صحافة عالمية

“فورين أفيرز”: الحرب الخفية داخل “إسرائيل”

ميراف زونزين

“فورين أفيرز”: الحرب الخفية داخل “إسرائيل” – إنّ فوز المتطرّفين يمكن أن يؤدّي إلى كارثة في “إسرائيل”، وَيُعمّق ثقافة الفوضى وانعدام القانون ويحاصره

مجلة “فورين أفيرز” الأميركية تنشر مقالاً للكاتبة ميراف زونزين تتحدّث فيه عمّا وصفته بالحرب الخفية داخل “إسرائيل”، بين مؤسسات أمنية إسرائيلية، ووزراء اليمين المتطرف والمستوطنين المتطرفين.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

منذ نحو شهرين، كتب رئيس جهاز “الشاباك” الإسرائيلي رونين بار، رسالة مهمّة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وائتلافه الوزاري. لكن، الرسالة لم تحظ باهتمام سلطة “تلّ أبيب”، ولا باكتراث حلفائها الغربيين. ومع أنّ الرسالة تحدّثت عن الأزمة العميقة التي وقعت على “إسرائيل” منذ عملية “طوفان الأقصى”، إلّا أنّ بار، حذّرَ على نحو أساسيّ من تصاعد اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين ضدّ الفلسطينيين في الضفّة الغربية المحتلّة. ووصف أعمالهم بـ “الإرهاب اليهودي”، الذي يفرض تحدّياتٍ أمنية جمّة و”وصمة عار كبيرة على اليهوديّة” أيضا.

وأضاف بار. أنّ المجموعة الصهيونية من المستوطنين التي تطلق على نفسها تسمية “شباب التلال”، على الرغم من أنّ معظم هؤلاء المدججين بالسلاح قد تجاوزوا فترة الشباب منذ فترة طويلة، لا يكتفون بالاعتداء على الفلسطينيين في الضفّة الغربية والقدس فحسب. بل يشتبكون أيضاً مع شرطة الاحتلال، وكلّ ذلك بدعم من وزراء في الحكومة. وكتب بار أنّ ميليشيات المستوطنين انتقلت من”الهرب من قوّات الأمن إلى مهاجمتها. بغطاء من مراجع مسؤولة في أعلى هرم السلطة”.

التعتيم على اعتداءات المستوطنين في الضفّة الغربية تحت جناح الحرب الإسرائيلية المستمرّة على غزّة،

خلال العام الماضي. تمّ التعتيم على اعتداءات المستوطنين في الضفّة الغربية تحت جناح الحرب الإسرائيلية المستمرّة على غزّة، والآن على لبنان. وكانت الأمم المتّحدة سجّلت أكثر من 1400 هجمة إرهابية للمستوطنين على فلسطيني الضفّة الغربية منذ 7 تشرين الأوّل/أكتوبر في العام الماضي. وقد تراوحت الاعتداءات بين التخريب والحرق وإطلاق نار أسفرت عن إصابات وأضرار فادحة في الممتلكات. وأدّت إلى تهجير 1600 فلسطيني من منازلهم. وهو رقم مرتفع جدّاً ونتيجة مباشرة لعنف وإرهاب المستوطنين. وقد ترافقت تحذيرات بار مع تحذيرات أخرى من مسؤولين في وزارة الدفاع الصهيونية. من أنّ الضفّة الغربية على وشك انفجار يمكن أن يتسبّب في مقتل مئات الإسرائيليين وإضرام حريق جديد  أيضا.

إنّ سلوك “إسرائيل” في الضفّة الغربية له آثار تتجاوز مصير الفلسطينيين. ويضع المؤسسة الأمنية في مواجهة مع اليمين المتطرّف وحلفائه من المستوطنين. وهي ليست حول استخدام التوحّش والعنف في الحرب على غزّة. أو التوقّف عن احتلال الضفّة الغربية، أو تقديم تنازلات للمساعدة لإيجاد حلّ لِلصراع المستمرّ منذ عقود. بل هو صدام استراتيجي حول تناقضات هوية “إسرائيل” بين التطرّف والبراغماتية. وسيؤدّي هذا المسار إلى المزيد من إراقة الدماء. كما ويضرّ في نهاية الأمر بمكانة “إسرائيل” ودعمها في الغرب، وإلى مزيد من العزلة الدولية والنبذ أيضا. ولا شكّ في أنّ هذه المعركة ستشكّل على نحو حاسم السياسة والأمن في السنوات المقبلة، فالمعركة بين الطرفين ستحدّد مستقبل كيان الاحتلال.

