عندما يصبح أصدقاؤك مدراءً أو وزراءْ!
عندما يصبح أصدقاؤك مدراءً أو وزراءْ!… الفكرة من أولها تقوم على الوفاء. لكن هناك شيء آخر بسوية الوفاء هو احترام النفس. وبين الوفاء واحترام النفس، تُبنى العلاقات بين الناس سواءً كانوا أصدقاء أو كانوا أقارباً. والحديث في هذه النقطة موصول، كما تقول إحدى مذيعات التلفزيون، بحديث آخر مدعوم بالوقائع والأسماء، وسأكتفي بالإيجابي منها.
وقد جاءتني الفكرة، عندما شعرت أن أموري المالية ستضيق فيما لو أُحِلتُ على التقاعد، وقيل لي إن عليك تقديم طلبٍ لتمديد الخدمة، فرفضتْ، فأنا لا أطلب مثل هذا الطلب، وأعرف أن رئيس الحكومة السابق سيرفضه، لكن فاجأني الوفاءُ من قبل كثيرين من أصدقائي وقفوا معي بحزم :
قال صديقي وضاح الخاطر وكان مديراً لإذاعة سوريانا : ولايهمك . إنسِ. وقال صديقي رامز ترجمان، وكان مديراً عاما قبل أن يصبح وزيراً : ولايهمك. وعندما صار وزيراً قال لي أنت تستحق تعويضا أكبر بكثير مما تأخذ. أما صديقي خالد مجر، وكان مديراً للفضائية، فقال لي : سنبقى معاً، أو نتوقف معاً. ووقف معي إلى النهاية. وعمليا وقف هؤلاء بجانبي. ووقف آخرون بالطريقة نفسها، ووقفتهم كانت مهمة إلى درجة جعلتني أتوقف عند مسألة الوفاء بشكل عام عند أولئك الذين يصبحون في موقع المسؤولية !
أتعرفون من تذكّرت؟!
تذكرت صديقي القديم حنين نمر، الذي أخبرَته سكرتيرتُه أني أريده وأني في غرفة الانتظار، فقطعَ اجتماعَه وكان مديراً عاماً، وخرج، فرحب بي ثم أدخلني لأحضر الاجتماع ثم لنجلس مع بعض. كما قال .
وتذكرتُ أحدَ أقاربي، الذي، وعندما صار وزيراً، طلب من مدير مكتبه أن يصرفني لأنه مشغول، وسمعت صوتَ عباراتِه على سماعة الهاتف، وهي لاتليق بسمعته كوزير جاء قريبه أو صديقه إلى مكتبه، وهو يعرف جيدا أني لا أسعى لحاجة..
هذه هي الفكرة .
الصداقة والوفاء قيمتان أخلاقيتان في مجتمعنا، وحتى في مجتمعات العالم، والقياس عليهما، مسألة على غاية الأهمية إذا كان صديقك مسؤولاً ، وعليه أن يكون وفيا في لحظة يستحقُ فيها الوفاء، وخاصة إذا كانت المسألة في إطار القانون واحترام المجتمع ولا تكسر النواظم التي نعيشها !
وتخطرني هنا، قصةٌ حكاها لي أحد مالكي سيارات الفان العابرة للدول. قال إنه وصل إلى الرياض في السعودية، ونزل الركاب إلا امرأة أضاعت عنوان ابنها الطبيب الذي يعمل هناك، ورجته أن يساعدها، فأنزلها في فندق، وراح يبحث عن ابنها لمدة ثلاثة أيام، ويقدم لها كل ماتحتاج، إلى أن وجده ، فأوصلها إليه .
شكره الابن، وأخذ رقم هاتفه وعرض عليه التكاليف فرفض، فشكره من جديد وقال له : إنك قمت بما لايقوم به أحد !
وعندما عاد صاحب السيارة / الفان إلى دمشق. جاءه اتصال من رقم مجهول، وقال له أنا المسؤول الفلاني. هل بإمكانك الحضور إلى مكتبي غداً . خاف صاحب سيارة / الفان، فكيف يتصل به مباشرة مسؤول على هذا المستوى!
انتظر اليوم التالي بقلق كبير، فإذا بالمسؤول ابن تلك المرأة التي ضاعت قبل أسابيع، وشقيق الطبيب الموجود في الرياض، عرّفه بنفسه، وشكره ، وقال له :
عندما تحتاج لأي شيء في البلد أخبرني.
أعطاه رقمه الشخصي، وبعد سنتين احتاجه في قضية كبيرة، فإذا به يستعيد الرقم، ويتصل، ليجد المسؤول يرحب به ويقول له : حاضر. حاضر. إنس هذه القضية، إنساها تماماً!