال (ناظم بك) ، لتجني ثروة طائلة.

أحداث تبدو في سياقها الأولي بوليسية، إلا أنها في سياقها السردي، تحيلنا إلى قصة حب من نوع خاص، بنت عليها الكاتبة مارغريت الجمل، أسلوبا فذا في التعاطي مع البناء الروائي والسردي، مستخدمة لغة خاصة جميلة جعلتنا نخوض في تفاصيل روائية لايمكننا تجاهل المهارة التي أسست لعمارتها النهائية .

إن رواية (على ضفاف الناي) للكاتبة مارغريت الجمل، الصادرة في دمشق عن دار بعل رواية تستحق القراءة، ويمكن لكتاب السيناريو محترف البناء عليها في عمل درامي تلفزيوني أو سينمائي كبير .

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة 

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى