فتح «M4» أولى خطوات التطبيع | أنقرة – دمشق: خريطة الطريق تتّضح
على رغم التباين الواضح في وجهات النظر، ونبرات التصريحات غير المتوافقة، تتابع أنقرة سعيها الحثيث للانتقال إلى محطّة جديدة على طريق التطبيع مع دمشق، بالتوازي مع احتدام الصراع الانتخابي في تركيا، والذي يؤدي فيه الملفّ السوري دوراً بارزاً. وتُرجم هذا الاستعجال باجتماع رباعي على المستويَين العسكري والأمني، رسم بعضاً من معالم خريطة طريق التطبيع، والتي تعوّل تركيا عليها لتمهّد الأرض أمام عقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، يتبعه آخر رئاسي، حمَلت إيران، التي يزور رئيسها سوريا مطلع الشهر المقبل، على عاتقها مهمة التوسّط لإنجاحه
مرّة جديدة، احتضنت العاصمة الروسية موسكو اجتماعاً رباعياً على مستوى وزراء دفاع سوريا وتركيا وإيران وروسيا، بحضور وفود أمنية، لمناقشة الخطوات العملية على طريق فتْح الأبواب المغلَقة بين أنقرة ودمشق. وظلّلت الاجتماع آمالٌ عبّر عنها وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بالانتقال إلى خطوات سياسية أخرى، تدفع هذا الانفتاح نحو مستوى جديد يشمل لقاءً على المستوى الرئاسي، تنتظر أنقرة أن تؤدّي القمّة التي ستجمع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في زيارته لدمشق خلال الأيام المقبلة، بنظيره السوري بشار الأسد، دوراً في تحقيقه. ولم يَخرج الاجتماع العسكري والأمني الرباعي ببيان مغاير للبيانات السابقة الصادرة عن اللقاءات السورية – التركية، وخصوصاً لناحية التشديد على «محاربة الإرهاب» ووحدة الأراضي السورية، إلّا أن بيان وزارة الدفاع السورية بالخصوص حمل تفصيلاً جديداً يتعلّق بطريق «M4» (حلب – اللاذقية)، إذ قالت إنه «تمّ البحث في موضوع انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وكذلك تطبيق الاتفاق الخاص بالطريق الدولي المعروف باسم طريق M4».
وتشكّل قضية انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية موضع خلاف بين أنقرة ودمشق، حيث تعتبر تركيا وجود قواتها مرتبطاً بـ«التهديدات الإرهابية»، وتحاول ربط انسحابها بخطوات على الأرض تضمن الحدّ من نفوذ الأكراد، ومنع تشكّل موجات لجوء جديدة، في حين تَنظر الحكومة السورية إلى هذه القضية على أنها محورية، يُفترض باللقاءات الجارية مع الجانب التركي أن تفضي إلى حلّها من خلال سحب القوات التركية، والتي دخلت البلاد من دون إذن من دمشق، ما يعني أنها غير شرعية. وما بين الطرفَين، يسعى الوسيطان الروسي والإيراني إلى وضع أجندة واضحة لهذا الانسحاب، وفق جدول زمني متّفَق عليه ومرتبط بخطوات سياسية وأخرى ميدانية. ولعلّ الخلاف المُشار إليه يمكن أن يفسّر وجود بعض التباينات في البيانات الختامية للقاء الرباعي؛ فبينما ركّزت دمشق على قضية سحب القوات التركية وفتح طريق «M4»، وتناول البيان التركي مسألة «الإرهاب»، جاء البيان الروسي أكثر عمومية، مركّزاً على جوانب التوافق المتعلّقة بـ«وحدة سوريا وتكثيف جهود إعادة اللاجئين وتعزيز الأمن»، مؤكداً «الطبيعة البنّاءة للحوار الجاري بهذا الشكل وضرورة مواصلته من أجل زيادة استقرار الوضع في الجمهورية العربية السورية والمنطقة ككلّ».
وبالعودة إلى بيان وزارة الدفاع السورية، يبدو أن دمشق، التي عبّرت أكثر من مرّة عن عدم وثوقها بالتصريحات التركية، باتت تنظر إلى التحرّك الجدي ميدانياً على أنه أحد عوامل إعادة بناء الثقة، ما يعني بشكل أو بآخر طلبها إحداث تحوّل في طبيعة العلاقة بين البلدَين، من مرحلة الشكّ والجدل، إلى مرحلة العمل وفق مبدأ «خطوة بخطوة»، على أن ينتهي هذا المسار بمجمله بخروج القوات التركية من الأراضي السورية. ومن شأن ذلك أن يعيد المباحثات الأمنية والعسكرية إلى نقطة انطلاقها، وتحديداً من الطرح التركي المتمثّل في فتح الطريق وتنشيط حركة الترانزيت عبر معبر باب الهوى في إدلب كخطوة أولى على طريق التطبيع، مع إضافة عامل جديد تريده دمشق، متمثّل في وجود جدول زمني واضح لهذه الأجندة، وخصوصاً أن التورّط التركي الكبير في الحرب السورية أدّى إلى تعقيد الكثير من الملفّات بين البلدَين، سواء المتعلّق بإعادة اللاجئين والنازحين، أو إدلب التي باتت مركزاً للفصائل المتشدّدة، أو دعم المعارضة في الشمال السوري وسياسة التتريك القائمة، بالإضافة إلى ملفّ الأمن المائي الحيوي.
من هنا، تتّضح خلفية التصريحات التي نشرتها جريدة «الوطن» السورية، نقلاً عن مسؤول سوري، والتي نفى من خلالها صحّة البيان التركي الذي تحدّث عن «خطوات تتعلّق بتطبيع العلاقات»، موضحاً أن «الاجتماع بين وزراء دفاع سوريا وتركيا وروسيا وإيران كان للبحث في آلية انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية ولم يتطرّق إلى أيّ خطوات تطبيعية بين البلدَين»، مشدّداً على أن «التطبيع بين تركيا وسوريا يعني انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وبغير الانسحاب لا تنشأ ولا تكون هناك علاقات طبيعية»، وأن «الانسحاب هو أوّل مسألة يجب أن يتمّ حسمها».
بناءً على ما تَقدّم، يمكن القول إن مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة، والذي ترعاه موسكو وتؤدي فيه طهران دوراً بارزاً وتؤيّده بكين بشكل غير معلَن، ما زال يدور في منطقة الثقة التي باتت مفقودة بالنسبة إلى دمشق، وهو ما جاهرت به دمشق أكثر من مرّة، على لسان معظم مسؤوليها، وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد، ما يعني أن خطوة حقيقية على الأرض وحدها التي تستطيع ترميم جانب من تلك الثقة، والدفع نحو مزيد من الخطوات «التطبيعية». وتَظهر تركيا صاحبة مصلحة في خطوة كهذه، بالنظر إلى هواجسها الأمنية المتعلقة بحدودها الجنوبية حيث نموّ نفوذ الأكراد بدعم أميركي، ونشاط الفصائل «الجهادية» التي ساهمت بنفسها في تشكيلها، بالإضافة إلى أزمة اللاجئين. وتتعزّز تلك المصلحة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الحاسمة في الرابع عشر من الشهر المقبل، في ظلّ حالة عدم يقين لدى حزب «العدالة والتنمية» الذي يقوده الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بالفوز فيها، وخصوصاً مع تنامي حظوظ مرشّح المعارضة، كمال كليتيشدار أوغلو، الذي أعلن انفتاحه الكامل على دمشق.
صحيفة الاخبار اللبنانية