فلسطين أم البدايات
طلعنا عليهم طلوع المنون فطاروا هباء وصاروا سدى
__________________________________
هل ما يزال ضياع فلسطين اسمه “النكبة” ؟
نعم ما يزال لأن وعد بلفور ما يزال العرب يسمونه وعد بلفور، رغم الـ 67 سنة التي مرت على تحول الوعد بدولة إلى دولة.
في أيار 1998 في ذكرى نصف قرن على “النكبة”، حيث احتفل الاسرائيليون باليوبيل الذهبي لقيام دولتهم ، ونحن بصدأ نكبتنا ، كتبت هذا النص، المنشور في كتاب “ضمير المتكلم” ، أستأذن بنشره مرة أخرى.
“كأننا ذاهبون إلى شهر أيار، بذاكرة نصف مفقودة ، وبأرجل تلكأ فيها تصميمها على الوقوف. وبعيون تعبت من المراثي.
شهر أيار، بمجده الجمالي في بلاد تشمست جيداً، هو شهر سام. هو أفعى تاريخ عربي تمدد شرقي البحر المتوسط، متكئاً على ماسورة بندقية صدئت تحت جثة صاحبها القتيل الشهيد أو المغدور!
شهر أيار هو بداية ذهول العربي أمام حائطه الذي انهار، وقريته التي أبيدت، وحيواناته المتروكة لسكين الغريب.
وحين ذهب الفلسطينيون الصغار إلى ما وراء المدى المجدي لرصاص اليهود…كانوا يوزعون على إخوتهم العرب، إعلاناً بخطر اليهود على القصور وعلى الأكواخ.
كان بن غوريون يضرب هواء ألفي عام، بلسانه وهو يغير اسم فلسطين بإعلان دولة إسرائيل. وعلى الرغم من كل الرصاص الذي وجهته خمسة جيوش في أيار 1948، لم يستطع أحد، حتى هذه اللحظة، وقف الصدى وامتداد الصدى لكلام أصبح دولة، ولدولة أصبحت أميراً على منطقة، ولأمير على هواه، نظم لنا شكل االعبودية، تاركاً فينا آثار الحروب الدورية، تخرّب ما تبقى من سلام حياتنا.
خمسون أياراً الآن، والحاكم العربي ، منذ لورنس وغلوب باشا، وهو يهندس موافقة الشعوب على طريقته في تحرير فلسطين. ولكي يجعل التحرير” كاملاً “… كان يبتر الزائد من المواطنين، والفائض من الألسن والمتذمر من الضمائر. وكان الطريق إلى فلسطين هو المسافة القاتلة بين حلم عودة الفلسطيني وبين موته على أيدي الأشقاء… كان الطريق يطول وكان الموت يتنوع. وكان الفلسطيني ثلاثة بنظر الإسرائيلي:
“واحد ينسى…وآخر يهاجر… وثالث نقتله”.
خمسون أياراً، وعلى رأس الجميع تتساقط سماء من حديد الواقع الذي أسسته الأساطير والمبالغات والإلغاء. والجميع… على ضفتي الشرف يحتفلون: إسرائيل بيوبيلها الذهبي، والعرب بالتكاثر، والفلسطينيون بعودة ربع الأمل.
وحين لا أحد يستطيع إلغاء هذه الحفلة الملتبسه المتعارضه … ينبغي للسؤال أن يعيد الاعتبار لسلالة الأسئلة… لسؤال الأسئلة:
“هل ذهبت فلسطين إلى الأبد” ؟
نعتقد أن لا شيء في هذا الكون يجعل بن غوريون المؤسس يرتعد في قبره، مثل احتمال الإجابة : “لا…لم تذهب “.
…لدينا خمسون سنة أخرى.
لنكن، قليلاً، صامتين في هذه المهابة الكارثية: صمت المتأمل… صمت من يرى إلى جوار القبور، مدناً تنشأ على أنقاض. وبشراً يتابعون رحلة غير قابلة للإلغاء، وأملاً ضئيلاً، ولكنه حي.
الصمت الذي أتعبته الثرثرة !