غزّة تحذَر التفاؤل: العدوّ يفاوض بالقتل والتهجير

لم تتطابق حالة التفاؤل التي رُوّج لها بقرب التوصّل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، مع واقع الميدان في قطاع غزة، حيث صعّد جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوم أمس، من وتيرة غاراته الجوية والمدفعية، مستهدفاً المناطق الشرقية لمدينتَي غزة وخانيونس، بالتزامن مع توسيع رقعة التهجير القسري لتشمل أحياء واسعة في مختلف أنحاء القطاع.
وأصدر جيش العدو أوامر إخلاء لسكان الأحياء الشرقية لمدينة غزة، بما فيها المناطق الغربية من حي الشجاعية، والجديدة، والتركمان، والزيتون الشرقي، والنور، والتفاح، مطالباً السكان بالتوجه إلى المناطق الغربية من المدينة.
في المقابل، أُجبر سكان أحياء خزاعة وعبسان الكبيرة والجديدة شرق مدينة خانيونس، على النزوح في اتجاه الغرب. وقد تزامنت هذه الأوامر مع قصف مكثّف استهدف مناطق محور موراج، الذي يعمل الاحتلال على جعله منطقة عازلة تفصل مدينة رفح عن باقي القطاع، حيث أفادت إذاعة جيش الاحتلال، مساء أمس، بأن الجيش استكمل السيطرة على المحور الجديد، وبات يطبق حصاراً مُحكماً على رفح من الجهات الأربع، من خلال قوات «الفرقة 36» و«لواء غولاني» و«اللواء 188»، في سياق إنشاء ممرّ جديد يُضاف إلى المنطقة العازلة.
يحمل المساء أخباراً عن قرب التهدئة، لكنّ الصباح يأتي محمّلاً بأوامر الإخلاء الجديد
المشاهد التي رافقت أوامر النزوح، أعادت إلى الأذهان مشاهد الأيام الأولى للحرب. فقد خرج آلاف المدنيين من منازلهم وخيامهم في ساعات الصباح الأولى، تحت القصف، وتهديد المجازر. «هذا النزوح رقم 17، والله الموت أهون من هيك حياة»، يقول أبو محمد علاو، أثناء خروجه من حي التفاح حاملاً ثلاث حقائب ثقيلة على كتفه.
ويتابع، في حديثه إلى «الأخبار»: «ما عنّا خيار غير الشارع. قضينا شهرين نعيد استصلاح غرفة وحدة في بيتنا المدمّر، ولمّا شعرنا بنوع من الاستقرار، هجّرونا من جديد».
وفي جنوب القطاع، لم تكن الصورة أقلّ قسوة، إذ نزح الآلاف من أحياء خانيونس الشرقية في اتجاه منطقة المواصي، التي يصنّفها الاحتلال بأنها «مناطق إنسانية»، في حين أنها تتعرّض يومياً لقصف من الطائرات المروحية على خيام النازحين.
وتُغلّف إسرائيل عمليات التهجير القسري، بنيّة توسيع عملياتها العسكرية بهدف «القضاء على البنية التحتية لفصائل المقاومة»، على رغم أن تلك المناطق تعرّضت، منذ بدء الحرب، لـ18 عملية توغّل برّي واسعة، شملت أحياء الشجاعية والزيتون، وجرى خلالها تدمير آلاف المنازل والبنية التحتية.
وتُظهر خريطة الجهد العملياتي الحالي، تركيز الاحتلال على الأحياء الشرقية المحاذية للشريط الحدودي، وهي المناطق التي يزعم العدو بأنها شكّلت نقطة الانطلاق لعملية «طوفان الأقصى»، وقد حوّل نحو 40% منها إلى أرضٍ جرداء.
ومع الحديث عن أن إسرائيل قدّمت ردّها على المقترح المصري – الأميركي، وأبدت «مرونة» في ما يخصّ عدد الأسرى الذين يمكن الإفراج عنهم، كما استعدادها لجهة نشر قواتها في المناطق التي كانت فيها قبل التصعيد الحالي، نقل المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، رسالة إلى حركة «حماس» تتضمّن تعهداً بدخول إسرائيل في مفاوضات جادّة لإنهاء الحرب، في حال تنفيذ الصفقة.
وتبدو هذه الأنباء، التي تسري في المساء بين الأهالي في غزة، مثل «القشّة التي يتعلّق بها الغريق»، وسرعان ما تتبخّر مع أول ضوء في الصباح، حين يبدأ يوم جديد من التهجير والمجازر.
فقد سُجّل، استشهاد 21 مواطناً، بينهم عشرة ارتقوا في مجزرة طاولت منزل عائلة الفرا في خانيونس، وخمسة آخرون في قصف استهدف تجمعاً للمدنيين في حي الشجاعية، فيما لا تزال حصيلة الضحايا النهائية مفتوحة على المزيد.
صحيفة الاخبار اللبنانية