فتوى مدمرة
منذ سنوات قليلة، عاد ابني من روضة الأطفال وهو في حالة هلع. التصق بحضني مرتجفا ثم انفجر باكيا وقال ” سأدخل جهنم لأن الشيطان يشاركني الطعام كل يوم، غصبا عني ودون أن أدري.. هذا ما قاله اليوم، “سيدنا الشيخ” الذي يحفّظنا القرآن في الروضة. قال إن من لا يستخدم يده اليمنى في الأكل، يشاركه الشيطان طعامه.. وأنا لا أحسن مسك الملعقة أو القلم إلا باليد اليسرى“.
ثارت ثائرتي إزاء هذه ” الفتوى” التي لم ترد في كتاب ولا سنّة. توجهت إلى مديرة الروضة، غاضبا، محتجا ومتوعدا برفع دعوة قضائية ضدها وضد هذا الدجال الذي قد يأتمنه بعض الناس على أطفالهم بغية تحفيظهم ما تيسر من آيات تقوّم ألسنتهم، فيصيب نفوسهم الصغيرة بالاعوجاج، ويحشو أدمغتهم الطرية بخرافات من شأنها أن تربك حياتهم وتشوهها.
الذي أحبط عزيمتي عن المضي في متابعة شكواي لدى الجهات القضائية، هو أن المديرة ـ وكذلك بقية المعلمات ـ مقتنعة بما ذهب إليه “سيدها الشيخ” الذي استقدمته لتحفيظ القرآن باجتهاد منها. وتمنت لطفلي ” الشفاء العاجل مما ابتلاه به الله” ناصحة إياي بضرورة تدريبه قبل ” أن يقع الفاس بالراس” ويُحرم ابني الأعسر الصغير من دخول الجنة”.
الذي فهمته من كلام هده المربية الفاضلة وشيخها الجليل، هو أن نسبة 10بالمئة من سكان العالم لا يدخلون الجنة مهما كانت حسناتهم، بمن فيهم 50بالمئة من المشاهير الذين يصنفون ضمن فئة عسيري اليد، بحسب الإحصائيات الرسمية في يوم الأعسر الذي يحييه العالم في 13أغسطس من كل عام.
صاحبة هذه الروضة التي حولتها دارا للفتوى ـ هي وشيخها ـ ضمنت لنفسها ـ ولمجرد أنها تستخدم يدها اليمنى ـ دخول رياض الصالحين التي لن يطأها ـ أشخاص عسيرو اليد من أمثال نابليون بونابرت وليوناردو دفنتشي، وبيل غيتس، وباراك أوباما، وحتى أرسطو ثم ضمت إلى هؤلاء جميعا، طفلي الأعسر البريء الذي بدأ بالتدرب الشاق على استخدام يمناه.
حاولت في البيت، مؤازرته في هذه “المحنة” وبدأت باستخدام يدي اليسرى على مائدة الطعام لأثبت له أن الأمر مجرد طبيعة بشرية لا علاقة بالحلال والحرام من ناحية، ولأشاركه صعوبة الفعل في إصراره على تعلم الأكل والكتابة بيده اليمنى وقد سكنه الرعب من ” فتوى سيدي الشيخ” من ناحية أخرى.
النتيجة كانت أن اعتدت أنا على استخدام اليد اليسرى فالتحقت أوتوماتيكيا، بفئة المشاهير الذين سيُحرمون الجنة، لكني أخشى على ابني الذي تعلم استخدام اليد اليمنى، من ” جنة” يحسب مقاييس ” سيدي الشيخ”، وقد حُرم من محاورة أرسطو، والتعلم من انشتاين، والاستمتاع بفن دافنتشي.