فؤاد شهاب.. ذلك المجهول!

بعد مضي أكثر من أربعين عاماً على وفاة اللواء الأمير فؤاد عبدالله شهاب، يحق لنا أن نتساءل في هذه الأجواء الضاغطة (استغرق انتخاب رئيس جديد للجمهورية أكثر من سنتين ونصف سنة)، ماذا بقي من فؤاد شهاب وعهده؟ هذا السؤال لا بد أن تقدمه أسئلة أخرى. لماذا كان عهد فؤاد شهاب عهد الاستقرار الوحيد الذي شهده لبنان منذ ولادته حتى الآن؟ ولماذا كان فؤاد شهاب الرئيس اللبناني الوحيد الذي أراد بناء دولة حديثة في بلاده؟ وهل نجح في القيام بهذا الدور؟ أم أنه كان رئيساً من جملة الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاسة الجمهورية، منذ أصبح لبنان كياناً ودولة؟
والشهابية أو النهج الشهابي، هل كانت فرصة تاريخية فريدة ضاعت على اللبنانيين؟ أم انها كانت مرحلة سياسية تميزت ببعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية ثم رحلت إلى غير رجعة؟
لم يترك فؤاد شهاب بعد وفاته حزباً سياسياً يتبنى أفكاره ويشرح مبادئه، كما فعل غيره من الرؤساء والقادة في بلدان العالم الثالث. حتى أنه لم يكتب مذكراته، وقد حفلت فترة رئاسته بالأحداث الجسام. كل الذي تركه بعد وفاته كان كثيراً من السياسيين والمفكرين، الذين يروون عنه أقواله وأفعاله وسيرته.
كان أعداؤه يقولون إنه كان إنساناً تنقصه الشجاعة، وإنه كان يشعر، وهو النزيه المترفع، بتفوقه على الزعماء والسياسيين الراكضين وراء مصالحهم ونزواتهم. أما محبوه فكانوا يقولون عنه، قبل كل شيء، إنه كان إنساناً يخاف الله، ويحترم الحياة البشرية ويكره العنف.
عرف فؤاد شهاب الفقر في صغره برغم انتمائه إلى عائلة أمراء. لذا كان يضع العدالة الاجتماعية وإنصاف الطبقات المحرومة في مقدمة اهتماماته. ولأنه كان يؤمن بأن العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن هما اللذان يحفظان وحدة الشعب اللبناني، ولأن شهاب كان يتصف بعقل تخطيطي سليم، فقد كان في قرارته كلها بعيداً عن الارتجال والعشوائية.
كانت غاية السياسة الاجتماعية للشهابية خلق مؤسسات مالية وإدارية واجتماعية، تشكل نواة الدولة الحديثة. وقد قال مراراً لباسم الجسر، كاتب سيرته، إن الغاية كانت «صهر الطوائف اللبنانية في بوتقة وطنية واحدة، من خلال تقوية ولائها للدولة، وتجاوزها للولاء الطائفي».
يقولون إن الظروف الحالية لا تشبه الظروف التي سادت زمن فؤاد شهاب. هم على حق. ولكن متى كانت للمثالية وللتحكم الصالح أوقات وزمن؟
أخيراً، يمكن القول إن عملية انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية ليست ديموقراطية. إنها مسألة تسويات ومقايضات بين زعماء الطوائف، الذين يستندون إلى تأييد إقليمي. لم يقدم أي مرشح للرئاسة برنامجاً سياسياً واجتماعياً، ينال عبره ثقة الشعب اللبناني، قبل أن يحوز أصوات النواب. فهل يكون انتخاب الجنرال عون رئيساً نهاية لآلام لبنان، أم بداية جديدة لها؟
صحيفة السفير اللبنانية