فشل السياسة الإسرائيلية تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية
عكست السياسة الإسرائيلية تجاه العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فشلاً ذريعاً في التعامل مع الأزمة، ما أدى إلى إغضاب جميع الأطراف الدولية منها، وهو ما لم تعكسه تصريحات اللوم والاستنكار والإدانة وحسب، بل تعدتها إلى التحذير والتهديد، ووصلت إلى تبني مواقف وسياسات ضد “إسرائيل”.
حرصت “إسرائيل” على إمساك العصا من الوسط، منذ انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، نظراً إلى مصالحها المتشابكة والتبادلية، مع أطراف الأزمة، فمع أن تحالفها الطبيعي مع الولايات المتحدة والغرب، دفعها إلى اتخاذ مواقف متعاطفة مع أوكرانيا، مع بدء الأزمة، إلا أنها امتنعت عن التماهي مع سياسة العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا، ورفضت الطلبات المتكررة من القيادة الأوكرانية، بتزويدها منظومات متطورة من السلاح والمعدات العسكرية، لا سيما المنظومات الدفاعية مثل منظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ.
وإزاء كل ذلك غضبت أوكرانيا، وصوّت لمصلحة مشروع القرار الفلسطيني الذي وافقت عليه اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، المعنية بإنهاء الاستعمار، والذي يطلب إلى محكمة العدل الدولية إصدار رأي قانوني، بشأن ما إذا كان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يشكل ضماً بحكم الأمر الواقع، ما استجلب ردود فعل إسرائيلية دبلوماسية استنكرت الموقف الأوكراني، واستدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية السفير الأوكراني في “تل أبيب” وقامت بتوبيخه.
في المقابل أعرب السفير الأوكراني عن خيبة الأمل من موقف “إسرائيل”، التي امتنع ممثلها عن الإدلاء بصوته في تصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة حول مسألة التعويض الروسي على أوكرانيا.
على الجانب الآخر، سعت “إسرائيل” لإقناع القيادة الروسية بأنها مارست سياسة الحياد الإيجابي عند بدء الأزمة من خلال قيامها بالوساطة بين الطرفين الروسي والأوكراني، وبعد إخفاق الوساطة اتخذت موقف الحياد السلبي، إلا أن ظهور عدد من الدلائل والمؤشرات إلى قيامها بتزويد الجانب الأوكراني معدات عسكرية، والتعاون معه في مجالات السايبر والاستخبارات، وأنظمة الإنذار المبكر، إضافة إلى الحديث عن استعداد إسرائيلي لتزويد أوكرانيا بأسلحة دفاعية، دفع القيادة الروسية إلى تحذير “إسرائيل” من تبعات الخطوة على العلاقة بين الجانبين، وأبلغتها أنها سترد إذا جرى إرسال صواريخ دفاع جوي إسرائيلية الصنع أو صواريخ اعتراضية أخرى إلى أوكرانيا، سواء على نحو مباشر أو عبر دول ثالثة.
وكان رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف قد حذّر “إسرائيل”، من إمداد أوكرانيا بالسلاح، قائلاً: “إنّ خطوة كهذه ستكون طائشة”، وذلك في إشارة إلى تسريبات نشرها الإعلام الإسرائيلي مفادها أنّ شركة صناعات أمنية إسرائيلية باعت الجيش الأوكراني منظومات مضادة للطائرات المسيّرة (anti-drone)، قادرة على اعتراض عمل طائرات مسيرة قتالية والتشويش عليها، وأشارت إلى أنه يجري بيع هذه المنظومات عن طريق بولندا، من أجل الالتفاف على الحظر الذي تفرضه “إسرائيل” على بيع أسلحة متطورة لأوكرانيا.
أغضب الموقف الإسرائيلي بالنسبة إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، روسيا، وأخسرها أوكرانيا، وخيّب آمال الولايات المتحدة والغرب، وكل ذلك من دون أن تحقق أي مصلحة لها، ومقارنة بدول إقليمية أخرى مثل إيران وتركيا، فقد حقّقت الدولتان مكاسب لهما على غير صعيد.
تمكنت إيران من تعزيز العلاقات بروسيا على جميع المستويات، لا سيما المستويان العسكريّ والاقتصاديّ، وتتهم أوساط أميركية وغربية إيران بتزويد روسيا طائرات عسكرية مسيرة، في إطار رفع مستوى التعاون العسكري بين الطرفين، وفي الجانب الاقتصادي، يشهد التعاون التجاري والاقتصادي بين روسيا وإيران نمواً مضطرداً، على الرغم من العقوبات الغربية المفروضة على البلدين، ويعتزم الطرفان إبرام اتفاقيات عدّة في قطاع النفط والغاز وموارد الطاقة.
واحتلت تركيا مكانة الوسيط المقبول بين الأطراف كافةً، وقد نجحت القيادة التركية في الجمع بين الولايات المتحدة وروسيا على طاولة مفاوضات جديدة للمرة الأولى منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، يضاف إلى نجاح أنقرة في رعاية اتفاقية “ممر الحبوب” و”تبادل الأسرى” بين طرفي الأزمة.
أخفقت “إسرائيل” في تحويل تهديدات الأزمة الدولية إلى فرص، ورأت الوساطة التي قام بها رئيس مجلس وزراء العدو الأسبق نيفتالي بينيت مع بدء الأزمة، أنها مغامرة مضحكة، من كيان يفتقر إلى أدنى معايير الوسيط، فهو قوة احتلال، يمارس كل أشكال العدوان والغطرسة على شعب أعزل، فالفاقد للشيء لا يعطيه، و”إسرائيل” تفتقد كل معاني القيم والأخلاق، التي يمكن أن تسوّقه على طرفي الأزمة، وهي لم تمارس أصلاً مثل هذا الدور سابقاً، لذلك ليس لها ثقة بقدرتها على أداء مثل هذا الدور.
وليس من رافعة ضغط إسرائيلية على روسيا وأوكرانيا، والنتيجة إخفاق في سياسة الحياد الإيجابي، تبعه إخفاق في الحفاظ على العلاقة الجيدة التي ربطت “إسرائيل” بطرفي الأزمة قبل اندلاع العمليات العسكرية، ويبدو أن مستوى العلاقة معرض ليصل إلى مستويات أدنى ، وخصوصاً مع الولايات المتحدة، والغرب، بعد تكليف بيبي نتنياهو تأليف الحكومة الإسرائيلية، إلا أن الأخير سيسعى لطرح مقاربة جديدة أكثر تفاهماً مع الجانب الروسي، على اعتبار أن الهاجس الإيراني يشكل التهديد الأخطر الذي سيعمل نتنياهو لمواجهته، حتى لو أغضب جو بايدن.
الميادين نت