دراسات

“فسيفساء عريقة” استغلها الأسد لتثبيت أركان حكمه.. ما هي الطوائف الدينية والعرقية في سوريا؟

لطالما نُظر إلى سوريا كلوحة فسيفساء تجمع بين تنوع عرقي وديني فريد يعكس عمقها التاريخي وحيويتها كمهد للعديد من الحضارات. فمنذ القدم، كانت هذه الأرض شاهدة على آثار الإنسان الأولى، ما جعلها من أقدم المناطق المأهولة في العالم.

 

جذبت سوريا أنظار الإمبراطوريات الكبرى عبر التاريخ، بدءاً من الفينيقيين والآشوريين إلى الإغريق والفرس والرومان والفراعنة، فكانت مسرحاً لمواجهات كبرى أثرت على مجرى التاريخ. ومع الفتح الإسلامي عام 636، أصبحت سوريا نقطة ارتكاز لتحولات كبرى في المنطقة، وواجهت الغزوات المغولية والحملات الصليبية.

انعكس هذا الإرث العريق في سوريا، إذ أضاف إلى غنى تركيبتها السكانية وتنوعها الديني. فاليوم، تضم سوريا طوائف متعددة تشمل المسلمين السنة، المسلمين الشيعة (منهم العلويون والإسماعيليون)، المسيحيين بمذاهبهم المختلفة، الدروز، الأكراد، والشركس، إلى جانب اللاجئين الفلسطينيين وأبنائهم الذين أصبحوا جزءاً من النسيج المجتمعي.

لكن منذ سبعينيات القرن العشرين، شهدت سوريا تحولاً جذرياً في مبدأ التعايش الذي قامت عليه، حيث تبنّى النظام سياسات ديموغرافية لإحلال طوائف مكان أخرى، بهدف تثبيت حكمه وتغيير هوية بلد بأكمله لتتناسب مع هوية عائلته. في هذا التقرير، نستعرض الطوائف الدينية والعرقية التي تشكل النسيج الفريد للهوية السورية، ونتناول كيف أثرت هذه السياسات على العلاقات بين مكونات المجتمع السوري، وعلى مسار البلاد بشكل عام.

عدد  السكان والتركيبة السكانية في سوريا

وفقًا لتقرير صادر عن المكتب المركزي للإحصاء الحكومي في سوريا بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان في عام 2023، بلغ عدد سكان سوريا في منتصف عام 2010 حوالي 20.6 مليون نسمة. وكان من المتوقع، وفق معدلات النمو السكاني الطبيعية، أن يصل هذا العدد إلى نحو 26.3 مليون نسمة بحلول منتصف عام 2020، لولا اندلاع الثورة في عام 2011 وما تبعها من تغييرات ديموغرافية جذرية.

لذلك، فإن الحصول على بيانات دقيقة عن عدد السكان حالياً يُعد تحدياً كبيراً. رغم ذلك، تشير بعض التقديرات، مثل مركز جسور للدراسات، إلى أن عدد السوريين في عام 2023 بلغ تقريباً 26.7 مليون نسمة. قبل سقوط نظام الأسد، توزّع السكان بين مناطق سيطرة المعارضة بـ 4.3 ملايين نسمة، ومناطق سيطرة قوات قسد بـ 2.6 مليون، ومناطق سيطرة النظام بـ 9.6 ملايين، بينما يعيش حوالي 9 ملايين خارج البلاد، إضافة إلى نحو 897 ألف شخص بين قتيل ومفقود.

الطوائف الدينية والعرقية في سوريا

يشكّل المسلمون السنّة غالبية السكان في البلاد. وعلى الرغم من أن إحصاءات السكان الرسمية لا تشمل الدين أو العرق، إلا أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية لعام 2022 يُشير إلى أن 74% من السكان هم من الطائفة السنية التي تتنوع أعراقها بين العرب الأكثرية، والأكراد، والشركس، والشيشان، وبعض التركمان.

أغلبية مسلمة

السنة

ويتوزع السنّة في معظم المدن والقرى السورية، مع كثافة ملحوظة في المحافظات الرئيسية (دمشق، حمص، حماة، حلب، الرقة، درعا).

لكن أشارت عدة تقارير إلى أن الحرب غيّرت طبيعة التركيبة السكانية للبلاد بشكل كبير، فلم يعد العرب السنّة يمثلون سوى نصف السكان بعد أن كانوا الأغلبية، إذ تشير هذه التقارير إلى تلاعب نظام الأسد في تركيبة البلاد لتحويل سوريا إلى بلد من الأقليات الإثنية والمذهبية بقيادة الأقلية العلوية.

في أوائل عام 2016، صاغ بشار الأسد مصطلح “سوريا المفيدة”، مشيراً إلى مناطق تضم ست محافظات: دمشق، ريف دمشق، حمص، حماة، اللاذقية، وطرطوس. ووفقاً لفيلم وثائقي لشبكة الجزيرة بعنوان “حرب الديموغرافيا في سوريا”، بدأ النظام، بعد صياغة هذا المفهوم، في تنفيذ عمليات ترحيل ممنهجة استهدفت مدناً بأكملها، مع التركيز على المناطق ذات الأغلبية السنية، لتغيير تركيبتها السكانية بما يخدم أهدافه السياسية والديموغرافية.

ذكر الفيلم أيضاً أن حافظ الأسد، منذ وصوله إلى السلطة في سوريا، تبنى سياسة “التلاعب الديموغرافي” لضمان إحكام قبضته على الحكم وترسيخه لعائلته. سعى الأسد إلى تقديم نفسه كممثل للأقليات في مواجهة الأغلبية السنية، وهو ما انعكس في استبعاد السنة بشكل ممنهج من المناصب الحساسة، خاصةً في الأجهزة الأمنية والعسكرية. بل إن بعض التقارير أشارت إلى أن معظم قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة السورية في عهده كانوا من الأقليات، وخاصةً من الطائفة العلوية، مما عزز هيمنة النظام على مفاصل الدولة عبر استراتيجية لإضعاف نفوذ الأغلبية السنية.

بطبيعة الحال، انطلقت أولى المظاهرات الشعبية السلمية في المدن ذات الأغلبية السنية، مثل درعا وحمص وحماة، حيث شعر العديد من سكانها بالتهميش السياسي والاجتماعي تحت حكم النظام الذي اعتمد بشكل كبير على تأجيج الطائفية لتفتيت المجتمع السوري. ومع تصاعد الحراك المعارض، أصبحت هذه المناطق السنية القاعدة الشعبية الأساسية للثورة، وسرعان ما تحولت إلى مراكز رئيسية للصراع مع تصاعد العنف واشتداد المواجهات بين المعارضة والنظام.

الطوائف الدينية والعرقية في سوريا

العلوية

إلى جانب المسلمين السنة، تضم سوريا مجموعات إسلامية أخرى تشمل العلويين، الإسماعيليين، وطوائف شيعية أخرى، ويُقدّر مجموع نسبتهم بحوالي 14% من السكان. ووفقًا للمجموعة الدولية لحقوق الأقليات، تشكل الطائفة العلوية، الذي ينتمي إليهم النظام السابق، حوالي 12% من سكان البلاد، فيما تبلغ نسبة الإسماعيليين و باقي الشيعة قرابة 2%.

ويعتبر العلويون السوريون جزءاً من فئة العلويين العرب الذين يبلغ تعدادهم حوالي 4 ملايين نسمة، يعيش أغلبهم في منطقة تمتد بشكل هلالي على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط من شمال لبنان إلى سهول كيليكيا في تركيا.

والعلويون السوريون هم أكبر فئة بين العلويين العرب، إذ وصل عددهم في سوريا إلى حوالي 3 ملايين نسمة، بحسب أرقام سابقة للنظام السوري في عام 2016، ولا تتوفر معلومات حديثة بهذا الخصوص.