اتّساع التصدّعات بسبب الحرب

بدأ خطّ الصدع بين المؤسّسة الأمنية واليمين المتطرّف بالاتّساع منذ العام 2016. حين قتل إيلورعزاريا وهو أحد جنود الاحتلال، فلسطينياً ملقى على الأرض مصاباً بطلق ناريّ ولا يشكّل تهديداً. حينها، حضر سياسيّون يمينيّون بمن فيهم نتنياهو للدفاع عن عزاريا، حتّى إنّ البعض دعا إلى العفو عنه، ممّا يتناقض على نحو مباشر مع تصريح رئيس أركان “الجيش” الإسرائيلي آنذاك غادي آيزنكوت بأنّ تصرّفات عزاريا تتعارض مع معايير المؤسّسة العسكرية. لم يكشف الحادث عن انقسام متزايد بين الجيش والحكومة فحسب، بل كشف أيضاً عن قوّة حركة المستوطنين في السياسة الإسرائيلية. اتّهم عزاريا في البداية بالقتل، ولكن خفض الاتّهام لاحقاً إلى القتل غير العمد، وقضى 9 أشهر في السجن وخرج.

إنّ كبار مسؤولي “إسرائيل” الأمنيين المكلّفين بمنع ومكافحة العنف بين الإسرائيليين، يدقّون ناقوس الخطر. مؤكّدين أنّ قطاعات من اليمين السياسي الإسرائيلي تعمل بقوّة ضدّ مصالح “الدولة”. ويشيرون تحديداً إلى بتسلئيل سموتريتش وزير المالية القومي الديني الذي يمثّل حركة استيطان. وهو يسيطر بحكم الأمر الواقع من خلال منصب آخر في وزارة الدفاع على الشؤون المدنية في الضفّة الغربية. وقد تم اعتقاله واستجوابه في عام 2005. للاشتباه في تخطيطه لتفجير طريق سريع احتجاجاً على انسحاب الاحتلال من قطاع غزّة مع إيتمار بن غفير الوزير المسؤول عن الشرطة. الذي أدين مرّات عديدة أيضاً بتهمة التحريض على العنصرية ودعمه لجماعة إرهابية يهودية أيضا. ويعيش كلاهما في مستوطنات الضفّة الغربية. وَيشجّعان على المزيد من ضمّ الأراضي الفلسطينية. كما ويدعوان الآن إلى إعادة استيطان قطاع غزّة. وكان بن غفير دعا إلى إقالة كلّ من بار ووزير الدفاع يوآف غالانت. لفشلهما في منع عملية “طوفان الأقصى” ودعمهما إطلاق سراح الأسرى واتّفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس.

بنيامين نتنياهو يستفيد من الصدّام بين اليمين الصهيوني المتطرّف والسلطة الأمنية

الصدّام المتزايد بين اليمين الصهيوني المتطرّف والسلطة الأمنية “غير مسبوق”، على حدّ تعبير مسؤول استخباراتي سابق في “تلّ أبيب”. ويستفيد من هذا الصدّام بنيامين نتنياهو للبقاء في السلطة. من خلال ربط نفسه باليمين المتطرّف وإلقاء اللوم على “الجيش” وجهاز المخابرات في وقوع عملية “طوفان الأقصى”. ويتهرّب من تحمّل المسؤولية. وبعد مرور أكثر من عام، لا يزال نتنياهو يرفض تشكيل لجنة تحقيق حكومية مستقلّة في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

ولكن، بعيداً عن لعبة اللوم. تظهر الفجوة الأساسية بين الأيديولوجيين اليهود العازمين على إضفاء الطابع الرسمي على السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلّة. وبين المسؤولين الأمنيين المتّصلين مع نظرائهم الأميركيين بعمق في العمليات اليومية للحفاظ على أمن كيان الاحتلال. وهم جزء من مؤسّسة عسكرية ربطت تقليديّاً بصورة النظام العلماني الليبرالي الغربي. وهم مصمّمون على الحفاظ على حدّ أدنى من المظهر الخارجي الملتزم بسيادة القانون. لكنّ، جماعات المستوطنين، أصبحت معادية بشكل صارخ “للجيش”. وهذا تطوّر غير عاديّ في “دولة” لطالما كان “جيشها” مقدّساً. وهو غارق الآن في أطول حرب وأكثرها تعقيداً منذ تأسيس “الدولة” الصهيونية في عام 1948.

نقاط الاشتعال والاستفزازات  

لا يتعلّق الصدّام بطموحات اليمين المتطرّف في الضفّة الغربية فحسب، بل أيضاً بمعضلة “إسرائيل” حول ما يجب فعله مع غزّة. والمؤسسة الأمنية تدعم بشخص وزير الدفاع يوآف غالانت، صفقة الأسرى ووقف إطلاق النار لعدّة أشهر، وهي متحالفة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. وينتقد غالانت وآخرون نتنياهو علناً لفشله في تقديم نهاية اللعبة للحرب على غزّة، والتي من شأنها أن تقدّم بديلاً واقعياً لحكم حركة حماس في القطاع. ووصف غالانت رغبة نتنياهو في تحقيق “نصر كامل” بأنّها بمثابة “هراء خطابي”. كذلك، هاجم نتنياهو غالانت بغضب، واتّهمه بتبنّي “رواية معادية للدولة”.

والنزاع بين الرجلين يعود إلى ما قبل العدوان على غزّة. حين حذّر غالانت من أنّ محاولة حكومة نتنياهو تقييد المحكمة العليا بمزاعم إصلاح القضاء. وهو اقتراح مثير للجدل دفع جنود الاحتياط إِلى التهديد بعدم الحضور للخدمة العسكرية. ما يعرّض الأمن القومي للخطر. وكان نتنياهو قد تراجع عن قراره إقالة غالانت في إثر احتجاجات عامّة حاشدة كانت تطالب بصفقة وقف إطلاق النار في الحرب على غزّةَ. وفي أحدث خلاف بينهما، ألغى نتنياهو رحلة غالانت المقرّرة في الشهر الجاري إلى الولايات المتّحدة لتنسيق الردّ على ردّ إِيران. واشترط محادثة بايدن أوّلاً.

في الشهر الماضي، صوّت وزراء حكومة نتنياهو على إبقاء “جيش” الاحتلال منتشراً إلى أجل غير محدّدٍ في ممرّ فيلادلفيا، وهو شريط ضيّق على طول الحدود بين غزّة ومصر. وكان نتنياهو قد أهمل ذكر هذا الشرط في المفاوضات حول اتّفاق وقف إطلاق النار في شهر أيار/مايو الماضي، الأمر الذي ترفضه حركة “حماس” ومصر بالكامل. وفسّر العديد من المراقبين تصويت الحكومة على أنّه قرار نتنياهو بتدمير إمكانية التوصّل إلى اتّفاق، ممّا يشير إلى تفضيله لاستمرار الحرب على غزّة كوسيلة للحفاظ على دعم الجناح اليميني المتطرّف للحكومة، الذي يعارض وقف العدوان على غزّة بشدّة، وقادته يخطّطون لاستيطان القطاع وَطرد الفلسطينيين منه.

أكبر التظاهرات في تاريخ “إسرائيل” بسبب مصرع 6 أسرى كانوا بيد حركة حماس

وعلى النقيض من ذلك، يصرّ غالانت والمؤسّسة العسكرية على إمكانية الانسحاب من ممرّ فيلادلفيا كجزء من صفقة واستعادته لاحقاً إذا لزم الأمر. وبعد وقت قصير من التصويت الحكومي المذكور، صدم الإسرائيليون بمصرع 6 أسرى كانوا بيد حركة حماس في غزّة. وقد أثار موتهم غضب حركة احتجاج إسرائيلية يائسة من أجل صفقة. وأدّى إلى إضراب عمالي لمدّة نصف يوم. كما وإلى أكبر التظاهرات في تاريخ “إسرائيل”. حيث طالب ما يقدّر بنحو نصف مليون شخص في “تلّ أبيب” وحدها، نتنياهو بالتوصّل إلى اتّفاق لإطلاق سراح الأسرى المتبقّين. والآن مع تحوّل الجبهة الرئيسية إلى لبنان، يبدو أنّ صفقة الرهائن بعيدة المنال. وكشف تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” مؤخّراً عن إحباط كبار مسؤولي الدفاع، الذين اتّهموا الحكومة بالتضحية فعليا بالأسرى سعياً لضمّ غزّة.

المحرّك الآخر للصدام بين المؤسسة الأمنية والحكومة، أو على الأقلّ مع عناصرها اليمينية المتطرّفة، هو الوضع الراهن المتدهور في القدس الشرقية المحتلّة الذي يضمّ المسجد الأقصى و”جبل الهيكل” المزعوم، وتشكّل نقطة اشتعال رئيسية متكرّرة منذ احتلال المدينة في العام 1967. وبن غفير، بصفته وزيراً للأمن القومي، قوّض في مرّات عديدة الوضع الراهن الهشّ في المدينة من خلال تشجيع اليهود على الصلاة هناك، وهو ما يقومون به الآن بأعداد متَزايدة. وقد أدانت المؤسّسة الأمنية أفعاله باعتبارها استفزازات خطيرة لا تلهب الفلسطينيين فحسب، بل تستفزّ الأردن أيضاً والعالم الإسلامي الأوسع.

استمرار المواجهة بين اليمين المتطرّف والمؤسّسة العسكرية

تستمرّ المواجهة بين اليمين المتطرّف والمؤسّسة العسكرية بلا هوادة، على الرغم من التدهور السريع للوضع في الضفّة الغربية وخارجها. وخلال العام الماضي منعت سلطات الاحتلال 150 ألف فلسطيني من الضفّة الغربية من العمل داخل الكيان. كما حجبت أموال الضرائب عن السلطة الفلسطينية بموجب شروط اتفّاقات أوسلو، كجزء من محاولة سموتريتش إضعاف الحكومة الفلسطينية وتعزيز السيطرة على الضفّة الغربية.

إنّ الضرر الشديد الذي لحق باقتصاد الضفّة الغربية بسبب هذه السياسات يقوّض على نحو مباشر ما يعدّه المسؤولون الأمنيون القدرة على الحفاظ على مستوى ضئيل من النظام؛ لأنّ البطالة والبؤس الفلسطينيين لا يزيدان إِلّا من احتمال اندلاع العنف. عبثاً، ناشدت المؤسّسة الأمنية حكومة نتنياهو الإفراج عن عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية واستئناف إصدار تصاريح العمل لفلسطينيي الضفّة الغربية العاملين داخل الكيان، لأنّه، عندما يتعلّق الأمر بالضفّة الغربية تخضع الحكومة بشكل خطير لأولئك الوزراء اليمينيين المتطرّفين الذين لا يريدون أقلّ من ضم الأراضي الفلسطينية، ويثيرون بشكل متعمّد المزيد من الصراع والفوضى.

انتصارات باهظة الثمن من الحرب

لا تستمع الحكومة إلى المؤسّسة الأمنية أو إلى المتظاهرين في الشوارع، بل تعتمد عوضاً عن ذلك على قاعدتها القوية بين المستوطنين الذين يدعمون نهجها في الضفة الغربية والحرب المتعدّدَة الجبهات على نطاق أوسع. والسؤال هو ما إذا كان الضغط الخارجي يمكن أن يدفع نتنياهو إلى تغيير مساره، وهو أمر صعب خاصّة بسبب دعم واشنطن غير المشروط تقريباً لـ “إسرائيل”، حتّى مع توسّع المستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية. ومن غير الواضح ما إذا كانت التدابير الأقوى من واشنطن يمكن أن تعيد تشكيل السياسة الإسرائيلية. ومن المرجّح أن يعتمد نتنياهو على اليمين المتطرّف للبقاء في السلطة حتى لو تعرّض لضغوط من الولايات المتّحدة، كما أنّ المجتمع المتّصهين يتماشى إلى حدّ كبير مع موقف نتنياهو الرافض لأيّ تنازل للفلسطينيين.

لكن حتّى الخلاف الجزئي مع الولايات المتّحِدة يمكن أن يؤثّر في قدرة البلاد على شنّ الحرب. ومن شأن اتّخاذ موقف أكثر صرامة من جانب الولايات المتّحدة أن يظهر بشكل أكثر وضوحاً الجانب الذي سيكون المسؤولون الأميركيون على استعداد لاتّخاذه في الصراع بين رؤيتين لـ “إسرائيل”، الدافع الأيديولوجي لليمين المتطرف للاستيلاء على الضفة الغربية وإبادة إمكانية إقامة دولة فلسطينية وهذا يجعل “إسرائيل” أقلّ أماناً، أو اختيار نهج دعم المؤسّسة العسكرية الأكثر براغماتية. وإنّ فوز المتطرفين يمكن أن يؤدّي إلى كارثة في “إسرائيل”، وَيُعمّق ثقافة الفوضى وانعدام القانون ويحاصره.

نقله إلى العربية: حسين قطايا

الميادين نت

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

زر الذهاب إلى الأعلى