عودة العقوبات والانسحاب من الاتفاق النووي، ماذا بعد؟

 

لم تتعرّض دولة خلال العقود الماضية إلى عقوبات منظّمة ومن أطرافٍ متعدّدة في المجتمع الدولي وبأدواتٍ مختلفة، كما تعرّضت إيران. وهذا التاريخ المُثقل بالعقوبات والحصار، يدفع بنا إلى الاستفسار: ماذا يعني أن تنسحب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي؟ وماذا يعني استمرار العقوبات أو إعادة تفعيلها بشكل جزئي أو كلّي مقارنة بما مرت به إيران على مدار ثلاثة عقود؟

يمكن تقسيم العقوبات التي تعرّضت لها إيران تاريخياً اعتماداً على أكثر من وحدة قياس، فيمكن تصنيفها حسب الجهة التي أصدرتها (الولايات المتحدة الأميركية، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي)، أو حسب الحجّة التي تبنّتها الجهة التي أصدرت العقوبات (البرنامج النووي، “دعم الإرهاب”، “حقوق الإنسان”، أسلحة الدمار الشامل، إلخ)، أو من ناحية حجم المشاركة الدولية في تنفيذ العقوبات المفروضة على إيران.

العقوبات الأميركية

بعد وصول الثورة الإسلامية إلى السلطة، أعلن الرئيس السابق جيمي كارتر عن تجميد الأصول الإيرانية في أميركا قائلاً “إن الأوضاع في إيران تعرِّض الولايات المتحدة الأميركية لتهديد استثنائي في أمنها القومي”. وبعد وصول الرئيس رونالد ريغان إلى البيت الأبيض، كان أول من أدرج إيران في “محور الشر”، بعد العملية التي نفّذها حزب الله ضد قوات المارينز عام 1983م.

منذ عام 1979م، وحتى لحظة توقيع الاتفاق النووي، أصدرت الولايات المتحدة الأميركية، أكثر من 30 تشريعاً وقراراً تنفيذياً ضد إيران، ومنها:

قرار 12170 الصادر مباشرة بعد حادثة الرهائن والذي قضى بالحجز على جميع الأصول الإيرانية في أميركا والتي بلغت 12 مليار دولار.

قرار 12205 عام 1980م القاضي بمنع التبادل التجاري مع إيران، باستثناء الأدوية، ومنع منح القروض للدولة الإيرانية (تم العدول عن هذا القرار بعد اتفاق الجزائر بين إيران وأميركا).

قرار 12211 الصادر عام 1980م بمنع استيراد البضائع الإيرانية، وعدم تسهيل سفر الأفراد إلى إيران.

قرار 12613، الذي أصدره رونالد ريغان، مانعاً استيراد المنتجات الإيرانية بما فيها النفط، لم يشمل القرار استيراده عبر وسيط.

قرار 12957، الصادر عام 1995م، الذي أصدره بيل كلينتون، بعد اتفاق شركة كونوكو على تطوير قطاع النفط في إيران، ويقضي القرار بمنع الاستثمار في قطاع النفط الإيراني.

قرار 12959 الصادر عام 1995م ليوسّع قرارات صادرة سابقاً، بحجب الصادرات والواردات والاستثمار في إيران.

قرار 13059 الصادر عام 1997م، الذي استهدف منع التصدير إلى أية جهة يمكن أن تمرّر البضائع إلى إيران.

قرار 13622 الصادر عام 2012م الذي يشدّد العقوبات على الجهات التي تتعامل مع الشركة الوطنية للنفط في إيران، أو شركة نفط إيران التجارية، ويجري فرض عقوبات على هذه الجهات بموجب قرار سابق متعلق بدعم حرية إيران (ISA).

قرار 13645 عام 2013م القاضي بمنع دعم قطاع صناعة السيارات في إيران.

تشريع متعلق بإيران والعراق معاً لحظر انتشار الأسلحة النووية. أصدره جورج بوش الأب عام 1992م. يقضي القرار بمنع إيصال أي نوع من البضائع أو المواد التي تنفع إيران أو العراق في الحصول على أسلحة بيولوجية أو كيماوية.

تشريع متعلق بإيران وليبيا عام 1996م، أصدره بيل كلينتون، ويستهدف قطاعات الطاقة في كل من ليبيا وإيران، والذي يمنع أن تستثمر الشركات بما يزيد عن 20 مليون سنوياً في قطاعات الطاقة في أي من البلدين. تم إسقاط العقوبة عن ليبيا عام 2006م، وتم تعديل إسم القرار للتعبير عن شموله إيران فقط.

تشريع صادر عام 2000م، أصدره أيضاً بيل كلينتون، وقد شدّد القرار على منع وصول البضائع أو الخدمات التي تساعد الإيرانيين على بناء أسلحة بيولوجية أو بالستية، وقد شمل التشريع لاحقاً سوريا وكوريا الشمالية. تم تأكيد هذا التشريع عبر تشريع آخر عام 2006م، أصدره بوش الإبن، ولكن تحت بند آخر (دعم حرية إيران ISA)، وقد شدّد القرار العقوبات على الشركات والأفراد الذين يتعاملون مع إيران، ومنها: حجب عمليات الاستيراد والتصدير عن الأفراد والشركات الذين تعاملوا تجارياً مع إيران، منعهم من الضمانات ، والتأمينات، وسحب تراخيص بيع الأسلحة، منع القروض التي تزيد عن 10 ملايين دولار عن تلك الجهات، ومنعها من التبادل بالعملة الصعبة، ومنعها من إجراء حوالات مالية بين المؤسّسات التي تتبع قانون الولايات المتحدة.

البرنامج الشامل للمساءلة ومنع الاستثمار CISADA، والذي أطلقه باراك أوباما عام 2010م، واستهدف التشريع قطاعي الطاقة والمالية عبر قرارات تعاقب الشركات على بيع ما يزيد عن مليون دولار سنوياً من الغاز أو تكنولوجيا تسهل استيراده، وفي عام 2011م أصدر أوباما قراراً إضافياً يفرض عقوبات على جميع البنوك التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني. وفي عام 2012م أصدرت إدارة أوباما قراراً مفصّلاً يؤكّد فرض عقوبات على جميع الشركات التي تسهّل نقل البترول الإيراني، أو تسهّل بأيّ شكل من الأشكال حفاظ إيران على عافية قطاع النفط فيها (ومن ذلك قطع الغيار أو الصيانة أو التكنولوجيا الجديدة أو الخدمات). كما أن الأرباح المتأتية بسبب النفط الإيراني، سيتم الحجز عليها.

عقوبات الأمم المتحدة

قرارا ، 1737 و 1696 عام 2006م المؤيدان للقرار الأميركي بمنع تصدير التكنولوجيا والخدمات التي تسهل امتلاك الصواريخ البالستية والأسلحة النووية.

قرار 1747 عام 2007م ليشمل المواد اللازمة لجميع الأسلحة وتوسيع قاعدة العقوبات على المتعاملين.

قرار 1803 عام 2008م بمنع السفر على المتعاملين مع إيران بخصوص برنامجها النووي.

قرار 1929 عام 2010م بمنع الاستثمار الإيراني في أية مشروعات نووية في الخارج، وإجراءات تتبع الواردات والصادرات الإيرانية في حال احتوت على منتجات متعلقة بتطوير البرامج الإيرانية.

عقوبات الاتحاد الأوروبي

قرار 2007/140/CFSP عام 2007م القاضي بمنع تصدير أية خدمات او تكنولوجيا تساعد البرنامج النووي الإيراني، والحجز على أموال الأفراد والشركات التي تساعد في ذلك.

قرار 2010/ 413/ CFSP  عام 2010م القاضي بحجب الصادرات اللازمة لتطوير السلاح، والتكنولوجيا الأساسية لقطاع النفط، وتوسيع قاعدة العقوبات على المتعاملين.

قرار 2012/35/CFSP عام 2012م القاضي بحجب جميع الواردات النفطية والمنتجات البتروكياوية من إيران، وحجب التأمينات اللازمة لهذا الشكل من التجارة، ومنع تصدير التكنولوجيا اللازمة للصناعات البتروكيماوية.

قرار 2012/152/SFSP القاضي بمنع حوالات SWIFT عن عدد من البنوك الإيرانية (البنك المركزي، بنك الصادرات، التجارة، مسكن، فارس، و بنوك أخرى)

قرار 2012/635/CFSP القاضي بمنع استيراد الغاز من إيران. وحجب تكنولوجيا الشحن عن إيران.

ماذا قدّم الاتفاق النووي الإيراني JCPOA

مقابل ضمان سلمية البرنامج النووي الإيراني، وتقييد عمليات البحث والتطوير للبرنامج النووي ككل، ترفع عن إيران عقوبات الأمم المتحدة، وعقوبات الاتحاد الأوروبي، ويتم وقف تنفيذ العقوبات الأميركية، وتجري مراجعتها بالتزامن مع تقدّم أداء إيران لمهماتها في حصر البرنامج النووي الإيراني، ومن ذلك رفع الحظر عن التبادلات التجارية والمالية بين المؤسّسات والأفراد الإيرانيين والأوروبيين، ورفع الحظر عن النشاطات البنكية، ورفع الحظر عن إصدار التأمينات على الشحن والتبادل، وفك حجب SWIFT، ومنح القروض لإيران، واستيراد النفط الإيراني، وفك الحجب عن تصدير التكنولوجيا اللازمة لتطوير قطاع الطاقة في إيران، وتصميم ناقلات الشحن وتنكات النفط، وفتح المطارات الأوروبية للشحنات الإيرانية.

استنتاجات متعلّقة بالانسحاب من الاتفاق

العديد من التشريعات الأميركية التي صدرت ضد إيران، كانت حتى من ناحية المسمّى تمسّ العرب في حزمة واحدة مع الإيرانيين، كالعراق وسوريا وليبيا، التي عوقبت جميعاً بسبب برامجها الهادفة إلى الخروج من حيّز التبعية للسياسة الأميركية، وفي ذلك إشارة رمزية إلى ما يجب على العرب فعله سياسياً مع إيران، بدلاً من اللحاق بدعاية الغرب لتشكيل حلف ضد إيران.

سجّل الاتفاق النووي الإيراني انتصاراً دبلوماسياً إيرانياً، فالعقوبات التي يتم رفعها عن إيران بموجب الاتفاق النووي، لا يحق لأي طرف إعادتها بحجة أخرى (“حقوق الإنسان”، مشروع المقاومة ضد المحتل بما يسمّى “دعم الإرهاب”، إلخ). وجدت إدارة ترامب نفسها ملزمة باتفاق، واجبات الإيرانيين فيه ممكنة، من دون التعرّض لدورها في دعم المقاومة، ما أدّى إلى خروجها منه بطريقة أثارت اعتراض الأطراف الدولية المختلفة، حتى الأوروبية والتركية.

بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، انفتحت شهيّة المستثمرين والتجار على التبادل، ما نشّط حركة العملة الصعبة في إيران، وكان العدول عنه بمثابة صدمة مالية للاقتصاد، سبّب تراجع وخوف المستثمرين والتجار بقدر مكافئ لحماستهم الأولى، وهذا يترك أثره بالضرورة على سعر صرف العملة المحلية، ولكن مداه يقصر كلما كان الاقتصاد الداخلي منتجاً أكثر،وهذا ما ينطبق على الحال الإيرانية.

إن الاقتصادات الأكثر عرضة لآثار العقوبات هي الاقتصادات القائمة بالكامل على الاستثمارات الخارجية، صحيح أن العقوبات أرهقت إيران بسبب شحّ بعض المدخلات اللازمة للقطاعات الاقتصادية، ولكن العقوبات حوّلت إيران إلى منظومة منتجة، وتتجنّب الاعتماد الكامل على ما تقدّمه منظومة العولمة الاقتصادية. لم تتعرّض إيران إلى هزات صاخبة على شاكلة ما جرى مع النمور الآسيوية سابقاً، ولا حتى ما جرى مؤخراً في تركيا المعتمدة على الاستثمار الخارجي في الشق الأكبر من اقتصادها.

مع سلسلة العقوبات الواردة أعلاه، والتي تعرّضت إليها إيران على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، يصبح الحديث عن فرض عقوبات جديدة على إيران غير دقيق، فبعد الجداول المتخمة بالعقوبات، تمكنت إيران من الحفاظ على قطاع الطاقة،وتمكنت من بيع نفطها – وإن بنسب منخفضة مقارنة برفع العقوبات عنها – ، وتمكّنت من تطوير سلاحها وجيشها بما يكفي لأن تمنع المخطّطات الأميركية في سوريا. إن ما يجري اليوم في إيران هو الأثر قصير المدى من التبادل والعودة عنه، وما يلحق به لا يمكن أن يكون أسوأ مما كان. أقصى الخيارات الحالمة التي يمكن أن يصلها الأميركي مع إيران هي العودة إلى ما قبل الاتفاق النووي، وهو الأمر الاعتيادي عند الإيرانيين مع وجود جيش مسلّح وقوي، واقتصاد داخلي نشط، وقنوات بديلة للتبادل لا بد من أن تتّسع أكثر بعد طريقة الانسحاب الكاريكاتورية، التي أدّتها إدارة ترامب.

بعد تاريخ طويل من العقوبات والانسحاب من الاتفاق، ليس هنالك من خيارت أمام الأميركيين إلا الجلوس على طاولة المفاوضات مجدّداً، فهذا ما تفرضه العلاقات الدولية الجديدة، وموزاين القوى الجديدة، والتجربة الشرسة للإيرانيين في الصمود أمام موجات العقوبات.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى