فيروس الصّراع على الزّعامة ينتقل من الشرق إلى الغرب في ليبيا.. لِمَن ستكون الغلبة في النّهاية لحفتر أم لصالح في برقة.. وللسراج أم باشاغا في طرابلس؟ وما هو مصير اتّفاق وقف إطلاق النّار؟

 

الانقسام هو الأرضيّة المُشتركة في ليبيا هذه الأيّام، فهذا الفيروس الخطير لم يَعُد مُقتَصِرًا على وجود سُلطتين وجيشين وبرلمانيين وحُكومتين في كُل من الشّرق والغرب، وإنّما انتقل إلى السّلطتين الحاكمتين نفسهما، وباتت كُل منهما برأسين مُتناحرين.

نشرح أكثر ونقول إنّ سُلطة الشرق، وبالتّحديد في مِنطقة برقة وجِوارها، باتت تشهد صِراعًا مُحتدمًا بين الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني، والسيّد عقيلة صالح رئيس البرلمان، واللّافت أنّ الجِنرال لم يلتزم باتّفاق وقف إطلاق النّار الذي أعلنه الثّاني يوم 12 آب (أغسطس) بوساطةٍ أمريكيّة وبالتّوافق مع حُكومة الوفاق في الغرب، لأنّه لم يعلم بِه إلا عبر التّلفزيون.

المُفاجأة الأكبر جاءت من الغرب، وبالتّحديد من السيّد فايز السراج، رئيس حُكومة الوفاق، عندما قرّر تجميد وزير داخليّته ومُنافسه اللّدود فتحي باشاغا، أثناء زيارة يقوم بها إلى أنقرة وسط أنباء تقول إنّه قام بالزّيارة دون التّشاور مع رئيسه.

السيّد باشاغا رجل مصراته القويّ والزّعيم السّابق لأكبر ميليشياتها، أعرب عن استِعداده لطلب رئيسه السراج بالمُثول أمام لجنة تحقيق، ولكنّه اشترط أن يكون التّحقيق مُتلفزًا ومُذاعًا على الهواء مُباشرةً، وهو شَرطٌ لم يقبله السيّد السراج، لأنّه سيزيد من ضَعفِه أمام “شعب الغرب” اللّيبي.

اللّافت أنّ خطوة السراج جاءت بعد مُظاهرات غاضبة سادت العاصمة طرابلس ومُدن أخرى في الغرب، شارك فيها الآلاف، عُنوانها الأبرز الاحتِجاج على الفساد المُستشري، وتَغوّل الميليشيات، وانهيار الخدمات العامّة الأساسيّة مِثل الماء والكهرباء والأمن والتّعليم والصحّة واستِفحال البِطالة في أوساط الشّباب.

باشاغا أيّد هذه التّظاهرات نِكايةً بخصمه السراج، وأدان إطلاق النّار على المُتظاهرين، وحَظِي بسبب ذلك، بشعبيّةٍ كبيرةٍ في الغرب الليبي، وخاصّةً مسقط رأسه مصراته، الأمر الذي وضع خصمه السراج في مَوضِعِ حَرِجٍ للغاية.

هذا الصّراع بين السراج ووزير داخليّته ألقى بظِلال من الشّك حول فُرص نجاح اتّفاق وقف إطلاق النّار الحالي، تمامًا مثلما فعل الصّراع المُوازي بين الجِنرال حفتر ومُنافسه عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق، ومِن المُفارقة أنّ الرّجلين، أيّ السراج وصالح لا يملكان القوّة على الأرض، وإنّما شرعيّة سياسيّة مُتأرجِحَة.

السراج مِثل صالح يُجسّدان شرعيّتين مُختلفتين، الأوّل أيّ السراج، يُجسّد شرعيّة دوليّة تأتي من اتّفاق الصخيرات، والثّاني، أيّ صالح، يملك شرعيّة برلمانيّة مُنتخبة ومُعترف بها دوليًّا أيضًا، ولكنّهما شرعيّتان بلا أنيابٍ ومخالب، والقوّة العسكريّة على الأرض في يَد خصميهما باشاغا وحفتر، والنّهاية مَكتوبةٌ على الحائط.

قوّات مصراته، إسبرطة ليبيا، هي الأقوى عسكريًّا في الغرب الليبي، وبُدونها، وزعيمها باشاغا ما كان يُمكن صدّ هُجوم قوّات حفتر على العاصة طرابلس، وإذا صحّت الأنباء التي تقول إنّ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان يدعم وزير الداخليّة لأسبابٍ كثيرةٍ إحداها جُذوره التركيّة، إلى جانب القوّة الاقتصاديّة والعسكريّة لمدينته مصراته، فإنّ أيّام السيّد السراج المُقبلة قد تكون صعبةً للغاية، أن لم تَكُن مَعدودةً.

الشّعب الليبي المغلوب على أمْرِه والمُهمّش، يُراقب هذا الصّراع على السّلطة والنّفوذ بمرارةٍ، ويترحّم قِطاعٌ عَريضٌ منه على أيّام العقيد معمر القذافي تمامًا مِثل نظيره العِراقي الذي يترحّم على أيّام حُكم صدام حسين، والشّعبان باتا يُقدِّمان الاستِقرار والأمن على كُلّ الطّموحات والشّعارات والمطالب الديمقراطيّة للأسَف.

ربّما يُؤدّي التدخّل الأمريكيّ إلى إعلان هُدنةٍ بين المُتخاصمين في شرق ليبيا وغربها، ولكنّها هُدنة ستكون مُؤقّتة، ونار الصّراع تظَل تحت الرّماد.. واللُه أعلم.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى