وسّع جيش العدو من عملياته البرية في مناطق شمال وادي غزة، إذ شرع، مساء السبت، في حملة جوية طاولت المناطق الشرقية من مخيم جباليا، قبل أن تبدأ وسائط المدفعية دكّ مناطق واسعة من المخيم وأحياء الطوق المحيطة به بالمئات من القذائف.
وفي ساعات ليل السبت – الأحد، تقدّمت الدبابات وناقلات الجند من السياج الفاصل شرق جباليا، في اتجاه أحياء زمو والسلام في محيط منطقة القرم شرقي المخيم، ومنه توغّلت إلى الأطراف الشرقية، قبل أن تتمركز في حي الصالحين ومنطقة صالة مزايا على بعد قرابة 900 متر هوائي من مركز المخيم.
وجاءت العملية البرية التي مهّد لها العدو طوال يوم كامل، عبر مطالبة كلّ سكان مدينة ومخيم جباليا وعشرات الأحياء المحيطة به، شرقاً وغرباً وشمالاً، بالإخلاء إلى مناطق شمال غرب القطاع، للقضاء على كتيبتي «القسام» اللتين أعادتا بناء نفسيهما هناك، وفقاً لبيان جيش الاحتلال.
وفي مقابل الضغط الإسرائيلي الذي تسبّب بحركة نزوح واسعة، مضت الساعات الأولى، وخصوصاً في خضمّ مرحلة الأحزمة النارية، من دون ردود مقابلة من المقاومة.
وبعد بضع ساعات، انقلب المشهد تماماً، إذ أعلنت «كتائب القسام»، في خلال ساعات نهار أمس، عن سلسلة من العمليات، بدأت بتفجير دبابتين في محيط «مسجد الصالحين» شرق جباليا بقذيفتي «ياسين 105»، قبل أن يُعلن مع ساعات الظهيرة عن تنفيذ كمين مركّب في المنطقة نفسها.
ووفقاً لبيان «القسام»، فقد تمكّن المقاومون من تفجير دبابة «ميركافا» بقذيفة مضادة للدروع من نوع «تاندوم»، ثم تفجير عبوة ردعية مضادة للأفراد، ما تسبب بوقوع جنود العدو بين قتيل وجريح. كذلك أعلنت «القسام» تنفيذ كمين آخر في محيط موقع الشهيد محمود المبحوح العسكري، حيث قام عناصر «الكتائب» بإطلاق قذيفة مضادة للأفراد تجاه تجمع لجنود الاحتلال، ما أجبر هؤلاء على الاحتماء في داخل أحد الأبنية التي جرى تفخيخها سلفاً، قبل أن يتم نسف المنزل على رؤوسهم.
ومع توالي بيانات المقاومة، تصاعدت الروح المعنوية في جباليا التي عاش الأهالي فيها ظروفاً إنسانية قاسية؛ إذ وصل عدد الدبابات والآليات التي استهدفتها المقاومة حتى مساء الأحد، إلى 9 آليات، قبل أن تقوم المقاومة بدكّ مستوطنات عسقلان وسديروت على دفعتين، من مناطق التوغل في شرق جباليا نفسها، ثم استهداف القوات المتوغلة بوابل من قذائف «الهاون».
وإلى جانب كل الزخم النوعي الذي حقّقته المقاومة في اليوم الأول من التوغل، والذي أجبر قوات الاحتلال على التراجع من محيط حي الصالحين إلى مناطق شرق الخط الشرقي، نفّذت «القسام» عملية نوعية أخرى، حملت دلالات على تماسك الهيكل التنظيمي التخصصي لوحدات المقاومة، حيث تمكّنت من إطلاق قذيفة من طائرة «درون» مُسيّرة تجاه إحدى دبابات العدو شرق المخيم.
