فريق أوباما ينتقد سياساته السورية: «تمرّد» ديبلوماسي.. أم جعجعة بلا طحن؟

على امتداد الأزمة السورية، واجهت سياسات الرئيس الأميركي باراك اوباما الكثير من الانتقادات، ليس من الخارج فحسب، بل من داخل فريقه الديبلوماسي، وحتى من قبل الدوائر العسكرية والاستخباراتية.

قبل أشهر نشر الصحافي الأميركي البارز سيمور هيرش تحقيقاً استقصائياً موسعاً، تطرق فيه، نقلاً عن مصادر في البنتاغون، وتحديداً في الاستخبارات العسكرية، الى الخلافات في الرؤى بين المقاربة السياسية المعتمدة من قبل إدارة الرئيس باراك اوباما، سواء في عهد وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، او في عهد سلفها جون كيري.

لكن تلك الخلافات، وبحسب ما تبدّى في محطات كثيرة، لم تقتصر على التناقض بين الرؤيتين السياسية والعسكرية للصراع السوري، بل شملت الدوائر الديبلوماسية.

وكان واضحاً، قبل اربعة اعوام، أن الصراع السوري قد افرز واحدا من اعمق الخلافات بين باراك اوباما وهيلاري كلينتون، حين تولت رئاسة الديبلوماسية الأميركية، في عهده الرئاسي الأول.

ويبدو أن هوّة الخلافات على المستوى السياسي قد تعمّقت أكثر فأكثر على امتداد الأعوام الخمسة للصراع السوري المستمر. آخر فصول تلك الخلافات، إعلان وزارة الخارجية الأميركية يوم السابع عشر من حزيران، عن انها «اخذت علماً»، برسالة وقعها اكثر من خمسين ديبلوماسياً أميركياً، تتضمن انتقادات للسياسة الاميركية المتبعة حيال الأزمة السورية.

وزير الخارجية الأميركي جون كيري حاول التعامل بإيجابية مع رسالة الديبلوماسيين، إذ قال للصحافيين، خلال زيارته للنروج: «اعتقد أن تلك الرسالة مهمة للغاية، وانا احترم هذه الآلية جداً، ومن المرجح ان ألتقي بهم (الديبلوماسيين المعترضين)، أو أن احظى بفرصة للحديث إليهم بعد عودتنا».

وبالأمس، بدا كيري وكأنه يدعم آراء الديبلوماسيين. وفي وقت صرّحت فيه متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية أن الموقعين على الرسالة لن يواجهوا عقوبات مسلكية بسبب تصريحهم بآرائهم، كان كيري يقول، رداً على سؤال حول ما إذا كان قد قرأ العريضة الديبلوماسية: «نعم. انها جيدة جدا. سألتقيهم».

في العلن، بقي كيري مواليا لاوباما في سياسته بشأن الازمة السورية المستمرة منذ خمس سنوات، ويسعى في هذا السياق الى تطبيق خطة اميركية روسية مشتركة لدفع الحكومة السورية وفصائل المعارضة الى التفاوض.

غير أن رد الوزير الأميركي المتوازن على رسالة الديبلوماسيين يدعم الرأي السائد في واشنطن وهو أن كيري يشعر بالاحباط ازاء سياسات الادارة.

وفي الحديث عن الاعتراضات الديبلوماسية على سياسات اوباما، لا بد من التوقف عند ما يقوله روبرت فورد، الذي كان آخر سفير أميركي لدى سوريا، وقد بقي في منصبه لأشهر عدّة بعد بدء الأزمة السورية، قبل ان تسحبه الادارة الاميركية مع اشتعال الحرب الأهلية في العام 2011.

وحتى العام 2014، ظل فورد ضمن فريق العمل المختص بالأزمة السورية في وزارة الخارجية، قبل ان يترك منصبه، حين شعر، كما يقول، بالاحباط ازاء تردد الادارة الاميركية في توفير الدعم للمعارضة السورية.

وفي حديث إلى مجلة «نيويوركر»، يقول فورد إن وزارة الخارجية الأميركية تشهد حالة من الإحباط الشديد بسبب السياسة التي تتّبعها واشنطن في سوريا، لا سيّما مع انهيار المساعي لإيجاد حلّ سياسي من شأنه أن يؤدي إلى وقف الأعمال العسكرية.

ويرى فورد انه «في ظل اكتفاء الجانب الأميركي بدور المتفرّج على الأحداث المتصاعدة سورياً، فإنّ من المتوقع ان تستمر السياسة الأميركية في إخفاقاتها في ايجاد الحلول مستقبلاً».

وبحسب فورد، فإنّ الديبلوماسيين المُوقّعين على الرسالة يرون ان ثمة حاجة إلى «إعادة النظر في التكتيكات المتّبعة في عملية الضغط على الحكومة السورية للوصول إلى حلّ سياسي يُنهي الحرب»، وتحديداً بعد الدروس التي استقاها الأميركيون من غزو العراق، وابرزها أن «تغيير النظام ليس الطريقة الفضلى لتحقيق تغيير سياسي إيجابي».

ومع ذلك، لا يعقد فورد آمالاً كبيرة على أن تُحقق رسالة الديبلوماسيين تغييراً يُذكر في السياسات الأميركية، خصوصاً أن الرئيس اوباما ونائب مستشار الأمن القومي الأميركي بن رودس «ليسا مستعدين لإعادة التفكير في سياستهما تجاه الأزمة».

وبناء على المعطيات الحالية للأزمة السورية، يشدد فورد على ضرورة العمل من اجل استئناف المفاوضات السياسية، بحيث تفضي إلى تشكيل حكومة جديدة مع الالتزام بـ«الصبر الاستراتيجي» في مواجهة تنظيم «داعش».

وفي مقال نشره موقع «دايلي بيست» الأميركي، يرى فورد ان الديبلوماسيين الموقعين على العريضة لا يطالبون بتغيير النظام القائم في دمشق، ولا يقولون بضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، باعتبار ان خطوة كهذه إنما تتقرر في إطار المفاوضات «الصعبة» بين السوريين.

ويشير فورد إلى وجود جناح يعارض زيادة التدخل العسكري، وهو يعتبر أن العريضة الديبلوماسية لا تعدو كونها وصفة لتكرار أحداث العراق في العام 2003، وليبيا في العام 2011، حيث أدى التدخل العسكري المباشر الى سقوط نظامين، وحلول فوضى لم تصل الى خواتيمها بعد.

ويعزز فورد دفاعه عن الرسالة الديبلوماسية بالإشارة إلى ما أطلقت عليه تسمية «المجموعات العربية السنية»، وهي تؤكد أن احتواء المتشددين من تنظيم «داعش» والنصرة» لن يكون ممكناً إذا لم تعمد تلك المجموعات الى القتال ضدهم، وبالتالي فإن العمليات العسكرية الأميركية لن تتوقف أبداً.

كلام فورد يلاقيه المحلل السياسي في شركة «ويكي سترات» للاستشارات الجيو ـ استراتيجية دانييل دوبيتريس، في مقال نشره في مجلة «ذا ناشيونال انترست» للسياسات الخارجية، ويقول فيه إن الرسالة الديبلوماسية إنما جاءت رداً على «خرق انتهاكات النظام الفاضحة لاتفاق وقف الأعمال العدائية»، مشيراً إلى أن قصف الأميركيين لمواقع الجيش السوري «من شأنه أن يرفع من كلفة الخسائر لدى النظام السوري وبالتالي تعزيز احتمالات تطبيق اتفاق وقف اطلاق بشكل حقيقي ويؤدي إلى عملية ديبلوماسية أكثر جدية، تقودها الولايات المتحدة».

ويوضح دوبيتريس أن «الالتزام بوقف إطلاق النار من شأنه أن ينشط العملية السياسية حتى نضوجها، في الوقت الذي نضغط فيه من أجل تشكيل هيئة حكومية انتقالية تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة تمكنها من البدء بإعادة بناء سوريا والمجتمع السوري، بمساعدة المجتمع الدولي».

ويدعو المحلل الأميركي البيت الأبيض لإعادة النظر باستراتيجيته القائمة، فـ «روسيا تتابع سحق الجماعات المسلحة بذريعة قتال الإسلام المتطرف، وهي بهذا تستهدف العديد من الجماعات التي دعمتها ودربتها وسلحتها الاستخبارات الأميركية (سي آي أي) ووزارة الدفاع».

ويضيف أنه «إذا كان هناك من أمر تتعلمه واشنطن من الأشهر العشرة الماضية، فهو أن موسكو لا تريد السلام العادل في سوريا، بل تريد سلاماً يتفق مع مصالحها على حساب الشعب السوري.

على المقلب الآخر، يطرح مدير ومحلل الأخبار في «مركز ويليام لويد غاريسون» طوماس كناب سؤالاً للديبلوماسيين الأميركيين: «متى ستتعلمون؟»

ويعتبر كناب أن التدخلات العسكرية الأميركية في الخارج لم تأتِ إلا بالأسوأ. ويرى ان ما ذهبت إليه الرسالة الديبلوماسية بتبرير التدخل في سوريا بذريعة «الاستخدام الحكيم» لن يأتي بنتائجه المرجوة، وقد أثبتت تلك الذريعة خلال 25 عاماً من التدخلات في الشرق الأوسط وجنوب آسيا عدم صوابيتها.

ويؤكد أن تلك التدخلات جاءت بنتائج مغايرة لما هو متوقع، ويشير إلى تدخل القوات الأميركية في حرب الخليج الأولى، والذي بدل أن يذهب بالأنظمة إلى مزيد من الانفتاح نحو العولمة، أدى إلى انتشار تنظيم «القاعدة» في العالم أجمع، في حين أن غزو العراق، وقبله أفغانستان، أبقى الجراح مفتوحة في تلك البلاد، وزاد النقمة على الولايات المتحدة. وبرأيه فإنّ التدخلات الأميركية في ليبيا وسوريا وأماكن أخرى لم تنجح بمعالجة المشاكل فيها بل زادت من وتيرتها.

ويشير كناب إلى أن استراتيجية «الاستخدام الحكيم» للقوات الأميركية فشلت في إرساء السلام والديموقراطية أو الاستقرار: «هي فشلت في السابق، وكان لها أثر عكسي، ولن تنجح الآن».

ويؤكد كناب أن الإدارة الأميركية ليست مدعوة الى المزيد من المشاركة العسكرية في الخارج، أو الاستمرار في سياستها القائمة على دعم الإسلاميين «الأخيار ضد الأشرار» في سوريا، لكنها مدعوة الى استكمال سحب قواتها من الشرق الاوسط، تلافياً لمزيد من الغوص في الهوة التي أحدثتها من خلال سياستها الخارجية.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى