عودة الحياة تدريجيا إلى الموصل رغم بطء جهود الاعمار
تشهد مدينة الموصل شمال العراق عمليات أعمار مستمرة منذ استعادتها من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية قبل سنوات لكن السكان يشكون من بطء هذه الجهود ويسعون لتجاوز مرحلة عصيبة من حياتهم رغم ضعف الامكانيات.
ووجد العراقي غزوان تركي بعض الاستقرار بعدما استأجر منزلاً في الموصل في شمال العراق بعد سنوات تنقّل فيها بين مخيمات النازحين، ، لكن تردّي الخدمات العامة وتراكم الصعوبات الاقتصادية تجعل من يوميات هذا الرجل الأربعيني وأولاده الاثني عشر، قاسية.
وبعد خمس سنوات على إعلان العراق انتصاره على تنظيم الدولة الاسلامية، لا تزال الموصل التي اعتبرت بمثابة “عاصمة” التنظيم حينذاك تشهد عملية إعادة إعمار بطيئة على الرغم من أن العديد من سكانها البالغ عددهم 1,5 مليون نسمة يعيشون ظروفا صعبة.
هنا، يقوم عمال بتركيب قضبان حديدية لتدعيم أساسات جسر جديد. وهناك، مطاعم ومقاه فتحت أبوابها، في حين أن مستشفيات عامة لا تزال مدمرة، وبعض المباني تحمل حتى الآن ندوب الحرب، إذ لا تزال مدمّرة أو آثار الرصاص باقية على جدرانها، شاهدة على معارك دامية في المدينة وضربات جوية أتاحت للقوات العراقية استعادة الموصل في العام 2017 بدعم من تحالف دولي.
ويقرّ تركي بوجود “تحسّن عمراني” في الموصل، لكنه يطالب مع ذلك “بفرص عمل وسبل عيش” للعائلات التي لا تملك دخلاً.
ويعمل تركي الذي كان مزارعاً، سائق تاكسي، ويمارس أعمالاً أخرى صغيرة لتأمين قوته وقوت عائلته. لكن ما يجنيه من ذلك لا يكفي، فيما بلغ معدّل الفقر في محافظة نينوى التي مركزها مدينة الموصل، 40%، وتطال البطالة فيها واحداً من ثلاثة أشخاص.
ويقول تركي الذي لفّ رأسه بالكوفية التقليدية “أحياناً أستدين مبالغ لتوفير جزء من احتياجات العائلة”.
واستقرّ تركي المتحدّر من قرية ربيعة، في ضواحي الموصل في العام 2020، متقاسماً مع شقيقه منزلاً من طابق أرضي وحيد.
ويشكو الرجل من “الاكتظاظ بالمدارس، الصفوف مكتظة بالطلاب، 60 أو 70 طالباً في الصف”.
وتتحدّث نور طاهر، المتحدّثة باسم منظمة المجلس النروجي للاجئين غير الحكومية التي قدّمت الدعم لمئة ألف شخص هذا العام في الموصل، “ارتفاعاً في نسبة البطالة” في المنطقة، وتسرّبأ مدرسيا كبيرا، وفرصا اقتصادية محدودة”.
وتضيف طاهر أنه في حين أن “إعادة الإعمار متواصلة في الموصل، من مدارس ومستشفيات وطرق يجري ترميمها”، “نسمع باستمرار أن هناك صعوبات بالوصول إلى خدمات ذات نوعية جيدة وبشكل ثابت”.
وتضيف أن ثلاث مشكلات تبقى حديث الناس وهي “المدارس التي تعاني من نقص في الموارد، المدرّسون الغارقون بالعمل، ونقص الوظائف”.
وأعلن العراق في 9 كانون الأول/ديسمبر 2017 انتصاره على تنظيم الدولة الاسلامية بعدما استعاد الأراضي التي سيطر عليها الجهاديون في العام 2014. وهزم التنظيم في سوريا المجاورة العام 2019. وحتى اليوم، يواجه البلدان تحدّيات هائلة في مجال إعادة الإعمار.
وفي الموصل، تعمل السلطات على عدد من “المشاريع الاستراتيجية” من أجل “تقديم الخدمة الأفضل للمواطن”، كما يؤكد قائم مقام الموصل أمين فنش المعماري.
لكن العملية بحاجة إلى المزيد من التمويل. ويقول المعماري “منذ نهاية 2020، كانت محافظة نينوى الأولى في إنجاز المدارس في العراق، فقد أنجزنا أكثر من 350 مدرسة”. مع ذلك، تحتاج المدينة ألف مدرسة إضافية من أجل “فك الاختناق” في القطاع التعليمي، وفق المعماري.
ويشير كذلك إلى وجود “نقص كبير في الجانب الصحي”، ما “يتطلب خططا مستقبلية لإنشاء مستشفيات متعددة”، متحدثاً في الوقت نفسه عن الحاجة إلى تطوير “البنية التحتية الصحية ذات الاختصاص الدقيق مثلا جراحة القلب المفتوح وأمراض السرطان”.
وفي المدينة القديمة في الموصل التي دمّرتها المعارك، وعلى بعد أمتار من مسجد النوري الأثري الذي يجري العمل على ترميمه، شارك بندر إسماعيل البالغ من العمر 26 عاما في تأسيس مقهى “بيتنا” الثقافي في تشرين الثاني/نوفمبر 2018.
ويقول اسماعيل “حاولنا أن نخلق روحاً في المنطقة عبر افتتاح هذا المقهى، لجذب السكان حتى يعودوا إلى منطقتهم”.
ويضيف “في البداية، كان العديد من الناس يستهزئون بالمشروع ويقولون من سوف يأتي إلى هنا؟…المنطقة كانت مدمّرة، لم يكن هناك سكان، ربما فقط عائلتان تسكنان المكان”، متحدثاً “عن ظروف اقتصادية صعبة بعد افتتاح المقهى”.
ورغم البدايات الصعبة، من حوله، يجلس اليوم زبائن يحتسون الشاي أو القهوة، وآخرون يدخنون النرجيلة. وزار مؤسسته التي تنظم كذلك حفلات موسيقية وفعاليات فنية، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العام 2021.
وفي الحي نفسه، فتحت مخابز ومطاعم أبوابها من جديد. ويقول اسماعيل “الوضع أكثر استقراراً وأمناً”.
ومع ذلك، فإن “الظروف الاقتصادية في الموصل لا تزال مزرية للعديد من العائلات”، كما حذّرت “لجنة الإنقاذ الدولية” في تقرير، مشيرةً إلى “ارتفاع مقلق” بنسبة عمالة الأطفال.
ولحظت اللجنة في دراسة استقصائية شملت 411 عائلة و265 طفلاً، أن “90% من مقدمي الرعاية أفادوا بوجود طفل أو أكثر منخرطين في مجال العمل”. في الأثناء، أفاد نحو “75% من الأطفال الذين شملهم الاستطلاع قيامهم بأعمال غير رسمية وخطيرة مثل جمع القمامة، وأعمال البناء اليومية، والخردة والنفايات”.