ممدوح حمادة والليث حجو يلاحقان السوريين إلى بلاد الواق واق!
أخذ العمل الدرامي السوري العتيد ((الواق واق)) اهتماما لافتا نظرا لنوعية النص الذي يطرح نفسه في سوق الدراما، وبالترابط مع آليات التعامل معه كمشروع فني، سواء من جهة مسألة التسويق أو من جهة البروبغندا الاعلامية التي رافقته، وحفّزت كثيرين للذهاب إلى تونس لمتابعة المؤتمر الصحفي عنه يطرح الأزمة السورية في قالب الكوميدية التي اشتغل عليها الكاتب الشهير ممدوح حمادة صاحب الضيعة الضائعة.
وقد عرضت قناة سورية دراما قبل أيام تقرير مصورا من تونس أعده الإعلامي منصور ديب يتابع وقائع تصوير هذا المسلسل الذي تنتجه شركة إيمار في واحد من تحديات الدراما التلفزيونية الجديدة بعد الحديث الملحاح عن أزمة هذه الدراما وطرق حلها، والذي يتحدث عن سوريين ضاعت بهم السبل فعلقوا في جزيرة !أهمية ((الواق واق)) تأتي من مضمونه، ومن الرؤية نفسها التي تلمسناها من خلال الحديث عنه كنص وتمثيل وأمكنة تصوير وحتى كملابس، والحديث عنه كنص يأخذنا للحديث عن الحرب في سورية، فهو كما يبدو لن يقع بالاستعراض الفوتوغرافي الهزيل الذي وقعت به بعض الأعمال التي طرحت موضوع الحرب، بل ذهب ليبحث عن رؤية تتعلق بالقادم وبالحل وبتناقضات المشاركين في المجتمع السوري، وكما قالت المديرة الفنية لشركة إيمار الشام رانيا الجبان: إن النص يفرض نفسه ، وأن الكوميديا ملحة في حسابات السوق.
إذن هي معادلة، تم العمل لتحقيقها في فورة التحدي لتجاوز أزمة الانتاج، وليس في فورة الانتاج التي خلدناها كالاهرامات، تلك الفورة التي مرت بها صناعة الدراما التلفزيونية السورية في فترة التسعينات من القرن الماضي و العقد الأول من القرن الحالي ..
وقد كشفت ملامح هذا النص الصور التي وردتنا عن شخصياته، والتي قدمتها التقارير التي جاءت من تونس على أرضية الهندام الذي ترتديه، والرؤية المتعلقة بكل شخصية وفقا لما فسرها ممثلوها الذين حاورهم منصور ديب في تونس، فالمسلسل كما رآه المخرج الليث حجو يأتي ضمن مشروع مكتمل يعمل عليه الكاتب الدكتور ممدوح حمادة منذ مسلسل ((ضيعة ضايعة))، وهذا التصريح من الليث يعطي بعدا جديدا للنص الدرامي السوري وهو يؤسس لرؤية، ولايلبي طلبات كما كان في الفورة الانتاجية، ولاحظوا هنا أهمية الفكرة التي يبني عليها ممدوح حمادة وحساسيتها : جزيرة في البحر حاول أهلها إعادة بناء مجتمعهم ، فماهي الصعوبات التي تواجههم. وطريقة المعالجة هي في ((الكوميديا)) ، وهي هنا أحد أهم عوامل الجذب للمسلسل تشتغل عليها مجموعة شخصيات يمكن اعتبارها حوامل رمزية كانت على متن المركب الذي غرق في البحر، فالكابتن ((باسم ياخور)) تاجر أزمات يمثل الفساد والانحطاط في القيمة، ويكشف باسم ياخور عن نقطة مهمة وهي أن كل شخصية هي رمز : معارضة ، سلطة، تجار، ..
هذه المسألة صرح بها الممثلون أنفسهم في الحوارات التي دارت معهم، والتي كشفت أيضا أن الليث حجو ((فنان ديمقراطي)) يكسر سطوة المخرج الذي يحكم بأمره في صناعة العمل، فنان ديمقراطي لأنه ينصت إلى الفهم الخاص للمثل الذي يتعاطى مع الشخصية التي أنيط به تمثيلها أمام الكاميرا، فالفنان حسين عباس يفصح أنه اقترح على الليث أن تكون شخصيته شخصية ابن الساحل ولهجته لأنه هو ابن الساحل ويتحدث باللهجة نفسها، والفنان أنس طيارة يعلن صراحة أنه اقترح تعديلات على شخصية وارطان الأرمنية ، وهذا يعني أن النص مفتوح على الفن وأن الفن بمجموعه حامل ممتاز للفكرة، وهذا يعطي شيئا من حقوق النص التي ضاعت منذ خلاف مسلسل دائرة النار الشهيرة في مطلع التسعينات.
سوزان الوز مغنية الأوبرا تلعب الدور نفسه الذي تلعبه في الحياة وجرجس جبارة، حامل الدكتوراه المزورة ، يلعب دور الدكتور معيط ، ويصرح بأنه يمثل رأس المال غير النظيف ، وكذلك يحمل الفنان رشيد عساف في شخصية المارشال عرفان فهما آخر لمجموع العمل عندما يطرح في الحوار معه سؤالا كبيرا يقول : ماهو الاتفاق الجديد بين المواطن وبين القيم؟ ويعلن أن الفن يجب أن يسهم بهذا الموضوع ، وأن مقولة مهمة يحملها العمل عنوانها : الجميع سواسية أمام القانون .
هي تلك رحلة السوريين إلى جزر الواق واق، فهل كانوا بحاجة إلى الحرب لتحقيق هذا الكشف، وهنا يبدو السؤال الذي تطرحه الدراما كبيرا أمام السياسيين فهل ينظر السياسيون إلى المسألة كما ينظر الفن ؟!