فساتين الأميرة عزّة!
آخر الفساتين التي ارتدتها الأميرة عزّة، كان أبيض اللون خفّت نصاعته قليلا لأن ثمة رسومات سوداء سرقت روح البياض الذي فيه. زينت الفستان ورود خضراء وبعض أزهار سوداء، وعندما شاهد سكان المدينة الأميرة تجلس في عربتها والحصان يخب بحوافره مستعجلا على أرض الطريق المستقيم في قلب دمشق اندهشوا، فليس في البلاد أزهار سوداء، وخمّن بعضهم أن القماش جاءها من الصين، فهناك يمكن أن يرى الناس أزهارا بهذا اللون !
لم تكن الورود السوداء تخطر على بال الأميرة، عندما قررت إقامة مملكة الفساتين التي حكى عنها البديري الحلاق لزبائنه ذات يوم أنها كثيرة وجميلة ومختلفة الأنواع والألوان .. وقال البديري الحلاق بعد أن وصفها بأميرة تليق بمدينة مثل الشام :
ــ إن أثوابها تصلح لسوق كامل يمكن أن يشغل دار الوالي كله !
ومنذ ذلك اليوم صار الناس يسمونها الأميرة، لكن عزّة ، كانت تحلم بأكثر من أميرة على مدينة البساتين والأزهار!
عندما ارتدت ثوبها المزين بأزهار سوداء، كانت عزّة ، تعيش آخر نوبات اليأس التي حلت بها في الشهور الأخيرة، وجعلها تشكوا تعبا دائما، وقلقا وترى كوابيس وأحلاما متناقضة، وتتململ كلما تحدّث آخرون عن حال المدينة والناس ..
وفي محاولة من أمها للتخفيف عنها فكرّت أمها بزواجها مرة ثانية، لعلها تنسى تجربتها المرة مع ابن الوالي السابق، وتخرج من السأم الذي وقعت فيه..
عرف سكان المدينة الأميرة عزّة كفتاة ساحرة تزينها الفساتين دون أن يعرفوا جمال روحها التي كانت تذبل مع تقدم الزمن، فكانوا يحكون عنها الكثير إلاّ أن أحاديثهم تتجمع أخيرا عند ألوان الفساتين وتصاميمها، وكان لكل ثوب من أثوابها حكاية ..
هناك ثوب أخضر رسمت على جنباته أزهار المارغريت البيضاء، وعزّة تسميها أزهار البابونج، لأن المارغريت كما تقول: هو زهر البابونج نفسه، وقد أخذته الساحرات من سفح جبل قاسيون إلى بلاد الغرب..
وهناك ثوب أزرق سماوي رسمِ عليه زهرُ النار ألق احمراره ، فبدت أزهاره أكثر إثارة مما لو لو كان الفستان مطليا بدم الغزال، وفي خزانة الأميرة فستان بنفسجي مطرز بحبات صغيرة من الفيروز ، وآخر مصبوغ بلون عباءات الوالي المشمشية التي توشيها خيوط الذهب، و ثالث بلون الفستق الحلبي، ورابع بلون كحلي تكسره زهرة بيضاء تشبه الياسمينة المرسومة من جهة القلب، وهكذا…
كانت الفساتين تزداد، وكانت الألوان تختلط ببعضها بعضا حتى يخال الناظر إليها أنها صورة من مواسم الربيع في بساتين هشام بن عبد الملك التي نقلها إلى الرصافة بعد أن أصاب الطاعون مدينة دمشق!
أما حكاية فستانها الأصفر، فقد تناقلتها النسوة باهتمام بالغ لأن كثيرات منهن لايعرفن الاقحوان، فاللون الذي اختارته الأميرة عزة هو لون الاقحوان، واحتار بائعو القماش في تحديد اللون، لأن للأقحوان ألوانا عدة من بينها الأصفر الليموني، وانتقى أحد التجار قطعة قماش صفراء عليها نقط سوداء ودوائر من اللون الأخضر أوحت في مجموعها بجناحي فراشة سحرية ، وسريعا وافقت الأميرة على لون القماش وصوره وهي تردد : ليس لون الاقحوان ، لكنه يلبق لي !
وعندما ارتدته، غدت نضرة صغيرة العمر، فلم تخف أن هذا الفستان جعلها أصغر مما هي في واقع الأمر!
سئمت عزّة من كل شيء حولها، حتى إنها طردت وصيفتها فلّة، التي انتقتها من بين كثيرات بسبب اسمها، وكانت طلبت منها أن تراقب لها ألوان الفساتين وتناسقها مع جسدها، فغرقت فلّة في مهمتها إلى أن وقعت في عشق الأميرة الجميلة، فطردتها عزّة، وقالت:
ــ إن فلّة صارت ذئبة تنظر إلى جسدي بعينين مخيفتين..
زاد السأم في إضعافها، إلى أن أقنعتها أمها بالزواج :
ــ اسمعي ياعزّة .. تزوجي فتنسين زوجك الأول ابن الوالي وتنجبين أطفالا طيبين، وتعيشين مثل باقي الناس !
ورغم أنها تخاف تكرار تجربة ابن الوالي الذي أعطاها الكثير من الذهب، فقد وافقت على فكرة الزواج مستسلمة إلى قدر لابد منه، وشرعت المدينة تنتظر اختيار الأميرة عزة لفارس أحلامها ..
انتشر الخبر سريعا، وتدافع الراغبون فيها، فكان بينهم الفرسان والتجار والصناع والعسكر وأمراء جاؤوا من بعيد ..
لم تأبه الأميرة لكل هؤلاء، وانتظر كثيرون معرفة من تختار، لكن الأميرة عزّة لم تختر أحدا منهم.. كل ما في الأمر، أنها استيقظت ذات صباح، وارتدت ثوبها الأصفر الذي يشبه أجنحة الفراشة، وأخبرت أمها همسا :
ــ أمي لقد انتهى الأمر، فقد اخترت زوجي .. سأتزوج من خيّاط الفساتين!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة :
هذه الحكاية الشامية روتها أمي لي بتفاصيل أخرى، وهي تقول : لاتتزوج زواج الأميرة عزة..