
الحوارات التي جرت وتجري في سورية لم يشهدها التاريخ، كل الشعب السوري يتحاور عن تطورات الأحداث ومستقبلها وأمنياته حولها : في المسجد ، في الكنيسة، في البيت، في العمل، في الأسواق، في المقهى، في المنتديات ، في القرى ، في الثكنات ، في كل مكان ..
كان الشعب السوري جائعا للحوار، ثم فجأة وجد نفسه أمام (مائدة مفتوحة) يمكنه أن يدلي فيها برأيه ويحكي ما يشاء، مرة بصراحة، ومرة بشكل مبطن، فالمائدة شهية غير منظمة، وهذا يعني أن الفائدة التي يجنيها أقل بكثير من معنى الحوار الذي يسعى الجميع للحصول على فوائده ونتائجه .
لم يعتد الشعب السوري على طرح آرائه بهذه الصراحة من قبل، فالخوف كان يحيط به من كل مكان: أجهزة أمنية ومخبرين وسجون ومقابر جماعية وعدالة مفقودة وقانون سائب.
بدأت المشكلة من أيام جمال عبد الناصر الذي صفق له الناس وتجمعوا بعشرات الألوف للهتاف له، لكنه حرمهم الصحافة والأحزاب والبرلمان والتعددية، وترك لهم أجهزة الأمن والرأي الواحد، وتعمقت المشكلة في الستين سنة الأخيرة، وصارت انتقامية أودت بالبلاد إلى المهلكة، لكن ذلك انتهى الآن، وصار بإمكان كل سوري أن يطرح رأيه ويدافع عنه، لكن للأسف لا فائدة من الحوار إذا لم ينظم .
يتم تنظيم الحوار عبر الحرية السياسية وأدواتها من قانون ينظمها، وبرلمان يحصنها، وأحزاب تقودها، ومنابر ديمقراطية إعلامية لها حصانة وطنية. وكلنا يعرف أن حجب الحرية السياسية وأدواتها والاستهتار بالقانون والتسلق عليه وتكديس القوة العسكرية، لم يحم الطغمة الحاكمة من قبل، ولم يجنب البلاد ثورة عارمة ضد الحكم تحولت إلى حرب أكلت الأخضر واليابس، ثم إنهار النظام القمعي بين ليلة وضحاها وتداعت سلطته كما تتداعى أحجار الدومينو.
نعم نحن نريد أن نعرف كيف يفكر الشعب السوري، وما الذي يريده، وكيف يمكن لمستقبله أن يكون زاهرا ومحصنا من الخوف والجوع والاستبداد. والطريق إلى ذلك هو بانجاز المرحلة الانتقالية ومهامها، ولايتم هذا الانجاز إلا عبر حوار وطني، ولا حوار وطني من دون تنظيم وأدوات وحصانة، أي أن المسألة تدور وتعود لأولها.
أما سنة 2026، فهي السنة الثانية للسقوط، السنة الثانية في عمر المرحلة الانتقالية، ومن حق الناس السؤال : أين وصلتم خبرونا !
من حق الناس أن تطلب من جميع ممثلي المكونات : نحن لانريد الحرب، نحن لانريد الدم، لا نريد الخوض في لعبة الانتقام، نحن نريد الاستقرار والأمان والحياة الكريمة.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة



