عن القوى العظمى التي لا قوة لها! (سمير التنير)

 

سمير التنير

بدأ الانحدار الأميركي في عهد جورج بوش الابن بسبب خسارة أميركا حروبها في العراق وأفغانستان. وبسبب ذلك اضطر خليفته باراك أوباما إلى الانسحاب من جبهات القتال والتراجع إلى سياسة دعيت «القيادة من الخلف» وإلى سياسة «بناء الأمة من الداخل» والاتجاه إلى إعادة بناء البنية التحتية التي شارفت على الاهتراء الكامل. ان ديترويت في أميركا تعني له الكثير، ما يدفعه إلى إغماض عينيه عن الأزمة الاوكرانية. يدرك أوباما الآن أن ممارسة الغزو العسكري لا تؤدي إلى الانتصارات. ويدرك أيضاً أن القيم الأميركية لا يمكن فرضها على العالم. ولذلك، فهو لا يرسل فرقاً عسكرية إلى الجبهات، بل يرسل الطائرات بدون طيار، وهي المعروفة باسم «الدرون» والتي أدت إلى قتل ثلاثة آلاف من «أعداء» أميركا، بمن فيهم المدنيون الأبرياء. وحين انفجرت الأزمة الأوكرانية، لم يمارس أوباما دور «حارس الليل»، بل غض نظره عن كثير من الأمور، متحدثاً عن المصالح الاقليمية الروسية في دول الجوار، وقائلاً إن أميركا تمارس هذا الدور ايضا. ولم تتعد العقوبات الغربية على روسيا حرمانها من مقعدها في «مجموعة الثمانية»، فضلا عن بعض العقوبات الاقتصادية الخفيفة. ويدرك الجالس في البيت الأبيض ان العالم اصبح الآن عالماً متعدد الأقطاب، وان الاحادية القطبية الأميركية قد ولت إلى غير رجعة، وان اميركا تحتاج لروسيا في أزمات العالم الحادة والخطيرة، كالحرب الأهلية السورية، والبرنامج النووي الإيراني، والقنبلة النووية لكوريا الشمالية.
لا يمكن الحديث الآن عن السلام الأميركي المفروض على العالم (باكس أميركانا). ولكن، هل يعني ذلك صعود روسيا إلى المرتبة السياسية والعسكرية التي كان عليها الاتحاد السوفياتي السابق؟ من الصعب القول بذلك برغم نجاحات بوتين وانتصاراته في مجال السياسة الخارجية، اذ تعاني روسيا من مشكلات داخلية، من بينها تراجع عدد السكان، واعتماد الاقتصاد على صادرات الغاز والنفط، وعدم حيازة السلع الصناعية الروسية التنافسية في أسواق العالم. وتطرح روسيا اليوم مبادرة لانشاء «الاتحاد الأوراسي» لإعادة تجميع مناطق النفوذ في أوروبا الشرقية.
اما الصين التي ترتبط مع روسيا بحلف استراتيجي سياسي واقتصادي وعسكري، والذي يعتبر من دعائم الاستقرار في العالم، فقد امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن عند طرح مسألة ضم شبه جزيرة القرم للاتحاد الروسي. وتشترك الدولتان ايضا في عضوية مجموعة «البريكس» الاقتصادية، ضمن الاقتصادات الصاعدة. وقد وجد شي جينبينغ نفسه في دوامة عند طرح المسألة الأوكرانية في الأمم المتحدة حيث تواجه بلاده ايضا مشكلات داخلية تتعلق بمقاطعة التيبت، والانفصاليين الاسلاميين في مقاطعة شن بينيغ.
لقد انهارت القطبية الثنائية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي مع نهاية الحرب الباردة وتفكك المعسكر الاشتراكي. وتحول العالم إلى القطبية الاحادية التي تعني سيطرة أميركا على العالم. لكن ذلك لم يدم طويلاً. اذ تحول العالم الآن إلى عالم ممزق متعدد الأقطاب، تعصف به الرياح من كل جانب.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى