نوافذ

عن عالمنا الفارغ من كباره

لجين سليمان

بكين- منذ الصغر لم أكن أقتنع بمعايير “الكبير” و “الصغير” السائدة في مجتمعاتنا، فحتى عندما كانت تُجبرني والدتي على النوم في وقت محدد والاستيقاظ في وقت محدد، كنت أستهجن الأمر في داخلي، ولم أكن أفهم لماذا تفرض قوانينها علي، الآن فقط عرفت لأني أصغر منها سنّا؟ ..

لم يكن يقنعني هذا السبب أبدا، ولم تكن والدتي تعلم ما يدور في داخلي وتحديدا فيما يتعلق بشعوري أني لست طفلة.

وعلى الرغم من اعتراضي على كل ما سبق، كان يسرّني أنّي وخلال خلافاتي مع أخي الأصغر “ماهر” كانت تربّت والدتي على كتفي وتقول لي: “الوعاء الكبير يتسع للصغير، تحمّليه”..وكنت أردد العبارة ذاتها عندما كان يختلف “ماهر” مع أخيه الأصغر، كانت تعجبني تلك الجملة وتشعرني أني كبيرة وقديرة، وذلك على الرغم من أني كنت أدرك في داخلي أن الأمر معكوس تماما، كنت أعرف ضمنيا أني أتحمّل “أهلي ومدرّستي ومديرتي” و “ماهر” الصغير يتحملني “أنا” الأكبر، و”عامر” الأصغر سنّا يتحمل العائلة كلها…

كبرت معنا تلك المفاهيم النظرية على أنه يجب على الكبير أن يراعي الصغير أو القوي أن يراعي الضعيف، حتى أنه في درس القراءة كان يوجد جملة تصف عائلة مثالية لم أزل أتذكّرها حرفيا حتى اليوم: “كبيرها يحترم الصغير وصغيرها يعطف على الكبير”. إلا أنه سنة بعد أخرى، وكلما كبرنا وتوسّعت دوائرنا الاجتماعية، أكثرَ ما كان يترسّخ فينا أن تلك العبارات لا تتجاوز المحسّنات اللفظية فنحن جميعنا نعيش في عالم لا كبار فيه، بل هم يدّعون أنهم كبار بحكم الموقع أو العمر، تماما كالقصير الذي يرتدي كعبا عاليا فلا يكبر إلا بكعب حذائه.

حتى اليوم فإننا لم نزل نطلب من كل صغير أن يتحمل الكبير، نطلب من الحلقة الأضعف أن تتحمل الحلقة الأقوى، نطلب من الجائعين أن يكونوا أكثر واعياً كي لا تتعرّض البلاد لمؤامرة، ونطلب من المهجرين أن ينتظروا الحلول السياسية، ونطلب من المقهورين أن يتحمّلوا البطش وعدم اكتراث العالم بآلامهم، نعم لم نزل نتكّل على وعي الضعيف المقهور، وكلّ ذلك إن دلّ على شيء فإنما يؤكّد أننا نحيا في عالم لا كبار فيه، ولذلك لم تزل تستفزني فكرة “الكبير” منذ الطفولة وحتى اليوم.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى