“فتاة قاروت” رائدة الرواية اليمنية في طبعة جديدة
يفتتح الروائي والباحث سامي الشاطبي تقدمته لرواية “فتاة قاروت” للكاتب اليمني الحضرمي أحمد عبدالله السقاف، موضحا الخلاف حول ريادة الكاتب والرواية، كاشفا عن استمرار الخلاف بين النقاد والدارسين اليمنيين حول أسبقية أول رواية يمنية حتى اللحظة، وموضحا أن هناك ثلاث فرق تختلف في الأمر، “بينما يرى فريق من النقاد والدارسين أمثال “هشام علي” و”آمنة يوسف” و”إبراهيم أبو طالب” ان رواية “سعيد” تعتبر أول رواية يمنية بحجة صدورها في اليمن، يرى الفريق الثاني كالباحث “عبدالحكيم باقيس” ان أول رواية شهدتها اليمن سبقت رواية “سعيد” بسنوات عدة، ففي العام 1931 صدرت رواية “الصبر والثبات” للكاتب اليمني المهاجر في إندونيسيا أحمد السقاف، من دون إشارات واضحة لرواية “فتاة قاروت” للمؤلف نفسه والتي صدرت عام 1927، ومن دون أي ذِكر لرواية “الغنّاء” والتي صدرت عام 1932، فيما رواية “سعيد” صدرت عام 1939. وينتهي الفريق الثالث كالدكتور نزار غانم إلى حل وسط يتمثل في أن رواية السقاف تُعدُّ من الأدب المهجري من دون أن يشرح للقُراء في أي خانة محلية تُصنَّف إذاً!.
وفي تقدمته التي جاءت بمثابة قراءة للرواية التي صدرت لها طبعة جديدة عن دار نشر عناوين، يضيف الشاطبي “دفعني هذا الخلاف الأدبي والنقدي إلى تجنُّب الانضمام لفريق مُعيَّن؛ لعدة أسباب منها: الأول: إن مسألة الكتابة في أرض المهجر عائدة إلى ما تعرَّض له الإنسان اليمني عموماً من مظالم اضطررته إلى الهجرة – وبالآلاف – إلى بقاع العالم في أرض المهجر تمكَّن المبدع من نقل ثقافته وإشاعة قِيَم مجتمعية معينة، ولو كان ذلك مًمكناً في بلده لفعله. الثاني: إنَّ الاكتفاء بكون الكاتب يمنيَّ الأصل بعيداً عن مسألة صدورها في أرض المهجر هو – بحد ذاته – كافٍ لرصد المشهد الروائي، إذ أن استبعادها من الببليوجرافيا اليمنية بدعوى صدورها من أرض المهجر لا يبرره منطقيا استبعاد أرض المهجر لنتاج هذا الروائي اليمني المهاجر بدعوى أنه يمني! الثالث: إن تصنيفها ضمن خانة ما يسمّى بالأدب المهجري – كما ذكر د.غانم نزار – ينفيه محتواها الذي يناقش ويتطرق إلى قضايا محلية بحتة، تتجلى أولى سطورها في غلاف الرواية إذ جاء “بأنها رواية غرامية انتقادية تتضمَّن انتقاد بعض عادات المهاجرين الحضارم في الأرخبيل الهندي!”.
ويوضح: في المهجر نُشِرت رواية “فتاة قاروت” في العام 1927 ونُشِرت بُعيدها رواية “الصبر والثبات” في العام 1931 للكاتب اليمني أحمد عبدالله السقاف وفي الوطن نُشرت رواية “سعيد” عام 1939 وتلتها رواية “آلام شعب وآماله” عام 1947 لـ محمد علي لقمان. ما يجمعهما – وإن كان الفارق الزمني بينهما لا يزيد عن العقد – أنهما استعانا بالشكل الروائي من أجل تمرير خطابهما الثقافي الإصلاحي الاجتماعي، فكانت الرواية بالنسبة لهما وسيلة أخرى إلى جانب كتاباتهما المتعددة، وهما من الصحفيين الذين أسهموا في تأسيس الصحافة اليمنية في المهجر وفي الوطن، فلا يمكن الحديث عن الصحافة اليمنية في المهجر الآسيوي أو الإندونيسي دون ذكر دور أحمد السقاف في صحيفة “الإصلاح” التي صدرت في سنغافورة في 1916 و”الرابطة العلوية” في عام 1927، وقد اهتمت بالقضايا الدينية والأدبية والتاريخية، لا سيما ما كان عن اليمن وعن مُدن حضرموت بالذات، ولا يمكن الحديث عن الصحافة في اليمن دون ذكر دور محمد علي لقمان وتأسيسه – في عام 1948- صحيفة “فتاة الجزيرة ” أول صحيفة يومية يمنية وكلاهما جدير بالريادة وإن كان الفارق الزمني بينهما ربما يمتد لأكثر من عشر سنوات”.
ورواية “فتاة قاروت” أو كما ظهرت على غلاف الرواية (ط2) بعنوان آخر “مجهولة النسب” وتوضيح لمحتواها“، إذ ورد في غلاف الرواية بأنها “رواية غرامية انتقادية تتضمَّن انتقادَ بعضِ عادات مهاجري العرب في جاوة ووصف بلاد السندة وعادات أهلها بأسلوب رشيق.. تأليف السيد أحمد عبدالله السقاف، الطبعة الأولى على نفقة الشيح المناضل محمد بن سالم.. طُبعت بمطابع البرق بالصولو.. تُباع هذه الرواية في مكتبة الشيخ عبدالله بن شربون”.
ويشير الشاطبي إلى أن “قاروت” تحكي قصة غريبة وعجيبة في آن معاً.. الملامح الأولى لهجرات الإنسان اليمني في مطلع القرن المنصرم إلى بقاع كثيرة؛ نتيجة عوامل متعددة أهمها شظف العيش والحرمان والأحكام الاستبدادية إلى أوطان منها إندونيسيا والتي كانت خاضعة – منتصف العشرينيات من القرن المنصرم – لحكم هولندا، وكانت مطمعاً لكثير من التجار والمهاجرين؛ لِما تحويه من أراضٍ زراعية خصبة وبحار غنية، فمنذ السطر الأول للرواية تتبدَّى حاجة المهاجر اليمني لترسيخ أقدامه في المهجر من خلال تأسيس المشاريع التجارية، وصراعه من أجل تأمين استقراره المادي ومحافظته على عاداته، وذلك من خلال قصة حب تربط بين بطل الرواية “عبدالله” والذي يمثّل القيم الثقافية العربية الأصيلة – وإن كان الانحياز واضحاً للحضارمة الهاشميين – و”فان ريدك” (التاجر الهولندي) والذي يمثل القيم الغربية والشابة “نيغ” والتي تمثِّل نقطة الصراع بين المهاجرين العرب “عبدالله” والغرب “فان ريدك”، ومحاولة كُل منهما نشر قِيَمه وثقافته وإحكام السيطرة على الآخر في أرض المهجر”.
ويلفت إلى أنه في البداية يتجلَّى سبب رغبة عبدالله في الهجرة إلى إندونيسيا “واختياره لها على قاروت هو أن والده كان مقيماً بها قبل خروجه إلى حضرموت، وقد ورث منه عدة محلات وعقارات في سنغافورة وقاروت، ومن جملة ما ورثه عن والده ذلك البيت الذي هو ساكن فيه في تلك القرية؛ وسبب سفر عبدالله من حضرموت إلى جاوة هو استلام ما تركه والده وإقامة وكلاء عنه وعن أخيه ووالدته يقومون بما يلزم من استلام غلَّة العقارات وإصلاحها ونحو ذلك، وكان في نيِّة عبدالله الرجوع إلى حضرموت بعد ترتيب أموره، لكنه لما وصل إلى قاروت ورأى جمال مناظرها وجودة هوائها رغب في الإقامة بها؛ فرأى من دماثة أخلاق السنداويين وحُسن معاملتهم وإكرامهم للغريب ما ضاعف رغبته للإقامة”. وتالي سبب “فان ريدك”؛ الرجل الأوروبي الذي يرمز إلى الاستعمار الهولندي وذلك من خلال إجابة زوج أم نيغ لإحدى شخصيات الرواية عن حال فان ريدك
ـ “رسنا: جئنا إليك نطلب منك أن ترافقنا إلى البيت لتنصح ابنتي نيغ؛ لأنك تفهم العربية، فقد خطبها منَّا جناب فان ريدك، وهو رجل كريم وذو ثروة طائلة تُقدّر بالملايين وصاحب معامل في بتاوى وغيرها، وستعيش معه ابنتي في أرغد عيش وتصبح ذات أملاك، ونحن كذلك ننال – بالطبع – مساعدته ونتنفَّس من هذا الضيق الذي نحن فيه”.
ويلاحظ الشاطبي أن النقطة المشتركة أن لهما مشاريع تجارية والنقطة التي سيختلفان عليها هي نيغ، تلك الشابة العربية التي تربَّت في مكة ومصر وتشرَّبت فيهما العلوم، وانتقلت إلى إندونيسيا للعيش عند والدتها السِّندية؛ وسبب اختلافهما هو رغبة كل طرف في الاستحواذ على الآخر، فبينما زوج أمها يستعد لتزويجها بـ”فان ريدك” والذي يمثل التوجهات الغربية الطامحة للسيطرة على كل شيء ومدِّ النفوذ، يجد عبدالله أن الصورة الخيالية المرسومة في ذهنه – عن المرأة التي يحلم بالزواج بها؛ “إنما هي صورة تلك البنت.. في تلك اللحظة عرف عبدالله – والذي يضع في أولوياته المحافظة على عاداته من الذوبان والتلاشي – أنه قد وجد ضالته وأدرك بُغيته ولم يبقَ عليه إلا أن يقارن بين الأخلاق التي فرضها وبين أخلاق تلك البنت وصفاتها فإن تمَّت الموافقة تم كل شيء”.
