فتاة تكسر حاجز الصمت والخوف من المتحرش في ‘حظر نشر’
حظر نشر
من وحي حكايات ألف ليلة وليلة.. ينسج الروائي والسيناريست المصري هيثم دبور حكاية معاصرة بطلتها فتاة يتحرش بها وزير وتُقاد للذبح، لكن ليس بيد السياف مسرور كما جدتها شهرزاد، إنما على يد المجتمع والإعلام وأدعياء التدين.
رواية (حظر نشر) الصادرة في 294 صفحة من القطع المتوسط عن دار الشروق هي الثانية في مشوار دبور وتختلف كثيرا عن روايته السابقة (صليب موسى) الصادرة في 2020 والتي لفتت انتباه النقاد في معرض القاهرة الدولي للكتاب.
دبور (35 عاما) دخل عالم الأدب بعد كتابة عدد من الأفلام السينمائية حصدت جوائز مرموقة منها (فوتوكوبي) و(عيار ناري) ومؤخرا (وقفة رجالة) إضافة إلى أفلام قصيرة شاركت في مهرجانات دولية.
تبدأ (حظر نشر) في عصر شهرزاد وشهريار حيث يحاول المؤلف تقمص روح الأنثى الشهيرة التي استطاعت بذكائها وشجاعتها وقف إهدار دم بنات جنسها ويقدم تصوره الخاص لما دار بين الثنائي الشهير وكيف انتصرت الضحية على السياف.
ومن الزمن الماضي إلى العصر الحديث، ومن شهرزاد إلى ضحية أخرى، هذه المرة هي متحدثة إعلامية للوزارة المعنية بدور العبادة ورجال الدين والتي يتحرش بها الوزير جنسيا داخل مكتبه، وعندما تقرر فضح الأمر وكشف حقيقة الرجل الموقر يُشهر الجميع سيفه في وجهها وكأنها الجاني لا المجني عليها.
وخلال أربعة أيام فقط هي كل الفترة المتبقية على الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء، يخوض الوزير فتحي حسب النبي معركة شرسة لتبرئة ساحته والاحتفاظ بمقعده الحكومي مستخدما كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة فيما لا تملك الضحية منى شيحة دليلا أو شهودا على ما دار خلف الأبواب المغلقة داخل الوزارة سوى مرارة التجربة وصدق روايتها.
يزيد من تألم منى تردد خطيبها مازن في دعمها بالبداية عندما نشرت بيانا صحفيا فضحت فيه الوزير، لكن المصور الفوتوغرافي تدارك الأمر ودعم فتاته بحملة مصورة ضد التحرش لاقت انتشارا واسعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ولأن لكل معركة ضحاياها، يقع مازن في فخ نصبته إحدى وسائل الإعلام فيتحول بين يوم وليلة إلى متحرش هو الآخر في نظر المجتمع وينهار عمله الخاص وتسوء علاقته بخطيبته التي تجد نفسها بلا سند أو حليف.
ومع تزايد الضغوط على منى تُقرر نشر تجربتها بتفاصيلها بإحدى الصحف، لكن قبل الطباعة مباشرة يصدر أمر من النيابة بحظر النشر لتأخذ المعركة مسارا مختلفا.
وعلى الطرف الآخر تُزلزل القضية بيت الوزير وتشرخ علاقته بابنته الوحيدة الطالبة في السنة النهائية بالجامعة والتي كانت تتطلع لمستقبل أكاديمي واعد قبل تفجر قضية والدها.
وتنضم لقائمة الضحايا كريمة زوجة الوزير التي ساندته وصدقته في البداية قبل أن تتبدد في عينيها هالته القدسية وتكتشف بطريق الصدفة ما جرى بين رجلها والمتحدثة الإعلامية.
وبينما تدّل كل المؤشرات على انتصار الوزير في معركته لإسكات منى ولو على جثث أقرب الناس إليه، تلمع في ذهن المتحدثة الإعلامية السابقة فكرة لمواصلة قضتيها وتحقيق هدفها بإدانة الجاني دون الوقوع تحت طائلة القانون بسبب حظر النشر.
تدعو منى وسائل الإعلام إلى مؤتمر صحفي للدفاع عن خطيبها الذي تأكدت من براءته وتطلق نداء إلى كل فتاة تعرضت للتحرش أن تتشجع وتكسر حاجز الصمت لتفضح مرتكبي هذا الفعل وتسهم في إنقاذ الأخريات من نفس المصير.
ومثلما كان ذكاء شهرزاد في الماضي هو طوق نجاتها من السياف وإنقاذ بنات جنسها من شهوة شهريار وجنونه، تتحول مناشدة منى بالبوح وكشف المتحرشين إلى قارب نجاة لبنات اليوم.
وتقول في النهاية “في كثير من الأوقات أفكر.. كم فتاة قبل شهرزاد قُتلت ولم نعرف عنها شيئا: مائة.. مائتان.. ألف سيدة قُتلن لأنهن لم يملكن قدرة على البوح والحكي؟ انتهت حياتهن واختفين من التاريخ لأنهن لم يملكن جرأة الكلام”.