عندما تعرفك الشركات أكثر من نفسك
في المقلب الآخر من الصورة عينها، عليك أيضاً أن تعرف أن ذلك الشبيه يجب أن يعرف عنك كثيراً، بل كثيراً جداً. بديهي القول إن الـ «دوبلكس» سيصغي إلى مكالماتك، ويتعرف إلى أطرافها عبر أرقام الهواتف، كما يتعرف إلى طريقة حديثك ونبراتك والجمل التي تكررها، ويربط ذلك مع أوقات النهار والليل وما إلى ذلك. ويتوجب عليك أيضاً أن تساهم في تدريب ذلك البديل- الشبيه، بما في ذلك الصوت والمعلومات عن الأشخاص والأمكنة وغيرها. بعد فترة من الزمن، ربما يصبح الـ»دوبلِكس» أكثر دراية منك بمسارات كثيرة في حياتك. تذكر أن ذاكرته واسعة وثابتة، فيما ذاكرتك البشرية متقلبة. لا تستطيع أن تتذكر أرقام هواتف اصدقائك وعائلاتك ومعارفك وزملائك وجيرانك، لكنه يستطيع، وتقدر أنت أن تخبره عن علاقتك بهم أيضاً، فيحفظ ذلك فوراً.
هل لا يهمك أن تنكشف تفاصيل حياتك كثيراً أما هاتفك الذكي، بالأحرى، موقع «غوغل» الذي ستسير إليه كل تلك المعلومات وتخزن على خوادمه الهائلة الضخامة، تحت ذرائع شتى؟ جرب أن تفكر في فضيحة «فايسبوك» الأخيرة وانكشاف معلومات ما يزيد على 86 مليون شخص من جمهوره، أمام أعين شركة «كامبريدج آناليتكا». جرب أن تستعيد في ذهنك سبب ذلك الانكشاف المذهل لملايين البشر أمام أعين خبراء الكومبيوتر، بمعنى أنهم كانوا مكشوفين في تفضيلاتهم وأنماط تعاملهم مع الشأن العام إلى حد مكن الخبراء من التلاعب بهم سياسياً وانتخابياً. ألم يحدث ذلك الانكشاف غير المسبوق في تاريخ المعلوماتية (بل السياسة الحديثة) عبر تحليل أشياء يومية بسيطة، أبرزها وضع إشارة «لايك» والتعليقات البسيطة على مجريات يومية؟ ربما صدفة أن البرنامج الذي حلل تلك المعلومات كان اسمه «هذه هي حياتك الرقمية» This is your digital life، لكنها صدفة معبرة. كيف يكون الأمر إذا انكشفت حياتك الرقمية كلها أمام الذكاء الاصطناعي لشركة معينة، مع ملاحظة أن المكالمات الصوتية ستكون ضمنها؟
هناك فرصة كبيرة في التطوّر التقني الذي يحمله «غوغل دوبلكس»، لكن هناك أيضاً خطر تفاقم الانكشاف أمام أعين الشركات، ثم لاحقاً أمام أجهزة الاستخبارات، كما بات معروفاً منذ فضيحة التجسس الالكتروني الشامل لـ «وكالة الأمن القومي» الأميركية في 2013. تذكر أيضاً أن هناك قولاً شائعاً في عوالم المعلوماتية هو «عندما تقدم الشركات أمراً ما مجاناً، فالأرجح أن تكون أنت هو الثمن»!
صحيفة الحياة اللندنية