ويلفت إلى أن الصراع الغربي – العربي يبدأ في أرض الغير.. كل طرف يُمجّد حضارته وتاريخه ومنجزاته وإنتاجه ويسعى للسيطرة على الآخر. تنحاز نيغ إلى الطرف العربي المنشغل بالأنساب والألقاب والأحساب:
ـ نيغ: هل علم عبدالله أنه تزوج ببنت مجهولة النسب؟
ـ أحبَّني حباً جماً وأحببته إلى حد الاستهتار، وكان حُبِّي له في محله؛ لأنه يستحق تلك المحبة، ولكن هل كنتُ استحق محبته لي؟ وهل يجوز أن أخدعه؛ فأظهر كفاءتي وأنا غير مكافئة له؟ بالله يا مينة (أم نيغ) إن كُنتِ تعلمين من أمري ما يُفرِّج عنِّي هذا الكرب، فمُنِّي عليَّ به، وإن كُنتِ تعلمين من أمري ما لا يتفق مع شرف عبدالله، فأخبريني به الآن؛ لأُطلعه على جلية أمري قبل كل شيء، ثم له الخيار فيما بعد، فإن رأى أن أبقى لديه وقَبِلني على ما في نَسبي من الغموض، فيا حبذا! وإلَّا كان معذوراً في طردي واحتقاري”.
يتبدَّى من خلال إصرار “نيغ” على معرفة أصلها ونسبها تقديرها الصحيح لإيلاء عبدالله مسألة النسب مكانة أرفع من الحب
ـ “مينة: ثقي يا نيغ أن ما قلت لك من أني أمك هو عين الواقع والحقيقة، وثقي أني حملت بك من زوج شرعي وأرفع مني نسباً وأعلى شأناً وأجل مقاماً.
ذات يوم جاء يزور والدي رجل عربي حبيب (أي سيد) فلمَّا رآني عند والدي طلبني من أبي ليتزوج بي؛ ففرح والدي كثيراً وأخبرني أنني سأكون زوجة ذلك الحبيب وذكر لي أوصافه وفضائله، وأكَّد عليَّ أن أتأدب معه وأن أحترمه كل الاحترام؛ لأنه من سلالة الرسول فاستبشرت أنا بذلك النصيب ” .
ويرى الشاطبي أنه بكلاسيكية وتقليدية مفرطة ونهايات متوقعة ينتصر عبدالله على الغرب ويفوز بـ”نيغ” والتي يكتشف أنها تُخفي الكثير، الكثير من الأسرار والتي أرى أن تقرؤوها بأنفسكم!
يذكر أن أحمد بن عبدالله بن محسن علوي “سقاف” السقاف، وُلِد في مدينة الشحر بساحل حضرموت – اليمن عام “1300هـ-1882” وتربَّى في كنف أخواله آل بن عثمان. نشأ وتعلم في الشحر في أسرة عُرِفت بالعلم والدعوة. درس العلوم الدينية واللغة والأدب، وتوسَّع في اطِّلاعه على العلوم الحديثة. أكمل تعليمه في سيئُون (حضرموت) وحيدر أباد (الهند)، وعمل في مجال التجارة في سنغافورة، وإندونيسيا (جاوة). هاجر إلى إندونيسيا وهو يحمل في جعبته ثقافته وعلومه العربية والإسلامية التي تشرَّبها في اليمن ومنتدياتها عام 1326هـ 1908. بعد أن استقرت أحواله دفعته اهتماماته الأدبية إلى تكريس معظم وقته للقراءة والكتابة.
قضى ثلاثة عقود من حياته (1909-1948) متنقلاً بين أقاليم إندونيسيا وبخاصة التي استوطنتها الجاليات اليمنية والعربية، مساهماً في النهضة الثقافية وفاعلاً في نشر التعليم بين المهاجرين العرب، وذلك من خلال تأسيس المدارس وإدارتها والتي منها: المدرسة الخيرية في سرباية عام 1329هـ 1911 ـ المدرسة الإسلامية في صولو عام 1330هـ 1914. ويشار إلى أنه – في جاكرتا – تولَّى زمام مدرسة أخرى، ولأن ما كان ينادي به لا ينسجم مع السياسة الاستعمارية التبشيرية الهولندية في إندونيسيا، فقد اُستُبعِدت المدارس التي يشرف عليها من المساعدات المالية الهولندية.
أسس صحيفة “الإصلاح” التي صدرت في سنغافورة في 1916. كما أسس صحيفة” الرابطة العلوية” عام 1927.
ميدل إيست أون لاين