فرنسا تسعى لتخفيف حدة التوتر مع الجزائر
ما زال إجلاء الناشطة أميرة بوراوي إلى فرنسا يرخي بظلاله على العلاقات الجزائرية الفرنسية، إذ قال فرانسوا ديلما نائب المتحدث باسم الخارجية الفرنسية الخميس إن “بلاده ستواصل جهودها لتعزيز العلاقات مع الجزائر على الرغم من اتهامها لباريس بتدبير هروب ناشطة تريد اعتقالها”.
واستدعت الجزائر يوم الأربعاء سفيرها في باريس بعد أن ذكرت وسائل إعلام جزائرية وفرنسية أن أميرة بوراوي عبرت الحدود إلى تونس بشكل غير قانوني بعد أن تمكنت من التهرب من المراقبة القضائية الجزائرية رغم أنها تواجه حكما بالسجن لعامين بتهمة الاستهزاء ببعض الأحاديث النبوية والإساءة لرئيس الجمهورية عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ورفض ديلما أمام الصحافيين التعليق على تلك المزاعم المحددة، لكنه قال إن بوراوي التي تحمل الجنسيتين الفرنسية والجزائرية استفادت من الحماية القنصلية مثل جميع المواطنين الفرنسيين وقال إن “سحب السفير هو قرار جزائري ولكن بالنسبة لنا نعتزم مواصلة العمل على توطيد علاقاتنا الثنائية بشراكة متجددة”.
وينذر رد فعل الجزائر بأزمة جديدة بين البلدين بعد أشهر من تزايد دفء العلاقات عقب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر العام الماضي ومعانقته الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عناقا حارا في رحلة بدت أنها تطوي صفحة أعوام من العلاقات الصعبة.
وأمضى السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري مؤخرا ثلاثة أيام في باريس لبحث القضايا العسكرية ومن بينها منطقة الساحل الأفريقي واجتمع مع ماكرون ومن المزمع أن يزور تبون باريس في وقت لاحق هذا العام.
واعتُقلت بوراوي في تونس هذا الأسبوع ومثلت أمام المحكمة في جلسة استماع لتسليمها إلى الجزائر ولكن القاضي أمر بإطلاق سراحها وسُمح لها بمغادرة البلاد يوم الاثنين وأفادت وسائل الإعلام الفرنسية إن إطلاق سراحها وسفرها جوا إلى فرنسا كانا نتيجة للضغوط الدبلوماسية الفرنسية على تونس.
وأعلنت الخارجية الجزائرية الأربعاء أنها أعربت في مذكرة رسمية للسفارة الفرنسية عن “إدانة الجزائر الشديدة لانتهاك السيادة الوطنية من قبل موظفين دبلوماسيين وقنصليين وأمنيين تابعين للدولة الفرنسية”.
وأضافت أن هؤلاء “شاركوا في عملية إجلاء سرية وغير قانونية لرعية جزائرية يعتبر تواجدها على التراب الوطني ضروريا بقرار من القضاء الجزائري” كما نددت بما اعتبرته تطورا “غير مقبول ولا يوصف”، مشيرة إلى أنه “يسبب ضررا كبيرا للعلاقات الجزائرية الفرنسية”.
واستنكرت صحيفة “المجاهد” الحكومية في افتتاحيتها باللغة الفرنسية الأربعاء ما أسمته “خطوة فرنسية غير ودية للغاية” تجاه الجزائر وتونس وتساءلت “كيف يمكن لهذه السياسة الفرنسية التي تتسم بالتقدم بخطوة واحدة والتراجع بعشر خطوات أن تساعد على تهدئة النفوس، بل إنها تضفي برودة على العلاقات الثنائية وذلك قبل أسابيع من زيارة الدولة التي من المنتظر أن يقوم بها رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون إلى فرنسا”.
وبعد تدهور مفاجئ في العلاقات في خريف 2021 عملت باريس والجزائر على تحسين علاقاتهما خلال زيارة الرئيس الفرنسي في أغسطس/آب الماضي للجزائر حيث وقّع مع تبون إعلانا مشتركا لدفع التعاون الثنائي.
وفي أكتوبر/تشرين الأول توجهت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن برفقة 15 وزيرا إلى الجزائر لترسيخ المصالحة بين البلدين وتوقيع اتفاقيات في مجالات الصناعة والشركات الناشئة والسياحة والثقافة.
وعُرفت أميرة بوراوي وهي في الأصل طبيبة وتبلغ 46 عاما عام 2014 بمشاركتها في حركة “بركات” ضد ترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة.
وشكرت في منشور على صفحتها بفيسبوك “كل الذين أكدوا أنني لن أجد نفسي خلف القضبان مرة أخرى”، مشيرة إلى منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش والصحافيين والموظفين القنصليين في سفارة فرنسا في تونس، مؤكدة أن رحيلها إلى فرنسا عبر تونس ليس هروبا إلى المنفى وأنها ستعود قريبا إلى الجزائر.
وفي سياق متصل أعلنت وسائل إعلام جزائرية مساء الأربعاء عن توقيف مصطفى بن جامع رئيس تحرير صحيفة “لوبروفنسيال” التي تتخذ مقرا في مدينة عنابة (شمال شرق) على مقربة من الحدود مع تونس.
وأكد موقع “إنتر ليني” أنه تمكن من التحدث مع زملاء للصحافي أخبرهم قبل توقيفه أنه تلقى اتصالا من الاستخبارات العامة للشرطة التي طلبت منه معلومات عن خروج أميرة بوراوي من التراب الوطني.
وأكد بن جامع للاستخبارات أنه لا علاقة له بهذه القضية التي لا تهمه، وفق ما نقل موقع “إنتر ليني” عن زملائه.
قرر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الأربعاء استدعاء سفير بلاده لدى فرنسا للتشاور عقب ما وصفه بـ”عملية الإجلاء السرية” للناشطة والصحافية أميرة بوراوي من تونس إلى فرنسا مساء الاثنين، حسب ما أعلنت الرئاسة في بيان، ما يؤشر على بوادر عودة التوتر بين البلدين.
ويهدد هذا التطور بإفشال مساعي المصالحة بين البلدين بعد أن أعادا إطلاق التعاون الثنائي في إعلان مشترك صدر الصيف الماضي، فضلا عن الاستعدادات الجارية منذ مدة تجهيزا لزيارة الرئيس الجزائري إلى فرنسا المقررة في مايو/آيار المقبل.
وأعادت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في أغسطس/آب العلاقات الثنائية إلى مسارها الطبيعي، بعد أزمة تفجرت إثر تعليقات أدلى بها في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وكان تبون قد رحب في مناسبات سابقة بما وصفها بـ”علاقات الثقة” الجديدة بين فرنسا والجزائر وبالصداقة المتبادلة الشخصية مع ماكرون وذلك في إطار جهود الجزائر لتعزيز تعاونها مع باريس في مختلف المجالات بما فيها العسكري على وقع التوتر والخلافات مع الجارة المغرب فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية.
وأورد بيان الرئاسة “أمر رئيس الجمهورية السيد عبدالمجيد تبون باستدعاء سفير الجزائر بفرنسا السيد سعيد موسيفورا للتشاور”، مشيرا إلى أن الجزائر أعربت في مذكرة رسمية وجهتها إلى فرنسا عن “احتجاجها بشدة على عملية الإجلاء السرية وغير القانونية لبوراوي المطلوبة للقضاء الجزائري”.
وتواجه بوراوي المعارضة لسياسات تبون حكما بالسجن لعامين في الجزائر بتهمة الإساءة للرسول محمد والاستهزاء ببعض الأحاديث النبوية والإساءة لرئيس الجمهورية عبر منصات التواصل الاجتماعي كما سُجنت في العام 2020 بتهم عديدة ثم أطلق سراحها.
واعتبر فرانسوا زيميراي محامي بوراوي أن موكلته “تعرضت لمحاولة خطف واحتجاز من جانب بعض السلطات التونسية بناء على طلب من نظيرتها الجزائرية”.
وأفادت مسؤولة في مكتب منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تونس بأنه “لا يجوز بأي حال من الأحوال إعادتها إلى بلد سُجنت فيه وتلاحق فيه بسلسلة من الدعاوى القضائية بسبب نشاطها السلمي وآرائها”.
كما أوضح موقع إذاعة “راديو إم” الجزائرية حيث كانت تقدم برنامجا سياسيا منذ سبتمبر/أيلول أن بوراوي معروفة منذ مشاركتها في حركة “بركات” العام 2014 التي قادت حملة ضد الولاية الرابعة للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة وحاولت عدة مرات مغادرة البلاد في الأشهر الأخيرة لزيارة ابنها المستقر في فرنسا لكن دون جدوى.
وأكدت الناشطة والصحافية الفرنسية الجزائرية أميرة بوراوي أن رحيلها إلى فرنسا عبر تونس ليس هروبا إلى “المنفى” وأنها “ستعود قريبا” في ظل توتر دبلوماسي بشأنها بين باريس والجزائر.
وكتبت الصحافية التي كانت ممنوعة من مغادرة الجزائر وأوقفت في تونس قبل إطلاق سراحها بأمر من المحكمة وتوجهها إلى فرنسا الاثنين، “لم أذهب إلى المنفى، فأنا في بلدي هنا مثلما كنت في الجزائر”، مضيفة في تدوينة على حسابها بفيسبوك “سأعود قريبا جدا” إلى الجزائر.
ووصلت الناشطة إلى تونس الجمعة وأوقفت أثناء محاولتها الصعود على متن طائرة متجهة إلى فرنسا بجواز سفرها الفرنسي.
وبعد ذلك قرر القضاء التونسي الإفراج عنها وتأجيل قضيتها إلى 23 فبراير/شباط، بحسب محاميها، لكن شرطة الحدود أوقفتها وتعرضت لخطر الترحيل إلى الجزائر قبل أن تتمكن أخيرا من الخروج ومغادرة تونس.
واعتبرت بوراوي تصرف شرطة الحدود التونسية “اختطافا”، مضيفة في منشورها “أشكر كل الذين أكدوا أنني لن أجد نفسي خلف القضبان مرة أخرى”، مشيرة إلى منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش والصحافيين والموظفين القنصليين في سفارة فرنسا في تونس.
وتلاحق النظام الجزائري اتهامات حقوقية دولية بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على خلفية حملة قمع قاسية واعتقالات تعسفية طالت العشرات من المعارضين ونشطاء الحراك الشعبي ولم تستثن إعلاميين حيث زج بالعديد منهم في السجون وصدر بحق بعضهم أحكام، بينما تنتظر آخرون محاكمات يشكك معارضون في نزاهتها.
وتستغل السلطة الجزائرية الملف الديني للتخلص من معارضين أو ناشطين علمانيين بحجة الإساءة إلى الإسلام