أما «سرايا القدس»، فقد أعلنت أن مقاوميها أبلغوا عن تنفيذهم سلسلة من المهام القتالية بعد عودتهم من خطوط القتال. وقالت «السرايا» إن مجاهديها خاضوا اشتباكات بالأسلحة الرشاشة والقذائف المضادة للدروع مع جنود وآليات العدو شرق مخيم جباليا. أيضاً، أعلنت أن مقاوميها قصفوا تجمعاً لجنود العدو بقذائف «الهاون»، وذلك في محيط صالة مزايا والإدارة المدنية.
وعليه، فالنتيجة التي قدّمها المشهد الميداني في مخيم جباليا أمس، هي دحض رواية جيش الاحتلال عن تحويل مناطق شمال وادي غزة إلى مناطق رخوة انتزعت منها إرادة القتال، ودُمر فيها البناء الهيكلي لكتائب المقاومة.
وكان روّج العدو، طوال الأشهر الماضية، أن جيشه استطاع تدمير البنية التحتية لـ«كتائب القسام»، بعد تمكّنه من اغتيال قائد لواء الشمال أحمد الغندور، في نهاية العام الماضي. كما أشاع قادة العدو أن التوغل في شمال القطاع، سيشبه دخول أي بلدة من مدن وبلدات الضفة الغربية المحتلة، وقدّم العملية البرية في مخيم جباليا على أنها النموذج الناجح للعمل الميداني، الذي لا بد من استنساخ تجربته في محاور القتال كافة.
وعلى خط مواز، واصلت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة عمليات التصدي والمشاغلة في محور القتال في حي الزيتون، حيث أعلنت «القسام» استهداف آليات العدو بوابل من قذائف «الهاون»، فيما أعلنت «سرايا القدس» دكّ الآليات المتوغلة بوابل من قذائف «الهاون» النظامية الثقيلة، ما أجبر قوات العدو على التراجع من وسط الحي إلى أطرافه.
أما في مدينة رفح، جنوبي القطاع، حيث لا تزال العملية البرية تراوح في نقاط التقدم الأولى، فقد نفّذت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة سلسلة من المهام الميدانية، فيما كانت لقذائف «الهاون» والصواريخ التكتيكية القصيرة المدى، خلال نهار أمس، الكلمة العليا، إذ أعلنت «سرايا القدس» استهداف القوات المتوغلة في منطقة أم رائد شرق رفح بوابل من قذائف «الهاون» من العيار الثقيل.
ثم أعلنت «السرايا»، مجدداً، تنفيذ عملية استحكام مدفعي بالمشاركة مع «القسام»، دكّت فيها قوات العدو في المنطقة نفسها بالعشرات من قذائف «الهاون». وفي المحصّلة، نفّذت كل من «القسام» و«السرايا»، أمس، نحو 7 عمليات استهداف بالقذائف والصواريخ القصيرة المدى من «طراز 107»، كان أبرزها، استهداف الأولى جنود العدو في معبر رفح البري بقذائف «الهاون» الثقيلة.
وعلى وقع المستجدات الميدانية في مخيم جباليا وحي الزيتون، وبعد نهارٍ قاسٍ اعترف فيه جيش الاحتلال بإصابة 50 جندياً، سادت أجواء الخيبة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث مثّل اجتياح مخيم جباليا وهو الثاني من نوعه، وحي الزيتون للمرة الثالثة، بالون الاختبار الذي كشف عن فشل الخطة القتالية في تحقيق أي من الأهداف.
ومن جهته، علّق رئيس الأركان السابق، دان حالوتس، على الخط الذي تسير فيه الحرب، قائلاً إن «الجنود يتساقطون سدى في حرب غزة والشمال، لأنه لا يوجد أي هدف من هذه العملية، حتى لو دمّرنا غزة عن بكرة أبيها فلن نحصل على صورة النصر». وأضاف أن «الصورة الوحيدة التي ستحفر في تاريخنا هي الخسارة في السابع من أكتوبر. كما يجب أن نعمل على إطلاق سراح 132 أسيراً مهما كان الثمن باهظاً كما تطلب حماس منا».
صحيفة الأخبار اللبنانية