وتتوزع الطائفة العلوية إلى 4 عشائر رئيسية، هي: الخياطين، والمتاورة، والحدادين، والكلبية التي تنتمي لها عائلة الأسد.

رغم الغموض الذي يحيط بعقائد وشعائر الطائفة العلوية، حيث لا يُسمح حتى لأبناء الطائفة بالاطلاع عليها إلا بعد استيفاء شروط معينة، كشفت بعض الكتب النادرة التي ألفها علويون سابقون أن المعتقدات العلوية تمزج بين عناصر من مذاهب وديانات مختلفة. وتشمل هذه المعتقدات الإيمان بتناسخ الأرواح ورفع علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى مرتبة الألوهية، فيما تشير كلمة “علوي” إلى التبعية لعلي.

و يرى بعض المختصين في تاريخ الحركات الإسلامية، أن التاريخ العلوي يبدأ  بمحمد بن نُصير، الذي ولد في عام 833م أو 873م في العراق، في منتصف القرن التاسع الميلادي والثالث الهجري، حين أصبح ابن نصير جزءا من حركة غلاة الشيعة التي نشأت في القرن الثامن الميلادي في مدينة الكوفة بالعراق.

وبحسب ما تنشره منصات شيعية اثنا عشرية، فالعلوية، شيعة إمامية جعفرية، يعتقدون بـ”الأئمة المعصومين الاثني عشر”، كما في المذهب الجعفري.

وفقاً للمصادر التاريخية، بقيت الطائفة العلوية هامشية وقريبة من الاندثار بعد وفاة ابن نصير، إلى أن ظهر أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي حوالي عام 926م في منطقة جنبلا جنوب العراق. ومن ثم كان هروبه إلى سوريا بداية تشكل هوية الطائفة العلوية.

في سوريا، شهد العلويون عصرهم الذهبي في ظل الدولة الحمدانية في حلب، وامتد ملكها حتى منطقة اللاذقية على الساحل السوري. ثم تكيفوا مع سقوطها بفضل علاقاتهم الجيدة مع البيزنطيين. إلا أن وصول السلاجقة عام 1070م وانتصارهم على البيزنطيين في ملاذكرد عام 1071م أجبرهم على اللجوء إلى الجبال الساحلية، وشكّل هذا الهروب حدثاً فارقاً في تاريخهم.

ومع الحملة الصليبية الأولى عام 1097م، تنفس العلويون الصعداء مجدداً، حيث عزلهم احتلال الصليبيين للمناطق المحيطة بجبالهم عن السنة، مما سمح بتطوير مجتمعهم الخاص. لكن في القرن الثاني عشر، اصطدموا بالطائفة الإسماعيلية النزارية، وظل التنافس بينهما على السيطرة على الجبال حتى زوال الإسماعيليين على يد المماليك.

فأصبحت الجبال تحت سيطرة العلويين الذين عززوا انعزالهم، خاصة بعد سيطرة المماليك على الساحل في القرن الثالث عشر. لاحقًا، اعتبر العثمانيون العلويين هراطقة، وأبقوا عليهم فقط لجمع الضرائب.

في حرب القرم، برز إسماعيل بن عثمان كزعيم علوي مسيطر في منطقة صافيتا، مما دفع العثمانيين لتعيينه “مشيرًا” على الجبال الساحلية بعد فشلهم في إخضاعه. في عام 1922، حصلت فرنسا على تفويض رسمي من عصبة الأمم للإشراف على التعليم والتطوير السياسي للولايات العثمانية السابقة في سوريا، وبموجبه أنشأوا للعلويين دولتهم الأولى التي شملت الجبال والمدن الساحلية الكبرى كطرطوس واللاذقية.

وعندما نالت سوريا استقلالها عن الانتداب الفرنسي عام 1948، كان زعماء الدولة العلوية قد وافقوا على انضمام الدولة العلوية إلى سوريا الموحدة. وبدأوا، لأول مرة منذ 10 قرون، النزول من الجبال الساحلية جماعاتٍ، للبحث عن فرص جديدة وحياة أفضل.

برز في تلك الفترة أكرم الحوراني، السياسي السني من حماة، الذي ساهم حزبه العربي الاشتراكي في دعم حقوق الفلاحين من جميع الطوائف، مما أتاح لجيل جديد من العلويين فرصة الارتقاء الاجتماعي.

لعب وهيب الغانم، الطبيب العلوي من اللاذقية، دورًا بارزًا في جذب العلويين لحزب البعث، ومن بينهم حافظ الأسد، الذي اختار البعث على حزب “إصلاح الريف العلوي” الطائفي. في عام 1954، بعد سقوط نظام أديب الشيشكلي، أصبح البعث قوة سياسية مؤثرة، ودعا لاحقًا للوحدة مع مصر، رغم أن حل الأحزاب كان شرطًا للوحدة التي فشلت لاحقًا.

عاد البعث للعمل في السر بعد حله، وشكّل أعضاؤه نواة لعودته إلى الساحة. وفي 8 مارس 1963، استولى ضباط بعثيون، بقيادة محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد، على السلطة عبر انقلاب عسكري.

في النصف الثاني من عام 1965، انقسم الانقلابيون على أنفسهم بين كتلتين: رئيس البلاد ورئيس المجلس العسكري ووزير الدفاع والداخلية أمين الحافظ ومن حوله الضباط السنة، ومعهم محمد عمران، في مواجهة صلاح جديد وحافظ الأسد العلوييْن، وهو صراع حسمه انقلاب 23 فبراير/شباط 1966، بقيادة جديد والأسد، ومعهما الدرزي سليم حاطوم، الذي تم تهميشه هو الآخر.

وما إن تخلصت اللجنة العسكرية من الطوائف الأخرى، أصبحت الطائفة العلوية سيدة المشهد السوري.

بعد صعود عائلة الأسد العلوية إلى سدة الحكم، تغيرت الموازين مجدداً؛ فبعد انقلاب آخر عام 1970 بقيادة حافظ الأسد وتصفية القيادات العلوية الأخرى، اختزل حافظ الأسد الطائفة في أسرته، فأصبح هو وأقرباؤه حكام سوريا الفعليين.

بحكم انتماء بشار الأسد إلى الطائفة العلوية، وقف العديد من العلويين إلى جانب النظام مع اندلاع الثورة عام 2011، خشية انتقام طائفي في حال سقوطه. ومع ذلك، ظهرت أصوات معارضة داخل الطائفة، إذ لم تكن رئاسة عائلة الأسد مرضية لجميع أطيافها.

مع مرور الوقت، كشفت الثورة عن وجود معارضة داخل الطائفة العلوية كانت مختبئة. ففي عام 2011، انطلقت مظاهرات شعبية معارضة في المناطق الساحلية، بدأت في مدينة بانياس أواخر آذار/مارس، ثم امتدت إلى أحياء الصليبة والرمل الجنوبي في اللاذقية وريفها الشمالي. كما شهدت مدينة طرطوس مظاهرات رفعت شعارات تطالب بإسقاط النظام. ورغم أن هذه التحركات تركزت بشكل أساسي في المناطق ذات الأغلبية السنية، إلا أن عشرات العلويين شاركوا فيها، وفقاً لما أفاد به ناشطون.

الطوائف الدينية والعرقية في سوريا

حاول معارضون علويون سابقون كسر الجمود الذي هيمن على الطائفة، وسعوا لتأسيس حركات ثورية في الساحل السوري. لكن هذه المحاولات قوبلت بالقمع الشديد من نظام الأسد وأجهزته الأمنية. من بين المبادرات التي برزت في هذا السياق حركة “نحل الساحل”، التي تعرض أفرادها للموت تحت التعذيب، بينما اضطر آخرون إلى الهرب بحثاً عن الأمان.

المرشدية

تُعد المرشدية طائفة دينية صغيرة في سوريا، ينتشر أفرادها في القرى المرتفعة بريف اللاذقية وبعض مناطق ريف حماة الغربي وحمص. تعود جذور المرشدية إلى انشقاق عن الطائفة العلوية في الربع الأول من القرن العشرين، ويعتبر سلمان المرشد، ابن قرية جوبة برغال، مرجعها الروحي.

وبحسب تقرير لموقع الجزيرة نت، اختارت الطائفة الانغلاق والتقية لتجنب غضب الطائفة العلوية عقب انشقاقها، ورغم ذلك تعرضت لغارات متفرقة من العلويين أسفرت عن خسائر كبيرة في صفوفها. أُعدم مؤسس الطائفة، سلمان المرشد، عام 1946 في عهد الرئيس شكري القوتلي، بتهمة ادعاء الألوهية وارتكاب جرائم.

ورغم “ميولها السلمية والانعزالية”، لم تستطع المرشدية الابتعاد عن الأحداث السياسية. في مطلع الثمانينيات، استُخدمت الطائفة من قبل حافظ الأسد كأداة في حرب النظام ضد الإخوان المسلمين، وفق شهادات.

حيث استقطب رفعت الأسد بعض أفراد الطائفة للعمل ضمن سرايا الدفاع، التي باتت تُعرف لاحقاً بالفرقة الرابعة، والتي تحولت من جيش موازٍ لحماية أسرة الأسد إلى ميليشيا استعبدت السوريين وتربحت من تجارة المخدرات.

ورغم ذلك، تم اضطهاد المرشديين من قِبل حافظ الأسد، حيث حُرموا من المناصب القيادية ومُنع ضباطهم من تقلد الرتب العليا، عقاباً لهم على مساندتهم شقيقه رفعت أثناء محاولة انقلابه.

وهو نفس المشهد الذي تكرر مع ابنه بشار عند اندلاع الثورة. فبحسب تقرير الجزيرة، أرغمت أجهزة مخابرات الأسد شباب الطائفة على الاشتراك في قمع المتظاهرين وقتلهم من خلال تهديدهم بالاعتقال وتركهم لقمة سائغة للثوار، وفقاً لمصادر.

ورغم غياب الأرقام الدقيقة حول أعداد أفراد الطائفة المرشدية، إلا أن المؤرخ السوري الراحل عبد الله حنا، صاحب كتاب “المرشدية في محيطها العلوي وأجواؤها السياسية والاجتماعية 1923-1946″، يقدّر اليوم عدد المرشديين بحدود 300–500 ألف مرشدي.

الإسماعيلية

تُعتبر سوريا المركز الرئيسي للطائفة الإسماعيلية النزارية في الشرق الأوسط، الذين يُعدّون الجماعة الشيعية الرئيسية الثانية بعد الاثني عشرية.

يشترك الإسماعيليون مع عموم المسلمين في الإيمان بوحدانية الله ونبوة محمد ونزول القرآن، كما يتفقون مع الشيعة في مبدأ الإمامة. إلا أنهم يختلفون في تسميات الأئمة وفي تفسير النصوص، إذ يرون أن القرآن يحمل تأويلاً باطنياً عميقاً إلى جانب تأويله الظاهري. لهذا السبب أُطلق عليهم لقب “الباطنية” من قِبل السنة والشيعة الاثني عشرية.

ووفقًا لتقرير لـ BBC، يبلغ عدد الإسماعيليين في سوريا نحو 250 ألف نسمة، ما يمثل حوالي 1% من إجمالي السكان. يتركز وجودهم في مدينة السلمية، الواقعة على بُعد 30 كم شرق حماة، بالإضافة إلى توزيعهم في عدد من المدن والقرى المحيطة مثل مصياف، القدموس، ونهر الخوابي.

الدروز

أما الدروز، الذين يُشيرون إلى أنفسهم باسم “الموحدون”، أي المؤمنون بتوحيد الإله، فيشكلون حوالي 3% من سكان سوريا، أي ما يقارب 700 ألف نسمة.

يُعتقد أن الطائفة الدرزية انشقت عن الإسماعيلية خلال العصر الفاطمي في القرن العاشر، لكن عقيدتها تطورت بشكل مستقل، مما أثار جدلاً حول كونها جزءاً من الإسلام أو ديناً قائماً بذاته. يتميز المجتمع الدرزي بالسرية في معتقداته، ويعتبر بعض الدروز أنفسهم مسلمين، رغم تأثر عقيدتهم بفلسفات وأديان أخرى مثل الغنوصية والأفلاطونية المُحدثة.

يمتد تاريخ الدروز في سوريا إلى ألف عام، ولعبوا دوراً بارزاً في مقاومة الاحتلال الفرنسي، إذ رفضوا إقامة دولة درزية وأشعلوا ثورة سوريا الكبرى بقيادة القائد الدرزي سلطان الأطرش عام 1925.

يتذكر السوريون الثورة الدرزية كأول انتفاضة قومية في تاريخ البلاد، والتي كرست دور الدروز كفاعلين سياسيين بارزين لعقود. وقد أسهمت ثورة درزية أخرى في الإطاحة بحكومة الرئيس أديب الشيشكلي عام 1954، وكان نجل سلطان الأطرش، منصور الأطرش، أحد الأعضاء المؤسسين لحزب البعث السوري. ثم شغل منصب رئيس البرلمان لفترة وجيزة عام 1965، قبل أن يتم اعتقاله عام 1966.

ويتركز وجود الدروز في مدن السويداء، صلخد، شهبا، والقريا في جبل العرب، بالإضافة إلى جرمانا قرب دمشق ومجدل شمس في الجولان السوري المحتل، حيث يعيش نحو 23 ألف درزي سوري إلى جانب حوالي 25 ألف مستوطن إسرائيلي في مستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي.

وفقاً لتقرير للإندبندنت، احتفظت الطائفة الدرزية في السويداء وبعض المناطق الأخرى بتوازن هش بين الولاء للنظام والحفاظ على خصوصيتها الثقافية وهويتها المستقلة، وهو ما جعلها في موقع حساس منذ اندلاع الثورة عام 2011. مع تراجع سيطرة النظام، شهدت السويداء توترات متزايدة بسبب رفض التجنيد الإجباري ورفع مشايخ الدروز شعار “دم السوري على السوري حرام”، مما أثار غضب النظام وزاد الضغوط الأمنية.

تشكلت مجموعات محلية مسلحة مثل “قوات الفهد” و”حركة رجال الكرامة” للدفاع عن السويداء، خاصةً بعد هجمات “داعش” العنيفة، وأبرزها هجوم 2018 الذي أودى بحياة مئات المدنيين. كما حاولت إيران تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال دعم ميليشيات محلية، لكن رفض الدروز للتجنيد الإيراني عرقل هذه المحاولات، في حين راقبت إسرائيل التطورات ونفذت ضربات جوية استهدفت مواقع إيرانية دون تدخل مباشر.

مع استمرار التوترات، أخذت الاحتجاجات ضد النظام طابعاً سياسياً منظماً في أغسطس/آب 2023، حيث رفع المتظاهرون شعارات تطالب بإسقاط النظام وبناء دولة وطنية ديمقراطية. وبعد سقوط النظام، أكد ممثلو الطائفة الدرزية في اجتماع جمعهم بأحمد الشرع، القائد العام للإدارة السورية الجديدة، التزامهم بوحدة سوريا، وأنهم لن يكونوا إلا جزءاً من سوريا الموحدة.

المسيحيون

كانت سوريا مركزًا حضاريًا بارزًا للديانة المسيحية، وتزخر بالعشرات من الكنائس والأديرة التي تشهد على هذا الإرث. ينتمي معظم المسيحيين السوريين إلى الكنائس الأرثوذكسية المستقلة، مثل “كنيسة السريان الأرثوذكسية”، أو إلى الكنائس الكاثوليكية الشرقية، مثل “الكنيسة المارونية”، أو كنيسة “المشرق الآشورية” و”الكنائس النسطورية” المستقلة.

مع اندلاع الحرب في عام 2011، تأثرت المجتمعات المسيحية بشدة. فقد كان عدد المسيحيين في سوريا يُقدّر بنحو 2.2 مليون نسمة، لكنه انخفض بشكل كبير إلى حوالي 677 ألفاً بحلول عام 2021، وفقًا لمؤشر اضطهاد المسيحيين الصادر عن منظمة “أوبن دورز” غير الحكومية.

وكان العنصر المسيحي حاضراً في تشكيل الجمهورية العربية السورية، فقد قاد ميشيل لطف الله، السياسي ورجل الأعمال السوري، المفاوضات من أجل استقلال سوريا وشارك في مؤتمر باريس لعام 1919. كما برز فارس الخوري، القيادي المسيحي المعروف، الذي قاد الحركات الوطنية السورية وشغل منصب رئيس وزراء البلاد.

وكان للكنيسة دور مجتمعي نشط أيضاً. أثناء مجاعة الشام الشهيرة بين عامي 1915 و1918، قام بطريرك الكنيسة في دمشق ببيع تاجه البطريركي لشراء الطعام للسكان في المدينة. وحين سمع أحد رجال الأعمال المسلمين بأن البطريرك يعرض تاجه للبيع، قام بشرائه وأعاده إليه، ليقوم البطريرك بإعادة بيعه لإطعام المزيد من الناس، بصرف النظر عن ديانتهم.

مع استيلاء نظام الأسد على السلطة لأكثر من خمسة عقود، اتبع سياسة طائفية محسوبة ركزت على إبعاد المسيحيين عن المسلمين وتقديم نفسه كنظام تقدمي يحمي الأقليات. ووفقاً لفابريس بالانش، المتخصص في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط ومؤلف كتاب “المنطقة العلوية والسلطة السورية”، كانت هذه الاستراتيجية جزءاً من خطة مدروسة لتعزيز قبضة النظام على السلطة عبر استغلال الانقسامات الطائفية.

ووفقاً لعدة تقارير، اتسم موقف المسيحيين بالحذر مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث فضّل العديد منهم الحياد أو دعم النظام، بينما اختار آخرون الانضمام إلى المعارضة. مثل المفكر الراحل ميشيل كيلو، المعروف بنضاله ضد حكم عائلة الأسد منذ سنوات طويلة قبل الثورة، والذي يُعتبر إحدى أيقونات المعارضة السورية.

كما برز من بين النشطاء المسيحيين باسل شحادة، الذي أصبح وجهًا بارزًا للثورة. شحادة، وهو مخرج سينمائي ومهندس مسيحي سوري، تخلى عن منحة فولبرايت في الولايات المتحدة ليعود إلى سوريا، حيث انخرط في تقديم المساعدة الإنسانية وتوثيق انتهاكات النظام. قتله النظام في حمص عام 2012، ليصبح رمزاً للشباب السوري الذي ضحى بحياته دفاعاً عن حقوق الشعب السوري.

الإيزيديون

الإيزيديون، الذين ينتشرون في مناطق الحسكة وحلب وعفرين، يمثلون إحدى أقدم الطوائف الدينية في سوريا. تشير بعض المخطوطات إلى أن الإيزيدية تعود إلى نحو 3000 قبل الميلاد، كامتداد لأقدم ديانة كردية تُعرف باليزدانية، التي كانت جزءاً من مجموعة ديانات كردية قديمة مثل الزرادشتية والكاليارسانية والميترايية.

نشأت هذه الديانة في بلاد ما بين النهرين منذ آلاف السنين، متدرجة من عبادة الطبيعة إلى الوحدانية، وتختلف طقوسها ومعتقداتها عن الديانات السماوية، إذ لا يؤمن الإيزيديون بوجود أنبياء، لاعتقادهم بعدم وجود صلة مباشرة بين الخالق والمخلوق. ويتحدث الإيزيديون اللغة الكردية بشكل أساسي.

رغم غياب إحصاءات رسمية حديثة، يُقدّر “اتحاد الإيزيديين” في عفرين أن عدد الإيزيديين المتبقين فيها انخفض إلى حوالي ألفي شخص، مقارنةً بـ 50 إلى 60 ألف قبل عام 2011، وفقاً للتقديرات الأميركية. كانوا سابقاً يقطنون في حلب، إلا أنهم يتركزون اليوم بشكل كبير في شمال شرق سوريا، خاصةً في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

التنوع العرقي في سوريا

لا يقتصر التنوع في سوريا على الطوائف الدينية فقط، بل يمتد ليشمل مجموعة واسعة من الأعراق، مثل العرب، الأكراد، الأرمن، التركمان، والشركس، الذين يضيفون أبعاداً ثقافية واجتماعية غنية للنسيج السوري.

العرب والأكراد

يشكّل العرب الأغلبية الساحقة، يليهم الأكراد، الذين يُقدّر عددهم بما بين 2 و3 ملايين، وفقاً لمركز جسور للدراسات. يتركز الأكراد في الحسكة، القامشلي، عين العرب، عفرين، وأحياء في دمشق وحلب. تعرض الأكراد على مدار عقود للحرمان من حقوقهم الأساسية، حيث مُنعوا من استخدام لغتهم في التعليم والإعلام، وحُرم حوالي 300 ألف منهم من الجنسية السورية منذ الستينيات.

مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، اتخذ الأكراد موقفاً حيادياً ولم يواجهوا النظام بشكل مباشر. في منتصف عام 2012، انسحبت القوات السورية من المناطق الكردية للتركيز على قتال الثوار في مناطق أخرى، مما أتاح لتنظيمات الكردية المسلحة فرض سيطرتها على تلك المناطق.

في عام 2014، أعلن الأكراد إقامة حكومة إقليمية كردية، مستغلين الفرصة لتأسيس كيان سياسي يعبر عن طموحاتهم. هذا التغيير مهّد الطريق لتشكيل تنظيمات مسلحة في شمال وشرق سوريا، مثل الحسكة والرقة ودير الزور، التي لعبت أدواراً بارزة عسكرياً وسياسياً في السنوات التالية، خاصةً مع حصولها على دعم غربي وأمريكي.

الأرمن

معظم الأرمن يعتنقون المسيحية ولهم لغتهم الخاصة. كان تعدادهم قبل 2011 يُقدّر بحوالي 100 ألف، توزّع 60 ألفاً منهم في حلب، والبقية في الكسب، القامشلي، اليعقوبية، عين العرب، دير الزور، ودمشق. تأثرت الجالية الأرمنية بشكل كبير بالحرب، حيث لجأ أكثر من 15 ألف أرمني سوري إلى أرمينيا بحلول عام 2015، وفقاً لتقرير BBC.

الشركس

الشركس، وهم مسلمون سنّة، يعود أصلهم إلى القوقاز، ووصلوا إلى سوريا عام 1878. استقروا في ثلاث مناطق رئيسية: القنيطرة (قبل احتلال الجولان)، حلب، ودمشق، بالإضافة إلى قرى في ضواحي العاصمة.

التركمان

ينتمي التركمان إلى العرق التركي، ووصلوا إلى سوريا في القرن الحادي عشر. يتوزعون في الشمال (جبل التركمان باللاذقية)، حلب، إدلب، حمص، طرطوس، ودمشق. يُقدّر عددهم بين 1.5 و3.5 مليون، لكنهم واجهوا تهميشاً ثقافياً في ظل حكم الأسد، حيث مُنعوا من استخدام لغتهم التركمانية أو الاعتراف بهويتهم. وعند اندلاع الثورة، انخرطوا في صفوف المعارضة، وقاتلوا ضد جيش النظام.

عربي بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى