عندما شاهدت السيد الجليل عزرائيل!!

تعرفت على عزرائيل أكثر من مرة، وهو شخصية شوهتها الأحاديث والأوهام الشعبية عن الموت، فالموت يخيف الناس الذين لايعرفون أن لكل شيء نهاية، وأنا مثلهم، لا أستطيع أن أدّعي أنني كشفت السر الذي كان يبحث عنه جلجامش، ليبقى حيا أبد الدهر.

هذه المرة شاهدته قبل أيام ، كان يتجول حولي ولايهتم بي، والغريب أنني استعدت شيئا كنت كتبته عن الموضوع، فالموت، قبل سنوات، كان يحيط بنا من كل حدب وصوب، وفوجئنا بأن طلقة رصاص أودت بصديقنا، ويومها كتبت عن الفكرة نفسها، وقلت :

عندما انطفأ صديقي الصحفي (الجماهيري) شكري أبو البرغل في مشفى المواساة انتبهت إلى مسألة مهمة، وهي أن أيا منا يمكن أن ينطفئ في أي مشفى للمواساة أو أي ساحة للتفجيرات الإرهابية ، أو رصاصة تعرف إلى أين تتجه !

أنا خفت ! لا أريد أن أكذب عليكم … إي : أنا خفت . الاعتراف فضيلة .

قلت في نفسي : ” ما أدراني أن يحصل ذلك فجأة ، دون أن يقول لي السيد الجليل (عزرائيل) : ضب أغراضك أيها الشقي ! ، فقلت لنفسي : سأضب
أغراضي !

أنتم لاتعرفون معنى هذه العبارة .. أنا أعرفها ، فقد حصل معي هذا عشرات المرات . كانوا يقولون لي : ضب أغراضك. وعلى الفور كنت أجمع المنشفة ومنامتي والأقلام والأوراق، ولا أسأل إلى أين !

قلت : أضب أغراضي ، ولكن أغراضي هذه المرة كثيرة : لم تعد مجرد (بقجة ) تحتوي على منامة وبشكير وأوراق وعدة مئات من الليرات .. أغراضي كثيرة .. تحتاج إلى سيارة شحن :

أربعة آلاف كتاب. أقلام من مختلف الألوان. لاب توب . فلاشة . منامة زرقاء .. ومشاريع لاتنتهي في الأدب والصحافة والسيناريوهات التلفزيونية والسينمائية..
ركضت. جمعت ما استطعت.. وضعتها في ركن البيت . وقلت : عند أول نداء أحملها معي ! فتذكرت فجأة : يا ألله ! السيد الجليل عزرائيل لايقبل كل ذلك !
أتعرفون ماذا فعلت ؟! أتعرفون ماذا قررت ؟! أتعرفون ما الذي حصل معي ؟!

لاتعرفون ! أعرف أنكم لاتعرفون ..

تركت كل شيء ، تركت الأشياء التي جمعتها.. تركت زوجتي.. تركت ابنتي.. تركت كتبي .. النقود التي وفرتها للأزمات.. لم آخذ منها شيئا .. أطبقت الباب خلفي وخرجت إلى دمشق شاهرا حبي !

قبل أيام، قرأت ماكتبته عام 2012 عندما استشهد شكري.. كنت في العناية المشددة في المواساة، أدافع عن نفسي في وجه الخثرة الدماغية التي هزت كياني صباحا، فإذا بي أشاهد السيد الجليل عزرائيل.. نظر إلي وابتسم، هل تتوقعون أن عزرائيل يبتسم؟! نعم ابتسم ، وقال لي : هذه المرة لايبدو عليك الخوف! ومشى!

كان المرضى من حولي في أحوال يرثى لها ..

ذاك ما أعطاني القوة، فقمت بهز رأسي عدة مرات، ولوحت للسيد الجليل عزرائيل، وخرجت من المستشفى قويا إلى دمشق شاهرا حبي !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى