فريد الأطرش في عيد ميلاده المائة : أوّل كتاب يجمع الأثار الفنيّة لحياته بعيداً عن حياته الشخصيّة …

سأل مؤلف الكتاب «أحمد بوبس» في مقدمته سؤالاً بسيطاً هو «لماذا وُضع هذا الكتاب؟» وكانت الإجابة في مبرراتٍ منطقيّة تدور حول كثرة ما كُتب وانتشر عن الفنان الراحل «فريد الأطرش» لكنها ركّزت بصورة واضحة على حياته الشخصيّة وعلاقاته الغراميّة فلم يكن هناك مصدر واحد عالج الموضوع من حيث الناحية الإبداعيّة والموسيقيّة، ولا شكّ أن ملاحظة المؤلف في مكانها ولذلك يعدّ هذا المؤلف هو المبادرة الأولى التي تحدّثت عن الفنان «فريد الأطرش» من حيث صفته كفنان، ومهنته في الغناء والتلحين، وأثره في الحياة الفنيّة العربيّة. وتعدّ مناسبة الكتاب كما يشيّر في المقدّمة إلى مرور 100 عام على ولادة الراحل «فريد الأطرش» بعد اعتماد عام 1915 عاماً لمولده من قبل منظمة اليونسكو وتعميم عام 2015 عاماً للاحتفال بمئويته عربيّاً وعالميّاً.

معالجة الكتاب

سنلقي الضوء على معظم الفصول التي قدّمها المؤلف «أحمد بوبس» والتي بدأها من الولادة والنشأة، إلى البداية والانطلاقة، وإلى السينما، والقوالب الغنائية، والموسيقا الغربيّة، والعلاقة مع الرئيس «جمال عبد الناصر»، والغناء الوطني، والعلاقة مع مطربين ومطربات، وآلة العود خاصّته، وحكايات معروفة عن أغنياته، ولابد من أن نذكر أيضاً أن المؤلف اجتهد في وضع جداول تسهل على القارئ متابعة نشاط الفنان «فريد الأطرش» فيما أنجز من الأغنيات والألحان لنفسه، وللمطربين، وللمطربات، والأفلام التي كان بطلاً فيها، فجاءت هذه الجداول مبينةً الأسماء، والتواريخ، والملاحظات بما يتناسب معها.

الولادة والنشأة

في هذا الفصل يلخّص مؤلف الكتاب عدداً مهمّاً من السنوات في حياة الفنان «فريد الأطرش» ما بين الولادة وما قبلها وما بعدها مروراً بتركيا مكان عمل والده، وإلى لبنان الموطن الذي تنتمي إليه والدته، وإلى السويداء الذي قضى فيها عدداً من السنوات، ثمّ إلى القاهرة والعيش هناك، وخلال هذه الفترة لم يكن الاستقرار والهدوء حالة معروفة في حياته بل كانت سنوات ممزوجة بالتنقلات، والأسفار، والهرب، تبعاً للظروف التي عاشتها البلاد، ولاسيما أنها فترة انتهى فيها الاحتلال العثماني ليبدأ الفرنسي من جديد، وفي نهاية هذه الفصل يصف الكاتب الظروف التي جعلت من «فريد الأطرش» يترك مدرسته؛ ويعمل من أجل تأمين مصاريف الأسرة، وفي الوقت نفسه ارتياد معهد فؤاد للموسيقا، والعلاقة التي بدأت تنمو مع كبار موسيقيي مصر من خلال الصالون الموسيقي والأدبي القريب من منزل إقامته.

البداية والانطلاقة

درس «فريد» في معهد فؤاد الأول للموسيقا العربيّة في القاهرة فتتلمذ على يدّ أساتذة كبار منهم عازف العود اللبناني «فريد غصن»، وفي هذه الفترة بدأ العمل في إذاعة القاهرة الرسميّة التي كان «مدحت عاصم» رئيس القسم الموسيقي فيها، والذي سمع عزف فريد أثناء زيارته للمعهد فطلب منه العمل في إذاعة القاهرة في برنامج «الفرسان الثلاثة»، وفيما بعد قدّم فريد نفسه كمطرب وخضع للجنة فاحصة فنجح ليتم اعتماده في الإذاعة ويغني فيها مرتين في الأسبوع. أيضاً ذكر هذا الفصل العمل مع بديعة مصابني وفرقتها وكذلك تفصيلات عن أغنية «يا ريتني طير» لملحنها «يحيى اللبابيدي» الذي زار مصر والتقاه «فريد الأطرش» وأخذ منه الأغنية بعد إجراء تعديلات كبيرة عليها. وفي هذه الفترة– نهاية ثلاثينيات القرن الماضي– بدأ «فريد الأطرش» بالتلحين فكانت أغنية «نويت أداري آلامي» و«عليك صلاة اللـه وسلامه» وقصيدة «ختم الصبر بعدنا بالتلاقي» وهي أول ما غناه من ألحانه.

فريد والسينما

أوّل أفلامه التي قدّمها كان فيلم «انتصار الشباب» عام 1940 وتوالت بعدها أعماله السينمائيّة ليأتي عددها 31 فيلماً هي: «أحلام الشباب»، و«شهر العسل»، و«ماقدرش»، و«حبيب العمر»، و«أحبك أنت»، و«عفريتة هانم»، و«آخر كذبة»، و«تعال سلّم»، و«ماتقولش لحد»، و«عايزة أتجوز»، و«لحن الخلود»، و«لحن حبّي»، و«رسالة غرام»، و«عهد الهوى»، و«قصّة حبّي»، و«ازاي أنساك»، و«ماليش غيرك»، و«من أجل حبّي»، و«شاطئ الحبّ»، و«يوم بلا غد»، و«حكاية العمر كلّه»، و«رسالة من امرأة»، و«الخروج من الجنة»، و«الحبّ الكبير»، و«زمان يا حبّ»، وكان آخرها فيلم «نغم في حياتي» الذي صوّر عام 1974 وعُرض في العام التالي بعد رحيل «فريد». ومن الملاحظ أن في تلك الأفلام التي ذكرناها جاء دوره التمثيلي بين الملحن والمطرب ويشير مؤلف الكتاب إلى أنها نقطة إيجابيّة فكان منسجماً مع نفسه وقدّم جانباً من حياته، فكان قريباً من واقعه فيها، أمّا الأفلام الأربعة الأخرى وهي: «ودّعت حبّك» فكان فيه عسكريّاً بحريّاً، وفي فيلم «بلبل أفندي» كان بائعاً متجوّلاً، وفي فيلم «جمال ودلال» كان مترجماً، وفي فيلم «أنت حبيبي» كان ابن رجل ثري.

القوالب الغنائيّة عند فريد

يقول «أحمد بوبس» في هذا الفصل: «لحّن فريد الأطرش وغنى في معظم قوالب الغناء العربي، باستثناء قالبين هما الدور والموشّح. أمّا القوالب التي لحن وغنى فيها فهي: 1- الطقطوقة: وأكثر أغنياته ضمن أفلامه وخارجها في هذا القالب نذكر منها «لأكتب ع وراق الشجر»، و«حبينا حبيناك حبينا»… 2- المونولوج: من المونولوغات التي لحنها وغناها «أوّل همسة»، و«الربيع»… 3- القصيدة: لحّن فريد الأطرش وغنّى العديد من القصائد الفصيحة العموديّة… مثل «ختم الصبر بعدنا بالتلاقي»، و«عشّ أنت».. 4- الحواريّة الغنائيّة «الديالوغ»: بدأت في المسرح الغنائي، وتطوّرت على يدّ فريد الأطرش الذي قدّم في أفلامه ستّاً من الحواريّات الغنائيّة مع المطربات اللواتي شاركنه البطولة في أفلامه… مثل «يللي قلبي بيناديكي» مع فتحيّة أحمد، و«يا سلام على حبّي وحبّك» مع «شادية»… 5- الموال: عشق فريد الأطرش الموال عشقاً كبيراً، لا يقلّ عن عشقه للعود وأوتاره. فقلما تخلو أغنية من أغنياته من موال يسبق الأغنية أو يكون في داخلها. كما قدّم العديد من المواويل كقالب غنائي مستقل… 6- الأوبريت: في الأصل مسرحيّة غنائيّة خفيفة، يغنّى قسم من حوارها، ويقدّم الآخر تمثيلاً على المسرح والأوبريتات التي قدّمت بهذا الاسم في الأفلام السينمائيّة هي في الواقع لوحات غنائيّة أقرب منها إلى الأوبريت، لأنّها جميعها مغناة وليس فيها تمثيل… مثل أوبريت «انتصار الشباب– ليالي الأندلس»، وأوبريت «أنغام من الشرق»… 7- النشيد: في الأغلب يكون وطنيّاً، ويعتمد في موسيقاه على «المارش» الذي هو موسيقا عسكريّة غربيّة. ومن أناشيد فريد الأطرش «البعث»، و«المارد العربي»، و«انتباه».

فريد الأطرش والموسيقا الغربيّة

من يتابع أعمال الفنان «فريد الأطرش» يلمس ثقافته الواسعة في الموسيقا الغربيّة، وقد استخدم منها شيئاً في عدد لا يستهان به من أعماله ويذكر مؤلف الكتاب «أحمد بوبس» ملاحظاته في ذلك ففي لحن الخلود جاء أثر ذلك في أكثر من سمفونية فهناك دقات من بداية السمفونية الخامسة «القدر» لبتهوفن، وملامح من سيمفونيّة «شهرزاد» لـ«كورساكوف»، وغيرها. كما أدخل في مجموعة من ألحانه إيقاعاتٍ غربيّة كالفالس والتانغو والرومبا مثل أغنية «إيمتى تعود يا حبيب الروح» وليالي الأنس في فيينا» وهاتان الأغنيتان جاءتا بصوت شقيقته «أسمهان».

فريد وعبد الناصر

علاقة محبّة واحترام جمعت «فريد الأطرش» بـ«جمال عبد الناصر» وقد انتصر «عبد الناصر» لـ«فريد» في عدّة مواقف منها المنافسة التي جاءت بين «فريد» و«عبد الحليم حافظ» في حفلات شمّ النسيم 1970 فقد تحدد موعد الحفلتين في اليوم نفسه واستخدم «عبد الحليم» نفوذه لينقل حفلته تلفزيونيّاً وإذاعيّاً مباشرةً ويعاد بثّها في اليوم التالي، وبعلم الرئيس «جمال عبد الناصر» تمّ استدعاء «عبد الحليم»، وبعدها أمر بأن تبثّ إذاعة القاهرة حفلة «فريد» وإذاعة صوت العرب حفلة «حليم»، وأن يقوم التلفزيون ببث حفلة «فريد» على الهواء مباشرة وتسجل حفلة «حليم» لتبثّ في اليوم التالي. ويذكر المؤلف مزيداً من المواقف والذكريات الجميلة بين الاثنين ومنها الموافقة الاستثنائيّة لسفر فريد خارج مصر للمعالجة بعيداً عن الموافقات الرسميّة التي تأخذ وقتها الكبير ولم تكن هذه الخطوة قد حصلت في تاريخ «عبد الناصر» إلا لـ«فريد» و«أمّ كلثوم» فقط من مطربي تلك الفترة كلّهم.

أغنيات ومطربون

مجموعة كبيرة من الأغنيات جاءت لمطربات ومطربي ذلك العصر ومنها ما جاء في أفلامه السينمائيّة ومنها ما وقع خارجها، ومن أهم الأسماء نذكر شقيقته «أسمهان» وهي أهم الأسماء فقد كان يعوّل على صوتها كثيراً، فقد لحن لها 11 أغنية، ومن المطربات أيضاً «الشحرورة صباح» التي نالت من ألحانه 18 لحناً إضافة للأعمال الغنائيّة التي شاركته فيها وبطولة 3 أفلام سينمائية. ومن المطربات أيضاً «نور الهدى» و«شادية»، و«وردة الجزائريّة»، ومن المطربين «فهد بلان» و«طلال مدّاح» و«محرّم فؤاد» و«وديع الصافي» و«عصام رجّي» و«محمد جمال» و«محمد عبد المطلب» و«إسماعيل يس» والكثير من الأسماء الأخرى.

فريد والعود

يقول مدحت عاصم في فريد: هو «أمين المهدي» في حلاوته، و«رياض السنباطي» في رقّته، و«فريد غصن» في مقدرته. أنه عازف من طراز خاصّ، جمع الحلاوة والقدرة في ريشة واحدة.
لفريد مدرسة خاصّة في العزف على العود، فقد كان مغرقاً في الشرقيّة والتطريب، وبارعاً في التقاسيم والارتجالات، ولذلك نجد له طلاباً ومريدين، ومن أعجب ما قدّم ارتجالاته في أغنية الربيع التي عزف في بعض مراحلها لحنين في آن معاً وبسرعة فائقة.

وأيضاً

من الفصول المميزة في الكتاب أيضاً الغناء الوطني لفريد الأطرش والألحان التي قدّمها في هذا المجال ومنها أغنيات للوحدة العربيّة والوحدة بين سورية ومصر والأغنيات القوميّة ولفلسطين وكثير من الأغنيات التي قدّمها لدول عربيّة ممثلة بشعبها وقاداتها.

في الكتاب أيضاً ذكريات ومواقف كثيرة خلّدها التاريخ جاءت في أغنيات وحكايات قدّمها مؤلف الكتاب كما في أغنية الربيع وأغنية «لا وعينيك»، و«نورا» وكلمة عتاب وغيرها.

كتاب «فريد الأطرش عبقريّة موسيقيّة خالدة» من تأليف «أحمد بوبس» وهو من إصدارات وزارة الثقافة– الهيئة العامة للكتاب، في سلسلة جديدة حملت عنوان مسارات فنيّة.

صحيفة الوطن السورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى