كتب

‘عودة أدولف هتلر’ تستشرف الحرب العالمية الثالثة

‘عودة أدولف هتلر’ تستشرف الحرب العالمية الثالثة… يعدّ النّص السّردي نصا ثقافيا مفتوحا، توحي بنياته الدّاخليّة بمجموع المُفارقات  التي يحملها أو يمكن أن يُشير إليها ضمنيا في ثناياه، ومن خلاله يستوعب القارئ تفاصيل الحياة وتحولاتها المستمرة اللامتناهيّة.

ولأنّ السّرد يقوم في أساسه على حدي ثنائية (الزّمان/المكان) فإنّ الكاتب يقف عليها مستهدفا أهميّتها، فنرى –على سبيل المثال- اللجوء إلى تقنيّة فنيّة هي الاسترجاع (فلاش باك)، وهو “مصطلح روائي حديث يعني الرّجوع بالذّاكرة إلى الوراء البعيد أو القريب… والاسترجاع في بنية السرد الروائي الحديث، تقنية زمنية تعني؛ أن يتوقف الرّوائي عن متابعة الأحداث الواقعة الحاضرة في السّرد ليعود إلى الوراء، مسترجعا ذكريات الأحداث والشّخصيات الواقعة قبل أو بعد الرّواية”(آمنة يوسف)؛ فالهدف من هذه التّقنيّة الفنيّة  استدعاء أحداث ماضيّة من أجل خلق فجوة جمالية في ذهن القارئ، ويُقابل هذا المصطلح مصطلح الاستشراف، وهو “قفزة فوق المسلمات السّائدة، قفزة تكشفها رؤيا الأديب، الفنان وترصدها قبل وقوعها لتكسب ضوءا فوق جسد الأحداث والتّحولات” (عبد الرحمان العكيمي)، وبالتّالي فإنّ التّوقع فعل مرتبط بالمستقبل.

تُمثل المجموعة القصصيّة “عودة أدولف هتلر”للكاتبة الجزائريّة هبة بن عياش والمُتضمنة على مجموعة من القصص الخيالية المختلفة، استشرافا لوقائع عام (2022)، وعلى وجه الخصوص قصتها “عودة أدولف هتلر”، التي تنبأت فيها بحرب عالمية ثالثة يخوضها هتلر، بالتّعاون مع الولايات المتحدة الأميركية.

دلالات السّرد الاستشرافي:

قامت الكاتبة هبة بن عياش بتصوير أحداث الحرب العالميّة الثّالثة (الصراع بين القطبين الرأسمالي والاشتراكي بصيغة حديثة)، ويتجلى ذلك في قولها: “رويدا رويدا بدأ بتنفيذ خطّته لتنشب حرب قائمة بين الصّين وأميركا، معلنا دعمه لأميركا، في حين وقفت روسيا مع الصّين، إضافة إلى تضامن عدّة دول قويّة معهما لتشكّل حلفا هدفه القضاء على هتلر قبل خطوته الأخيرة “السّيطرة على العالم”. (هبة بن عياش، عودة أدولف هتلر وقصص أخرى)

ولأنّ لغة السّرد المستشرفة هي جزء من كل (لغة السّرد عموما)، فيمكن أن نميّز فيها بين مستويين، المستوى المباشر، والمستوى غير المباشر.

السّرد المباشر: وهو السّرد الذي تكون لغته مُباشرة؛ أي غير مجازية، قائمة على كشف أبعاد النّص، كما يستخدمه السّارد للتّعبير عن استشرافه ورؤاه المستقبليّة، فاللغة هنا تؤدي دورا إخباريا، فهي “لغة تنحو إلى الشّفافيّة… وتعبّر عن محمولاتها بوضوح ويسر” (عبد الرحيم حمدان)، من مثل قولها: “دامت الحرب ست سنوات (6) وخسر هتلر بسبب مكيدة دبّرتها روسيا، ليتم بعدها قتله ودفنه في ألمانيا” (هبة بن عياش)، وفي هذه اللغة السّردية المباشرة تستشرف الكاتبة فوز روسيا بعد توقيفها للزّحف الأوروبي (هتلر)، وذلك بعد مدة من الزّمن قدرتها بست سنوات.

إنّ استخدام اللغة الإخبارية المُباشرة الخالية من المجاز، هو ما يدفع القارئ إلى التّصديق بما تمّ البوح به من طرف الكاتب، وانتظار تجسّدها على أرض الواقع.

السّرد غير المباشر: وهي اللغة الرّمزية التي تعمل على تقديم اللغة المباشرة (اللغة الاستشرافيّة)، حيث يتمّ انتقاء الألفاظ وجودتها، كما أنّها “لغة يميل بها السّارد إلى الاكتناز والامتلاء” (محمد سالم محمد الأمين الطلبة)، وهو ما لجأت إليه الكاتبة من خلال تدجين الواقع بالأسطورة، وفي ذلك تقول: “في الحقيقة أنّ التّعويذة السّحريّة تمركزت وسط العالم، وهو ما دفع هتلر لجمع عدد من السّحرة النّخبة، محاولا العبث في قانونها الدّاخلي ليجعله قادرا على إحيائه بعد سنة واحدة من مماته، غير أنه تسبب في وضع قاعدة جديدة تمنع بعثه من جديد إلاّ إذا تخلّص من جميع السّحرة” (هبة بن عياش)، والمتأمل في هذا المقطع السّردي يرى مجموعة من الصّور المليئة بالرّموز، والتي يسعى القارئ إلى تفكيكها، للوصول إلى دلالاتها الاستشرافيّة.

إنّ شخصية “هتلر” وعلى بساطة طرحها جسّدت بوادر الحرب بين المعسكرين، حيث عكست التّوترات الحاصلة ومآلاتها، وتبعا لذلك فتحت الكاتبة بابا من التّساؤلات أمام القارئ، قد تُجيب عنها الأحداث القادمة في العالم.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى