عودةٌ عربيّةٌ مُعاكسة إلى سورية عبر البوّابة الإنسانيّة.. لِمَ لا؟
عودةٌ عربيّةٌ مُعاكسة إلى سورية عبر البوّابة الإنسانيّة.. لِمَ لا؟…كان مُصاب الشّقيقة السورية كبيرًا مؤلمًا، وكانت معاناة أهلنا فيها أضخم من أن يتحمّلها شعب مُحاصر مُجوّع، حتى أن أمريكا “رسولة” السّلام وحقوق الإنسان، والأم الحنون الحريصة على السوريين وحقوقهم وحرياتهم، ما زالت تتشبّث ومعها كل أتباعها في أوروبا وبعض المنطقة العربية بقانون “قيصر” وعقوباته، ولم تقم بالتضامن ولو اللفظي، وكأن ضحايا الزلزال ليسوا بشرًا من لحمٍ ودم، وليس لهم علاقة بالإنسانيّة، وهذا أكبر تجل للحقد والعنصريّة والفاشيّة السياسيّة، ولكن لعلّ كلّ ضارّةٍ نافعة.
ماتت الإنسانيّة وتعفّنت عند أدعياء الديمقراطيّة وحُقوق الإنسان الذين قتلوا مليونين من العراقيين وما يقرب المليون في أفغانستان وعشرات الآلاف في ليبيا ومئات الآلاف في سورية تحت عُنوان إنقاذ الشعب السوري، وهم الذين لم يُقدّموا عُلبة حليب لأطفاله، أو دواء لضحايا الزلزال الذين اقتربوا من الألفيّ مُصاب، ممّا يؤكّد مجددًا أنهم ليسُوا ضدّ الأنظمة وإنّما الشعوب أيضًا.
ها هي الطائرات المُحمّلة بفرق الإنقاذ والأغذية والمعونات الطبيّة تتدفّق على سورية، وتكسر حِصار “قيصر” وتُهشّمه، من العواصم العربيّة والإسلاميّة والعالميّة الشّريفة، من الجزائر، من لبنان، من تونس، من العراق، من إيران، وها هو رئيس مِصر يُهاتف نظيره السوري للاطمئنان والتّعزية، وللمرّة الأولى بعد قطيعة استمرّت 11 عامًا، وها هو الرئيس الجزائري يُصر على أن تكون طائرات مُساعداته التي تحمل ما يزيد عن ما يقرب من مئتيّ طن الأولى التي تهبط في مطارات دمشق وحلب وحمص وعلى متنها أكثر من مئة من رجال الإنقاذ، والشّيء نفسه يُقال عن سلطنة عُمان، وعن الأردن حيث بادر السّلطان هيثم بن طارق وعاهل الأردن الملك عبد الله الثاني بالاتّصال بالرئيس السوري الذي لم يَستجدِ المُساعدات رُغم آلام وعُمق جُرح المأساة.
هذا الزلزال مزق الأقنعة عن الوجوه المُتوحّشة التي ترقص طربًا على جثامين الضّحايا السوريين، وأظهر أنيابهم الصّفراء، وفضح أحقادهم المسمومة، وكُل أكاذيبهم حول قيم العدالة والإنسانيّة أو حُقوق الإنسان التي يُتاجرون فيها، ويُدمّرون البُلدان وشُعوبها تحت راياتها.
العرب الشّرفاء يعودون إلى سورية، ويقفون في خندقها، ويُهاتفون رئيسها، ويتعاطفون مع ضحاياها، ويقفون إلى جانب شعبها المكلوم مُواسين، ومُؤكّدين في الوقت نفسه، وإن تأخّروا، على روابط الدّم والعِرق والعقيدة بل والإنسانيّة أيضًا.
إنه زلزال، رغم الكوارث التي جاء بها، ونحن نتحدّث هُنا عن شقّه السوريّ فقط، يُؤسّس لنقطة تحوّل مصيريّة في المنطقة العربيّة، ويقرع الجرس لإيقاظ المُضلّلين المخدوعين بالأكاذيب الأمريكيّة والإسرائيليّة وربّما يُعيدهم إلى الطّريق الصّواب، وقيم العُروبة والإسلام الصّادقة، وإن لم يعودوا فهُم الخاسرون، وستُحاسبهم شُعوبهم حسابًا عسيرًا.
ها هي الطائرات العربيّة تعود إلى المطارات السوريّة، وها هو لبنان الذي قطع صلة الرّحم بالحاضنة السوريّة الأُم، يتحدّى أمريكا وقانون قيصرها، ويفتح كُل موانئه ومطاره لاستقبال المُساعدات الإنسانيّة، ويُرسل فريقًا للإنقاذ، ولو رمزيًّا، إلى دِمشق عاصمة العُروبة مُتضامنًا، ومُشاركًا، في عمليّات الإنقاذ جنبًا إلى جنبٍ مع كُل أشقائه الآخرين.
لا نقول في هذه العُجالة “العاطفيّة” أن سورية عادت إلى العرب، والأصح أن بعض العرب هُم الذين عادوا إلى سورية الكرامة وعزّة النفس، والترفّع عن الأحقاد، والتشبّت بمبادئ العُروبة، والوقوف في خندق المُقاومة في مُواجهة عدوّ عُنصري مُتغطرس، ورفض التّطبيع بكُل أشكاله.
شُكرًا لكُلّ الأشقّاء العرب والمُسلمين قادة وشُعوب الذين وقفوا مع الأشقّاء في سورية، وداسوا بعجلات طائراتهم الطّاهرة المُباركة على قانون “قيصر” التي حملت الخير والمُواساة إلى المُحاصرين المُجوّعين.
نُجدّد شُكرنا للجزائر، ولمِصر، وللعِراق، ولبنان والأردن، وسلطنة عُمان، والسعوديّة، والكويت، والإمارات، وتونس، ولا ننسى إيران وروسيا ولكُلّ حُكومة عربيّة تعود إلى رُشدها، وتنضم إلى هذه الخطوة الأخويّة الإنسانيّة المُشرّفة، وتقف إلى جانب الأشقّاء المكلومين في سورية.
نحن كعرب على أبوابِ فجرٍ جديد، بدأت بشائره في الأراضي المُحتلّة، وها هي تتعزّز وحدةً وتضامنًا وعودةً للوعي على أرضِ الكارثة السوريّة، وقد يأتي الخيْر من باطِنِ الشّر.. والأيّام بيننا.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية