طغيان التفاهة و هجرة المبدعين :رحيل ( مبدع الفرح و الجودة ) إلياس الرحباني

 

من الصعب جداً أن تبرز أي موهبة إن كانت تعيش في وهج شمس ساطعة كشمس الرحابنة، عاصي ومنصور وفيروز . هذا كان حال إلياس الذي ظلمته شمس الرحابنة الساطعة بأن شغلت الناس عن ضياء إبداعه، ودفء فنه . لذلك يمكن أن تقول أنه كان مظلوماً بشكل نسبي لأن شهرته وتقديره لم يكونا على قدر إبداعه وفنه، وهو الذي لحن 7000 اغنية ومقطوعة فنية  وكثيرة هي أغانيه التي يظن الناس أنها للأخوين الرحباني أو فيلمون وهبة أو أو ألخ ..

عندما قال منصور الرحباني أن إلياس هو الوحيد في العالم كله الذي ألف ويؤلف جميع أنواع الموسيقى ، وهذا ما أعتبره إلياس أكبرشهادة في العالم يمكن الحصول عليها . وبالفعل فقد لحن إلياس  الأغنية الطربية  والأغنية الشعبية  والطقطوقة  والنشيد  والقصيدة والأوبريت و الإستعراض، كما ألف الموسيقى التصويرية لأفلام عربية وأجنبية، ولحن لمطربين عرب و أجانب بالعربية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية، وتميز في كل منها حتى أن محمد عبد الوهاب . عندما لحن لوديع الصافي . عندك بحرية … ترك لإلياس مهمة توزيعها، فقدم لها بمقدمة موسيقية رائعة وأسبغ عليها توزيعاً أضاف للحن عبد الوهاب المأخوذ من سيد درويش روحاً عصرية حديثة فائقة السحر ..

يمكنني القول أن من أهم أسرار الهوية الإبداعية للرحابنة ، وإلياس منهم وأصيل بينهم ، وهو المثال على هذا السر المتمثل بـ ( المرح ) ، و هو مرح ناتج عن تفاعل الملاحظة ، والسخرية، والطرافة، والظرافة، والمفارقة ، والنقد، والكشف، والسبر. وتفاعل كل هذه العوامل  في وجدان ( البساطة الحياتية ) هو ما جعل من هذا المرح روحاً إبداعية  تمتع وتسحر وتبث الفرح و الإنطلاق في متلقيها . .. وكمثال على ما أقول، عندما يروي إلياس نكتة عن حادثة حصلت معه، يضع نفسه في موضع الشخص البسيط الساذج الذي يتلقى المقلب، ويضحك منه بسرور . إنه التواضع ، لا أنه ( البساطة الحياتية) التي يمكن أن تكون أغنية ( لا تهزي كبوش التوتة … ما بحبك لو بتموتي ) مثالاً عليها . أما أغنية ( برات البيت عامل لي عنتر . . . و بيتمشى و بيتمختر . . . و عشية لما بيجي ع البيت . . . بيقول لي  دخلك جسمي مكسر ) دليلاً على هذه البساطة المبدعة ..

في حوار مع الشاعر اللبناني حبيب يونس، أعرب إلياس عن مرارته و خيبته من تعامل الدولة معه ، ومع حقوق الملكية الفكرية لأعماله . كما تحدث عن سبب تردي الفن العربي ، موضحاً أنه كانت مصر ولبنان مصدر ومنبع الأعمال الفنية الموسيقية الغنائية الإبداعية، و كانت تنتج هذه الأعمال , شركات أجنبية ( و سماها ) لكن فجأة هبطت علينا شركة عربية وبدأت تكب المصاري بالسوق . فمثلاً هذا القلم ثمنه 5 ليرات، وكانت هذه الشركة تدفع مقابله مئة ألف . المصاري كب . و شيئاً فشيئاً أنسحبت الشركات الأجنبية وحل محل الجودة والإبداع  ما تراه من هذا الفن .. حتماً هذه الشركة التي تكب المصاري لا تبحث عن الربح . فهل انتبهت دولنا لما بحثت عنه هذه الشركة وحقيقته … و يؤكد إلياس أنه أستمر بإنتاج الجودة و الفن على حسابه ومن إنتاجه لأنه لا يريد الربح والتكسب بل يريد الحفاظ على الإبداع والجودة، وأن يبقى حاضراً غصباً عن كل أمثال هذه الشركة.

برحيلك يا إلياس يفتقد عالمنا الكثير من روحه المرحة وبساطته الحياتية، و يفقد جانباً من إمكانية الفرح والإنطلاق، و أهم ما نخسره هو آخر فرسان  الجودة والإبداع . فهل أكتملت هجرة المبدعين برحيلك ؟؟ و هل هذا ما قصدته العظيمة فيروز عندما قالت عن رحيلك ( هجروا الأحبة الحارة ؟؟).

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى