مشاهير

على هامش رمضانيات دمشق: أبو شادي الحكواتي، هل أورث ابنه الحكاية؟

أعلن شادي الحلاق، وهو ابن ((أبو شادي الحكواتي)) الذي سحر الدمشقيين وزوار دمشق من كل الجنسيات في حي النوفرة طيلة السنوات التي اشتغل فيها على الحكاية بلغة أهلها، أعلن أنه سيحاول استعادة نبض أبيه وصوته ليتابع مهنة الحكواتي التراثية الأصيلة التي خفتت بعد رحيل أبيه آخر حكواتية الشام في العصر الحديث !

ويقول شادي : «أتمنى أن أكمل مسيرة أبي وأن أكون أنا أيضاً حكواتياً، لأن أبي ركز واهتم جداً بي كي أكون حكواتياً، فكان يدربني على القراءة ويصحح لي النطق، وصحيح أنني قلت له بأنني لا أريد أن أكون حكواتياً إلا أنني من غير الشعور أجد نفسي حكواتياً، وفي مرة قال لي: لو أنك لا تحب هذه المهنة لما جمعت كل تلك الكتب والحكايات، وبالطبع حاولت أن أكون حكواتياً ففي عام 1991 جربت مرتين وبعدها رفضت الاستمرار ثم اتجهت في اتجاه آخر »..

لم يمض زمن طويل على رحيل أبو شادي الحكواتي، فقبل أقل من سنتين في أواخر أيلول 2014 جمع حكواتي الشام حكاياته ورحل عن هذه الدنيا، ظل كرسي الحكواتي في مقهى النوفرة فارغا، ونعاه كثيرون في سورية والوطن العربي والعالم الذي زار معظم بلدانه ينقل حكايات الشام العذبة ..وكان آخر أعماله إطلالة جريئة على التلفزيون في نصوص معاصرة كتبها بلغة الحكاية القاص عماد نداف تحت عنوان: ((عندي كلمة)) وتناولت الجوانب السياسية والاجتماعية والسلوكية التي أفرزتها الحرب في سورية منذ اندلاعها عام 2011 .

في تقديم البرنامج التلفزيوني مشى أبو شادي في شوارع دمشق القديمة وهو يرقب الناس في الأسواق والحارات، ويقول للناس، إذا عندك كلمة قلها، ثم وصل إلى مبنى التلفزيون يتوكأ على عصاه وخاطب الكاميرا بجرأة الحكواتي قائلا: أنا عندي كلمة بدي قولها !

وفي كل حلقة من الحلقات التي سجلها، كان صوته وأداؤه يعطي للحكايات التي سردها الصدق الذي كان يحتاجه السوريون في مواجهة الحقائق!

هل يستطيع شادي الحلاق استعادة صوت أبيه الآسر، وهو يستقطب زوار حي النوفرة، من سوريين وغير سوريين ومن كل جنسيات العالم، أم أنه سيكون وريثا روتينيا يعجز عن منافسة الحماسة والجرأة والشعبية التي حققها ((حكواتي الشام)) وهو يتصدر كرسي القش الشهير في مقهى النوفرة خلف الجامع الأموي الكبير صحيفة الوطن السورية وفي مقال لسوسن صيداوي نشرت لقاء مع شادي الحلاق نقرأ فيه عن مصطلحات المهنة ورونق الحكاية الشامية وهي تتردد على لسان الحكواتي الذي يرتدي الشروال والطربوش ويتوكأ على العكازة الشهيرة ويقرأ من كتاب الحكايات ..

حظيت مهنة الحكواتي ، كما يقول شادي للصحيفة وهو يطرح إعلان مشروعه ، على شعبية واسعة الأمر الذي جعلها جزءاً من التراث الشعبي في هذه بلاد الشام، ولكن الحال اليوم تغير، يوضح شادي للصحيفة، فعلى الرغم من أنه تمّ تسجيل «الحكواتي» على قائمة الحماية المستعجلة لحماية الظل باللجنة الوطنية السورية وبمشروع في اليونيسكو من أجل حمايتهم من الاندثار، إلا أنه لا يوجد مرجعية أو جهة تهتم بالحكواتي، وحتى إنني في مرة كنت ذهبت كي أسجل أبي في نقابة الفنانين، فكان الجواب بأن على أبي الحصول على شهادة البكالوريا كي يتم تسجيله في النقابة».

توفي آخر حكواتية الشام أبو شادي (رشيد الحلاق)، عن سبعين عاماً، وقال عنه الكتاب وقتها إن وفاته هي نعيٌ لفنّ الحكواتي كما عرفته دمشق والعالم العربي والإسلامي طيلة قرون مضت. فقد حافظ هذا الرجل على طقوس فنّ الحكواتي، التي كادت تغيب في القرن العشرين، لصالح ما وفّرته الإذاعة والسينما والتلفزيون من بدائل حكائية تتماشى مع روح الناس وخيالها ومتطلّباتها الاجتماعية، وقال الناقد ماهر منصور في حينه : إن روّاد مقهى النوفرة، الأشهر بين مقاهي دمشق القديمة وربّما أصغرها، كانوا اعتادوا رؤية أبو شادي يقدّم حكاياته وفق الطراز التراثي المعتاد للحكواتي. حيث يرتدي اللباس الشامي العتيق، من طربوش وشروال وصدريّة، ويجلس على كرسيه الخاصّ، وخلفه تبدو رسومات لحكاية “عنترة وعبلة”. ويبدأ مساء كلّ يوم في سرد فصول من حكاياته عن عنترة والزير و”حرب داحس والغبراء” وقصص فرسان العرب الشجعان.

لم يَعتَد الحكواتي أبو شادي أن يركن إلى حكاياته بوصفها حالة تراثية، بل كان يدعمها بما يجعلها تثير الاهتمام بوصفها مادّة للترفيه. فتراه يشدّ جمهوره وروّاد المقهى إلى حكايته بحركات جسمه ويديه وتعابير صوته، وأحياناً بقبضة يده على سيف عنترة أو الزير، يلوّح به أمام عيون مستمعيه، ويشقّ به الفراغ.. ويضيف أحياناً إلى الحكاية ما تجود به قريحته، فتثير نفوس الحاضرين أكثر، وترفع درجة تأثّرهم بتفاصيلها كما لو أنّهم جزء منها.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى