أنا أصولي من عكا، حيث غادر أجدادي فلسطين عام 1948 إلى سوريا، وكان عمر والدي حينها سبعة أيام فقط. وُلدتُ وترعرعتُ في الشام، في بيتٍ يعشق فلسطين والقضية الفلسطينية. كانت جدتي تجمعني أنا وأخي قرب المدفأة في الشتاء لتحكي لنا قصصًا عن عكا، عن حياتهم هناك، عن جمال المدينة، وعن لحظة دخول اليهود واضطرارهم للهرب. كانت تحكي لنا عن تغريبة الفلسطينيين ومعاناتهم كأنها جزءٌ من ذاكرتها اليومية.
والدي كان كاتبًا وصحفيًا، عاش عمره كله يحمل قلمه دفاعًا عن فلسطين وحقوق شعبها. لم يقبل يومًا أن يستغل القضية أو يتاجر بها، بل عاش بسيطًا رغم العروض التي قُدمت له ليحصل على مناصب ومزايا. كان يرى أن غناه الحقيقي في قلمه وفكره وقضيته. كان يرفض ان يملك سيارة و يركب الباص أو يمشي في الشوارع ليبقى قريبًا من معاناة الناس.
نشأتُ في بيت يؤمن بالحرية ويعارض الاستبداد، بيت ينتقد الظلم ويدافع عن الحق. لكن طفولتي لم تكن سهلة. في المدرسة، كان الأطفال يسخرون مني لأنني فلسطينية، يقولون إنني “من المخيم” أو “لا أملك وطنًا.” وانتي ابو زنوبة ( شحاطة باصبع ) كنت أعود إلى والدي غاضبة وأقول له: “لماذا لستُ سورية؟” وكان يجيبني دائمًا: “لأنكِ صاحبة قضية، ويجب أن تفخري بذلك.”
حاولتُ عدة مرات أن أقطع الحدود وأسافر إلى لبنان، لكنني كنت أُمنع لأنني فلسطينية وأحتاج إلى موافقات أمنية. عندها أدركت أن الأنظمة العربية تتاجر بنا، تبيعنا أوهامًا، وتستغل قضيتنا لمصالحها. أدركتُ أن هناك أنظمة استبدادية تاجرت فينا وباعوا وطننا مقابل شعارات زائفة.
في بداية الثورة السورية، كنتُ في نقاش مع أحد أصدقائي، واختلفنا في الرأي، فقال لي: “اصمتي، أنتِ فلسطينية ولستِ سورية.” غضبتُ كثيرًا وصرخت: “أنا سورية أكثر منك، وأعرف معنى أن تخسر وطنًا، ولهذا لا أريد أن نخسر سوريا أيضًا!”
اليوم، وأنا أشاهد سوريا وقد تحررت من نظام الاسد ، وغزة تقاوم وتناضل، وتصل الى اتفاق سلام ووقف النار… أشعر بفخر كبير.
أنا فخورة أنني فلسطينية سورية. فخورة أنني نشأت في بيت علّمني معنى الكرامة والنضال، وأن المبادئ لا تُباع، وأن الوطن يستحق التضحية.
فلسطينية سورية… حكاية لن تنتهي.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة