عمرو الكفراوي يؤرخ للحنين إلى مصر الخمسينات (سيد محمود)

سيد محمود

 

استضافت قاعة «المرخية» في العاصمة القطرية الدوحة أخيراً معرضاً للفنان المصري عمرو الكفراوي بعنوان «سكر مضبوط»، يضم لوحات كبيرة الحجم، استُخدم في تنفيذها ورق «معاد التصنيع»، يُستخدم عادة في تغليف المنتجات البسيطة في الأسواق الشعبية.
ويبدو أن لاختيار هذا النوع من الورق علاقة ما بذلك الواقع الذي لا مناص منه، إذ تتجلى في اللوحات المدينة المصرية بتوترها الصاخب وتناقضاتها وضجيجها الذي يملأ فراغ مخيلة الفنان بلون رمادي يهيمن على اللوحات، يخالطه أحياناً لون ترابي ثقيل.
تجتمع في اللوحات كيانات صبغت بالمقدار ذاته من الحيادية والتجانس لتكوّن في نهاية الأمر ذلك الكيان الهلامي الهائل الذي تستطيع التعرف عليه بقليل من التأمل في جدار المدرسة المجاورة أو إحدى البنايات القريبة، في الواقف إلى جانب كشك السجائر، أو في لافتات محال البقالة، أو حتى في الصورة الشخصية المنعكسة على المرآة.
الورق الذي اختاره الكفراوي له ذلك الوجه الرمادي، بمسحة من التشوه اللطيف الحزين الغارب، والذي ينأى عنك إن أنعمت النظر فيه، ذلك الوجه الذي أتى من وراء الفوضى والعنف ذي النظرة المتوترة المتحفزة التي تسم الكل كما لو كان متورطاً في حياة لم يسع إليها.
تسأل اللوحات: ما الذي أوصل المصريين إلى تلك المرحلة المشوهة؟ فاللوحات في غالبيتها تنطلق من إحساس عارم بالنوستالجيا وترثي عالماً على وشك الغياب، وتتأمل المدينة التي نفقدها الآن. وإذا كان هذا العالم فرض نفسه من قبل على أعمال فنانين مثل عادل السيوي ومحمد عبلة وقبلهما المصري الأرمني شانت افدستيان، فإن الكفراوي يذهب إلى خيار مختلف. فبينما مجّدت لوحات افدستيان والسيوي نجمات السينما وانحازت إلى «النجوم»، وركّز عبلة على محيطه العائلي، يخصص الكفراوي مركز اللوحات لوجوه نساء مصريات عاديات لسن نجمات أو ممثلات خلال الخمسينات والستينات، وهي الفترة التي تشغل الكفراوي في الكثير من أعماله، إذ يرى أنها من أهم الفترات في تاريخ مصر المعاصر وحافلة بالتغيرات الاجتماعية التي سرى أنها أدت الى ما نحن عليه اليوم.
ينظر الكفراوي إلى وجوه النساء كمرآة تعرض تلك التغيّرات، متوقفاً أمام الاهتمام الذي كانت المرأة المصرية توليه في الماضي لفكرة «الجمال»، لا سيما أثناء الذهاب إلى استديو التصوير الذي كانت له مكانه خاصة لدى المصريين. فالتصوير الفوتوغرافي لم يكن معروفاً في مصر حتى أدخله الأجانب، وبعد فترة من افتتاح الخواجة «بيلا» للاستوديو الخاص به في شارع قصر النيل في وسط البلد، وهو أقدم الاستوديوهات في مصر، افتتح عدد من «الخواجات» اليونانيين والأرمن استديوات مشابهة مثل «أندرو» و «ألبيرن» و «غارو».
قبل الشروع في إنجاز معرضه، اشترى الكفراوي مجموعة من الصور القديمة التي كانت بحوزة تلك الاستديوات، ثم صوّر القاهرة وبدأ المزج بين القديم والجديد.
لعلها محاكاة ساخرة أراد منها الفنان إصابة موضع الألم، والتماس عصب المدينة العاري، بطريقة جعلت منه مؤرخاً للحنين.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى