عمليات «خاطفة» في ريف دمشق: إسرائيل تحضّر لاحتلال طويل الأمد
يتابع العدو الإسرائيلي تقدّمه في عمق الأراضي السورية، بعد أن سيطرت قوات الاحتلال على المنطقة العازلة، وتمدّدت نحو مناطق في ريف دمشق، حيث تجري عمليات خاطفة.
ويأتي ذلك بالتوازي مع تسرّب أنباء عن مخطط واسع يستهدف الوصول إلى منطقة التنف، حيث توجد القاعدة الأميركية، في وقت بدأت تظهر فيه بعض التحركات العربية الخجولة لإدانة هذا الاحتلال. واقترن التقدّم الإسرائيلي البري، والذي بدأ بعد سقوط نظام الرئيس السوري الفار بشار الأسد، بحملة جوية غير مسبوقة لإنهاء ما بقي من القدرات العسكرية السورية، واتّخذ شكلاً جديداً إثر السيطرة على المنطقة العازلة، وقمة جبل الشيخ، التي زارها رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه، يسرائيل كاتس، بعد أكثر من نصف قرن على استرجاع سوريا الجبل، وتوقيع «اتفاقية فضّ الاشتباك» عام 1974، والتي أعلن نتنياهو انتهاءها بمجرد سقوط نظام الأسد. وتشير مصادر أهلية في الجنوب السوري إلى أن قوات الاحتلال تتخذ من مقر البلدية في مدينة البعث مركزاً لعملياتها، بالتوازي مع تنشيط حملات التهجير القسرية للسكان في عدد من القرى والبلدات الصغيرة، والتي فُرض عليها حظر تجول لبضعة أيام، قبل أن يتم البدء بإجبار أهلها على التخلي عن منازلهم، وفي المقابل، تتصاعد مناشدات السكان لوقف ما يجري، من دون أن تجد أي آذان صاغية في دمشق المشغولة بصياغة حكم جديد إثر سيطرة «هيئة تحرير الشام» التي يقودها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) منفردة على السلطة.
وبالرغم من التضييق الإسرائيلي وفرض حظر للتجول ومنع وسائل إعلام عربية من الوصول إلى المناطق التي تمّ احتلالها، تمكّنت مصادر أهلية من شرح بعض تفاصيل ما يجري، لافتةً، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن «قوات إسرائيلية راجلة تقوم بعمليات خاطفة بالقرب من ريف دمشق، وخارج المنطقة العازلة في القنيطرة، يتم خلالها تفجير مقرات سابقة للجيش»، وسط أنباء عن أسر الاحتلال عدداً من الشبان، بحجة عملهم في صفوف المقاومة. وطاولت العمليات العسكرية الإسرائيلية، بحسب المعلومات، خان أرنبة وأم الباطنة في القنيطرة، حيث سمع السكان أصوات انفجارات عنيفة، في حين تقدّمت دبابات إسرائيلية لتصبح على مشارف بيت جن في محافظة ريف دمشق.
وبعد سيطرتها على بلدة الحضر في الجولان السوري، بدأت وسائل إعلام إسرائيلية تنشر أنباء عن رغبة سكان البلدة في الانضمام إلى الجولان السوري تحت حكم إسرائيل، الأمر الذي نفاه وجهاء ومرجعيات البلدة عبر بيان رسمي صدر عن «الهيئة الروحية» فيها، مؤكداً سوريّة الحضر، وأن ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديو تدعو إلى الانسلاخ عن سوريا هو أمر يتنافى مع الموقف التاريخي لأهالي البلدة الذين يتمسكون بانتمائهم إلى بلدهم، مضيفة أن «هذا الموقف ثابت ومبدئي لا يتغير، ومنسجم مع الموقف العام لعموم الشعب السوري». كما شدّد البيان على أن أي رأي مخالف لما ورد فيه يُعتبر غير شرعي، ولا يمثّل موقف عموم أهالي حضر وليس إلا موقفاً شخصياً.
في غضون ذلك، يتابع سلاح الجو الإسرائيلي اعتداءاته المستمرة على سوريا، عبر غارات استهدفت هذه المرة جبل قاسيون، بعد أن تجوّلت كاميرات تابعة لعدة وسائل إعلام «عربية» في بعض الأنفاق العسكرية، وأظهرت مخازن لصواريخ ثقيلة، قيل إنها تابعة للمقاومة اللبنانية. وسمع سكان العاصمة دمشق أصوات انفجارات عنيفة مقرونة بضغط شديد، الأمر الذي يعود إلى استخدام إسرائيل قذائف ثقيلة خارقة للتحصينات لتدمير المستودعات والأنفاق، فضلاً عن غارات ليلية أمس طاولت دمشق ومحيطها ومعامل الدفاع في مصياف بريف حماة. وفيما حاول الاحتلال الإسرائيلي في البداية تبرير توغّله في الأراضي السورية بحجة حماية الحدود بعد سقوط نظام الأسد، وبأن هذا الإجراء مؤقت، فقد أصدر تعليمات إلى جنوده بالتحضير لبقاء طويل، في وقت بدأ يكثر فيه الحديث عن تحضيرات لمشروع يربط المناطق التي قضمتها إسرائيل بقاعدة التنف الأميركية غير الشرعية، عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، لتشكيل كوريدور بري يصل قوات الاحتلال بمناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، علماً أن تسريبات إسرائيلية تحدّثت عن توسيع قنوات التواصل مع «قسد»، الأمر الذي لم تنفه أو تؤكّده الأخيرة.
وفي تحرك يُعتبر الأول من نوعه، أعلنت «جامعة الدول العربية» عقد اجتماع على مستوى المندوبين الدائمين، بدعوة من مصر، لبحث العدوان الإسرائيلي على سوريا. وبحسب بيان أصدرته «الجامعة»، عقب الاجتماع، فقد دان المجتمعون وفق قرار عربي تمّ التوصل إليه «توغل إسرائيل داخل نطاق المنطقة العازلة مع سوريا، وسلسلة المواقع المجاورة لها في كل من جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق»، لافتين إلى أن «ذلك مخالف لاتفاق فك الاشتباك المبرم بين سوريا وإسرائيل عام 1974»، ومشددين على أن «الاتفاق يظل سارياً طبقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 350 الصادر في العام ذاته، ومن ثم ينتفي تأثّره بالتغيير السياسي الذي تشهده سوريا حالياً». كما أدان القرار العربي «الغارات الإسرائيلية المستمرة على عدد من المواقع المدنية والعسكرية السورية»، مؤكداً أن «هضبة الجولان تُعد أرضاً سورية عربية، وستظل كذلك إلى الأبد». وطالب «المجتمع الدولي بإلزام إسرائيل بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال، بالامتثال لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ولا سيما قرار مجلس الأمن الرقم 497 لعام 1981، والذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان السوري المحتل»، وفق البيان.
صحيفة الأخبار اللبنانية