كثيرا ما أُدعى هذه الأيام لإلقاء كلمة أو إجراء لقاء حول تجربتي كطالبة أجنبية في الصين، وغالبا ما توجّه إلي الكثير من الأسئلة حول الصعوبات التي واجهتني، وحول ما أريد نقله من تجربة لبلدي سوريا. يوم أمس كان لي لقاء مع مجموعة من الطلاب ، وقد فوجئت بنوعية الأسئلة المطروحة التي لم أكن قد حضّرت لها في السابق، كان السؤال الأول حول وضع سوريا حاليا، فمعظم الصينيين يعرفون أنها بلد يعاني من الحرب، ولكن لا يدركون تفاصيل دقيقة حول ماهيّة هذه الحرب،لا سيما غير المهتمين بالشأن السياسي.
باللاوعي وضعت رأسي في الأرض، فأنا لست ماهرة في الكذب، ولا أعرف أن أنمّق الأشياء وأتحدث بدبلوماسية عندما يكون الموضوع هو “سوريا” ، خاصة وأنّ معظم ما حدث ويحدث لنا في سوريا أمر يثير الشفقة، وهو التعاطف الذي لا أحبّه. فجأة تذكرت تقنيات طلائع البعث في رفع الرأس والشموخ باستمرار عند ذكر البلاد، عندها رفعت رأسي مباشرة وقلت: “ننتظر التعافي” …كنت أقولها وأنا مكسورة أقول في قلبي: “اللهم عجّل في خلاص هذه البلاد من أزماتها !
جاء بعدها السؤال التالي: “ما هي المناصب التي من المتوقع أن تستلميها عندما تعودين، ألن تصبحي من قادات البلاد؟”…فغالبا ما يتنبأ لي أصدقائي هنا أن أصبح من المسؤولين في سوريا عند عودتي، كنت أضحك في سرّي وأقول: “قائدة في سوريا، هل تريدون لي أن أختفي في مكان أسود” ..ومن ثم استعرت تقنية الركاكة الثانية التي اعتدنا عليها عندما كنا نُسأل في الصف الأول عن رغبتنا المهنية، وكنا نجيب: “سأصبح طبيبة لأعالج المرضى بدون مقابل”.. فأجبت على الشكل التالي: “نعم، عندما أعود من المتوقع أن أكون من القيادات الشابة لأساهم في بناء البلاد”
المهم استعرت كل الطرق الركيكة التقليدية التي لا أحبها ،لأني كنت أخشى أن اقول أي كلمة يُنشر بها غسيل البلاد، كنت أجاوب مبتسمة وأقول في داخلي: “ما هذه البلاد التي تكسرنا بحبها، نخجل من أن نتحدث عن مرضها، وفوق هذا كله نعبّر عن مشاعرنا تجاهها بطريقة غبية ركيكة”
عدة أسئلة وصلتني إلى أن اقترب وقت النهاية وجاء السؤال الأخير الصعب: “ماذا علّمتكم الحرب في سوريا؟”..تذكرت واقعنا في الفترة الأخيرة، الانقسام الذي عاد إلى البلاد، الخوف من العودة إلى 2011 وكذلك الخشية من الاستمرار بما نحن عليه وهو الخيار الأسوأ،..ولكني وفي تلك المرة تحديدا لم أستطع أن أجيب بركاكة ولا برأس مرفوع، انحنى رأسي تلقائيا وقلت: “إذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد من ان يستجيب القدر، ونحن في سوريا شعب لم يزل ينتظر استجابة القدر”.